كل إنسان معرض للمرض. وعندما يمرض تسرع أسرته بعلاجه. وتبحث عن أفضل الأطباء وأفضل الأماكن وهيئة التمريض لتوفر له كل سبل العلاج وكل الفرص الملائمة ليتم الشفاء ويسترد صحته وعافيته,يحيط به الأهل والأصدقاء يحملون له الزهور, وعلب الحلوي والتمنيات الطيبة بالشفاء. ويترددون عليه إلي أن يعود إلي بيته وأسرته وقد استرد عافيته. وكل هذا طبيعي إلا مع المريض النفسي والمريض العقلي. يختلف الوضع وتختلف المعاملة والتصرفات. تتحول معاملة الأسرة إلي الخجل والخوف والإحساس بالعار. لا تريد أن يشعر الناس بهذه المصيبة والفضيحة, كما كان يحدث مع الطفل المعاق فيما مضي. تخفيه الأسرة عن عيون الناس. تضيق بوجوده وأحيانا تنبذه ويصبح مشكلتها وهمها الذي تتمني أن تتخلص منه. وبالوعي والتوعية والمتابعة تحول الوضع. وتقبلت الأسر هؤلاء الأطفال ودعت أجهزة الدولة إلي اندماج هؤلاء الأطفال المعاقين أيا كانت أنواع إعاقتهم في المجتمع ورعايتهم والاهتمام بهم ومعاملتهم مثل الأطفال الأسوياء مع زيادة الاهتمام والصبر وإشعارهم بأنهم لا يختلفون عن باقي الأطفال. وحثهم علي المشاركة معهم في كثير من الأنشطة والألعاب والهوايات.
ولكننا مازلنا نشعر بالخجل من المريض عقليا ونفسيا. ونريد إخفاء هذه الحالات عن الآخرين معتبرين أنها مصيبة وعار وخزي مع أن المريض بهذه الحالات لا ذنب فيما أصابه وهو في حاجة إلي مشاعر مختلفة. يحتاج إلي التعاطف معه, إلي مشاعر حب واهتمام تسانده وترعاه. ولكن الأسر التي تتصور أن هذه الأمراض عار وفضيحة تسرع بإيداع المريض أو المريضة بمستشفي الأمراض العقلية بعيدا عن الأسرة والناس والمعارف وتنساه أو تتناساه. لا تعود ولا تسأل عنه ولا تحمل له زهورا أو حلوي. فهي تريد التخلص منه وبتره من الأسرة..وتتصاعد شكوي مستشفيات الأمراض العقلية من هذا المسلك المعيب. ومن الإهمال الكامل للمريض. وفي أحيان كثيرة يشفي المريض وتتحسن حالته ويعود طبيعيا. ويمكن أن يعود إلي أسرته ولكن الأسرة تتجاهل هذه الحقيقة. وترفض استعادته. وتتركه ليقضي بقية أيام عمره داخل المستشفي أو هائما في الشوارع إذا أخرجته المستشفي إلي الشارع. وهو سلوك مخجل ومعيب بعيد تماما عن المشاعر الإنسانية. ولا وسيلة إلي إجبار الأسرة علي استعادة مريضها العقلي.
هل من وسيلة ليتغير هذا المسلك المعيب. هل من أمل لتسترد الأسرة وعيها ومشاعرهاالإنسانية وتعيد المنبوذ إلي حضن أهله وحفظ كرامته؟!