بالتأكيد هي ظاهرة جديدة علي دنيا الإعلام, أن يبدي شخص رأيه مباشرة, في نفس مكان نشر المقال أو الخبر أو التحقيق. في الصحافة عادة ما يكون بريد القراء تحت ##السيطرة## بمعني ما من المعاني, إذ يقرأه المحرر أولا, ثم يمر علي قسم المراجعة ثانيا, ومن المتوقع أن تجري تعديلات كثيرة في الطريق. وفي دنيا الإعلام المرئي, قد يسمح للجمهور بالاتصال التليفوني والتعليق, ولكن كثيرا ما يكون الاتصال مرتبا بصورة مسبقة, بما يجعل عنصر المفاجأة محدودا, وفي كل الأحوال فإن هناك من يملك أن يقطع الاتصال الهاتفي في أية لحظة.
ولكن في عالم الإعلام الإلكتروني, فإن الرقابة محدودة, والتعليقات كثيرا ما تظهر علي سطح المواقع الإلكترونية دون مراجعة دقيقة, فهامش الحرية مرتفع, وعادة ما تكون للمواقع ألوان محددة, فإذا جاءت التعليقات موافقة لهذه الألوان, مهما كان فيها من شطط, فإنها تعرف طريقها إلي النشر.
وجمهور الإنترنت غير محدد المعالم. لا يعكس رأيا عاما, لأنه جمهور ##عشوائي##, بل شديد العشوائية, يتجول عبر مواقع الإنترنت يعلق هنا, ويهاجم هنا, ويقول رأيه هنا…..إلخ. ويمثل هذا الجمهور في جانب كبير منه مستوي الثقافة السياسية السائد, وكيف أنه متراجع للغاية, إلي الحد الذي جعل هؤلاء ##الإنترنتيون## يتبنون قضايا شديدة التراجع علي المستوي السياسي.
وتعكس تعليقات الجمهور- في بعض الحالات- هبوطا في مستوي التكوين التعليمي والثقافي, فنجد معظمهم غير قادر علي التعبير عن نفسه بلغة سليمه, وتعبيرات منضبطة, ويلجأ إلي اللغة الدارجة لأنها الأسهل بالنسبة له, دون أن تكون لديه القدرة علي التعبير عن نفسه علي نحو يساعده علي التواصل مع الآخرين.
في كثير من الأحيان لا يفهم الجمهور قصد الكاتب, فيذهب بالتعليق إلي اتجاه آخر. وفي أحيان أخري يظن قارئ الإنترنت أنه أصبح في موضع من يحاكم الآخرين, ويصدر أحكاما عليهم, فنجده يتطاول علي الكتاب دون وجه حق في كثير من الأحيان.
وعكس ما هو شائع من أن جمهور الإنترنت يعكس مساحة من الحرية, فالأمر الظاهر أنه يعكس مساحة من التطاول المتخفي, كثير منهم يستخدم هوية غير هويته, وأسماء مستعارة, ويعتبر ذلك فرصة لتسجيل آراء شديدة التخلف, والانغلاق, دون أن يعرفه أحد. هناك الآن أحمس, وخفرع, ومصري مفروس, ومصري فاهم بجد, ومصري أصيل….إلخ. وفي قلب النقاشات, بات القراء يعرفون بعضهم بعضا, فنجد خفرع يرد علي أحمس, ويذكره بموقف سابق, ويرد عليه أحمس في حالة من الجدل الصحي حينا وغير الصحي أحيانا. من هنا فإن ما يقدمه الإنترنت للجمهور هو مساحة ##عشوائية## يمكن أن تستغل لتعميق الحرية, ويمكن أن توظف ضد الحرية ذاتها.
في مواقع الإنترنت التفاعلية في الغرب, نجد حالة حوار حقيقية, وآراء عميقة. ولفت نظري تعليقات جاءت علي مقال لي بالإنجليزية في أحد المواقع الأجنبية, ورغم أن الموضوع كان ملتهبا حول المسلمين في الغرب, إلا أن الحوار كان راقيا, هادئا, وإن لم يخل من اختلاف في الرأي.
جمهور الإنترنت الذي نعرفه- اليوم- ما هو إلا انعكاس لمواطن مضطرب, متوتر, يبحث عن معني.