في المناظرة الأولي بين المرشح الجمهوري جون ماكين والمرشح الديموقراطي باراك أوباما, يوم الجمعة 26 سبتمبر, ظهر واضحا أننا أمام سياسيين, عركتهما السياسة, ويعرفان فنون الكر والفر. المجتمع الأمريكي مولعا باستطلاعات الرأي. فور انتهاء المناظرة التي استغرقت ساعة ونصف الساعة, بدأ المشاهدون يعلقون. يبدو من التعليقات, والأصوات, أن أوباما كان أفضل من ماكين. والسبب ربما يعود إلي ما أشيع من أن ##السياسة الخارجية## هي عامل ضعف أوباما, وعامل قوة بالنسبة لماكين. ولكن أداء أوباما خيب الظنون, وجاء متقدما, مرتفعا, ورشيقا. كلا المرشحين أجادا الإجابات, وفنون المصارعة الهادئة, ولكن الظاهر أن أوباما الذي لم يغادر الأربعينيات بعد, كان أكثر حضورا من ماكين الذي تخطي السبعينيات من عمره, وهو أمر لا يمكن استبعاد تأثيره علي تقييم المشاهدين.
لم تكن تداعيات الأزمة المالية واضحة ##بقوة## علي الطرفين, وهو ما أزعج بعض المشاهدين, الذين يشعرون بالأزمة أكثر من المرشحين للرئاسة. ماكين كان حادا, جادا, يظهر بأنه يمتلك الحلول للمشكلات. أوباما كان حذرا, متأملا, وهادئا وأكثر تحفظا مقارنة بالمرشح المنافس.
القضية المحورية, والتي يشير إليها كثير من المحللين, أنه لا يوجد إطار حاكم للسياسة الخارجية الأمريكية, مثلما كان إبان الحرب الباردة, وهو ما يجعل صناع السياسة الخارجية يتعاملون مع قضايا جزئية دون وجود تصور شامل. إبان الحرب الباردة كان هناك عدو واضح, هو الاتحاد السوفيتي, والكتلة الشيوعية, وفي المقابل العالم الحر اقتصاديا وسياسيا, بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. في أواخر الثمانينيات سقطت الكتلة الشيوعية, وانتصر العالم الحر, وهو ما جعل مفكرا أمريكيا شهيرا, هو فرنسيس فوكوياما, يتحدث عن نهاية التاريخ بانتصار الرأسمالية. وهو أمر لم يتحقق, فقد جاءت حرب الخليج الأولي في أوائل التسعينيات, وهي الحرب التي وجد فيها جورج بوش ##الأب## فرصة للعودة إلي الأمم المتحدة, التي كان استقطاب الحرب الباردة وراء شل حركتها, واستطاع أن يبني تحالفا دوليا قويا, يضم الاتحاد السوفيتي, لتحرير الكويت, وهو ما تحقق. ولكن هذا التحالف لم يستمر طويلا, وظلت السياسة الخارجية الأمريكية بلا بوصلة واضحة في التسعينيات, إلا أن جاءت أحداث 11 سبتمبر لتخلق حالة جديدة بالنسبة للسياسة الأمريكية, من أبرز ملامحها الحرب ضد الإرهاب. والآن بعد مرور ثماني سنوات, صارت هناك تساؤلات جادة في الأوساط الأمريكية ما هي الحرب ضد الإرهاب؟ هل تصلح إطارا يفسر لنا ما يجري في العالم؟ كيف يفسر لنا صعود الصين, وعودة الاتحاد السوفيتي إلي مسرح الأحداث, والخيار النووي لكوريا الشمالية؟ تساؤلات كثيرة صكها الكاتب اللامع فريد زكريا في كتابه ##عالم ما بعد أمريكا##, الذي من أبرز ملامحه ليس تراجع أمريكا, ولكن صعود الآخرين.
في المناظرة حول قضايا السياسة الخارجية الرئيسية من الاتحاد السوفيتي إلي العراق مرورا بإيران, كان واضحا من إجابات كلا المرشحين, أوباما وماكين, أنه لا يوجد إطار واضح يفسر قضايا السياسة الخارجية, ولا يزال التعامل يجري وفق طبيعة كل حدث علي حدة. وهذه هي إحدي الإشكاليات التي سوف تواجه السياسة الأمريكية بصرف النظر عمن سيكون في البيت الأبيض.