انقسمت الثقافة السائدة في مصرحول الفيلم الإيراني (إعدام فرعون) فرآه ناصريون فرصة لتصفية حساباتهم مع الرئيس السادات الذي استقبل الشاه رغم عداء عبدالناصرله. والسادات زار القدس وهي من المحرمات العروبية. وإذن فإن الإيرانيين علي حق إذ وصفوه بالخائن. والساداتيون ضد الفيلم لأن السادات هو بطل الحرب والسلام. أما الإسلاميون فإنني أكتفي بشهادة أ. منتصر الزيات الذي كتب أننا لو استقدمنا من أعمارنا ما استدبرنا لما قتلنا السادات. دون أن نعتبر الإسلامبولي (قاتل السادات) مخطئا (المصري اليوم 2008/7/26) وهذه الشهادة تضعنا أمام ملحوظتين : الأولي أن سيادته يعترف بالاشتراك في قتل السادات حيث صيغة الجمع (لما قتلنا السادات) فإذا كان هناك منفذون فهناك مخططون. الثانية الإصرارعلي أن الإسلامبولي لم يخطيء عندما قتل السادات. ومعني ذلك أن كلامه يحمل تناقضا داخليا. وهذا التناقض له سوابق تاريخية لدي الأصوليين. أما الدفاع عن الإسلامبولي فهوخط ثابت لديهم. وقد عبرعنهم أ. ضياء رشوان عندما تحدث عن تطورالاهتمام الناصري بالإسلام الكفاحي (فقد ترجمت هذه الكفاحية الإسلامية نفسها حركيا في مجموعة أحداث مهمة. كانت قمتها هي اغتيال الرئيس السادات علي يد الشهيد خالد الإسلامبولي ورفاقه) (الناصرية والإسلام -مركزإعلام الوطن العربي صاعد- عام 91 ص 80) وما معني إطلاق صفة الشهيد علي الإرهابي الذي يقتل المختلف معه؟ ألا يؤكد هذا الموقف علي أن الإسلاميين يصرون علي طريق العنف الدموي؟ والشيء الملفت للنظرأن العروبيين والإسلاميين لم يهتموا عندما أطلق النظام الديني الإيراني اسم الإسلامبولي علي أحد شوارع إيران بعد اغتيال السادات. فلماذا صمتوا كل هذه السنوات ؟ وكأن الفيلم العابرأهم من اسم الشارع الثابت .
وعندما أذاعت الفضائيات أن مخرجا مصريا سيخرج فيلما بعنوان (إمام الدم) توقفت أمام العنوان. ولأنني أعتبره من المخرجين المتميزين قلت فلأهمس له برأيي : أعتقد أن المقصود بإمام الدم هو الخوميني ومعه الآيات الذين استولوا علي السلطة بعد الإطاحة بحكم الشاه , وأغرقوا شوارع وميادين وسجون إيران بالدم , وقتلوا الحلفاء قبل الخصوم. كما شهدت بذلك كل منظمات حقوق الإنسان العالمية . وقد تم تسجيل أسماء ما يزيد عن ألفي سجين ورد وقوعهم ضحية لموجة الإعدامات السياسية السرية في الفترة من يوليو 88ويناير89 (كتاب انتهاكات حقوق الإنسان في إيران من عام 87 – 90 وهو من مطبوعات منظمة العفوالدولية) وأوضح آية الله يزدي رئيس الهيئة القضائية أن أعضاء جماعات المعارضة مثل منظمة مجاهدي خلق الإيرانية , مدانون بصورة جماعية (بشن حرب علي الله) و(بالفساد في الأرض) ومن ثم فهم معرضون للحكم عليهم بالإعدام (صحيفة إطلاعات 90/5/30 ) كما أن الآلاف من المعارضين السياسيين تم إعدامهم في السنوات الأولي بعد وصول الآيات الي الحكم عام 79 (المصدرالسابق ص 10) فإذا كان الآيات أغرقوا المجتمع الإيراني بالدم , وهي حقيقة لايمكن إنكارها , فإن عبدالناصرأدي دورا رئيسيا في وصول الآيات المتعطشين للدم الي السلطة في إيران منذ فبراير63 والتفاصيل حكاها رجل المخابرات فتحي الديب في كتابه (عبدالناصروثورة إيران _ مركزالدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام عام 2000) فذكرإنشاء محطة إذاعة باللغة الفارسية موجهة الي شعب إيران من القاهرة ص33 ,135 كمثال. ووافق عبدالناصرعلي إنشاء معسكرلتدريب الإيرانيين علي (التدريب العسكري والفني. وإمداد قيادة الحركة التحررية ببعض الأسلحة الخفيفة والقنابل والذخيرة والمتفجرات. واستعداد ج.ع.م (أي مصر) لتدريب أي أعداد من (المناضلين) الإيرانيين. وكان برنامج التدريب يشمل : قتال الصاعقة وحرب العصابات. استخدام لاسلكي. استخدام مفرقعات إلخ) (ص 103 ,104 ,116 كأمثلة) هذا بخلاف المبالغ المدفوعة نقدا بعضها بالدولاروبعضها بالجنيه الإسترليني وبعضها بالفرنك الفرنسي وبعضها بالفرنك السويسري (ص 28, 76, 94) بخلاف الإقامة والمصروف الشهري لأتباع الخوميني المقيمين في مصرتمهيدا للإطاحة بنظام الشاه. وكل ذلك من أموال المصريين , وليس من جيب عبدالناصرالخاص بطبيعة الحال .
وعن علاقة عبدالناصربالخوميني كتب فتحي الديب (بادرالخوميني فوروصوله الي أرض طهران من ملجئه بفرنسا -وبمنتهي الصراحة- أنه يعلنها لجميع أبناء الشعب الإيراني , أنه ومنذ بداية الحركة النضالية للثورة الإيرانية كان علي إتصال مباشرومستمرمع عبدالناصرالذي لم يتردد في دعم وتقديم كل احتياجات (الثورة الإيرانية) (مصدرسابق ص 145) واعترف بهذه العلاقة الكاتب الناصري العتيد أ. عبدالحليم قنديل فكتب (عارض عبدالناصربشدة حكم شاه إيران وقدم أوفردعم ممكن لحركة الخوميني (الثورية) منذ بداياتها القوية سنة 63) (الناصرية والإسلام ص63) اذا ربطنا كل ذلك بموقف أمريكا التي لم تتدخل لصالح الشاه , خاصة النفوذ الكبيرلأمريكا في إيران وأن ضباط أمريكا داخل جيش إيران بلغ عددهم عدة آلاف. كما أن عضوا في تنظيم خوميني اعترف بأن مندوب المخابرات الأمريكية اتصل به وأخبره أنهم علي علم تام بنشاط ( المعارضة الوطنية) للتخلص من الشاه. وأن أمريكا استنفدت أغراضها منه نظرا لعدم موافقتها علي أسلوبه في (ضرب الشعب) وأن أمريكا لن تتدخل في خطة وأسلوب التحرك (الوطني) الإيراني وعدم التدخل لصالح الشاه. واستعداد أمريكا للتعاون ومساندة الحكم (الوطني) وتقديم الدعم للقوات المسلحة الإيرانية. وأن المخابرات الأمريكية علي استعداد لتأمين اتصال سري بين القيادات (الوطنية) خارج إيران وداخلها. وكتب رجل المخابرات أ. فتحي الديب أن أمريكا بعد أن اعترفت بنظام الخوميني تخلت عن صديقها وحليفها الشاه المخلوع ورفضت قبوله لاجئا سياسيا. وحذت حذوها كل الدول الغربية (مصدر سابق ص89, 130, 143).
ولاأتصورأن فيلما مصريا (يكتب له البقاء ويحقق النجاح الفني) يناقش علاقة عبدالناصر بإمام الدم. ويرد علي فيلم إعدام فرعون , دون أن يربط موقف عبدالناصرمن جدوده الفراعنة. حيث أعلن في دمشق يوم 58/3/9 أن الدعوة الي الفرعونية دعوة استعمارية وكررها أكثرمن مرة (خطب عبدالناصر- مصلحة الاستعلامات ص 55, 468) ودون أن يربط العداء الإيراني للفراعنة بعداء الثقافة السائدة في مصرلجدودنا المصريين. فهذه الثقافة لاتكف عن اتهامهم بالظلم والطغيان. وكمثال واحد فإن أ.أحمد بهجت عندما يتناول بعض رؤساء الدول الطغاة مثل صدام حسين لابد أن يشبهه بالطاغي الأكبر(فرعون) (أهرام 90/8/18 , 90/9/1 , 91/1/17 , 94/5/19 , 94/8/5 , 99/2/19 , 99/3/8 , 99/3/13) والأمثلة في أرشيفي المتواضع يصعب ذكرها بسبب المساحة المتاحة . فكباركبار من نطلق عليهم (المثقفين المصريين) يقفون علي نفس الأرضية العربية المعادية لجدودنا المصريين القدماء ويرتكبون نفس الجرم الذي ارتكبه معدوالفيلم الإيراني عندما شبهوا السادات الطاغي بالفرعون. وإذا كان عبدالناصرهو الذي عين السادات ليخلفه في حكم مصر, وإذا كان السادات هو صاحب مدرسة (ديموقراطية المفرمة) فإن عبد الناصرفعل ما فعله الخوميني وآياته , حيث اعتقل الحلفاء قبل الخصوم. وإذا كان الفيلم الإيراني ينطلق من مرجعية دينية عربية معادية لجدودنا المصريين , فكيف سيعالج المخرج المصري هذه الاشكالية ؟ وهل سيعتمد السيناريو علي لغة العلم أم سيكتفي بلغة السياسة؟