السفير البريطاني ديريك بلامبلي علي مشارف إنهاء عمله سفيرا للمملكة المتحدة بمصر مع نهاية هذا الشهر ومع أسفنا لرحيل سفير مميز مثله,التقينا به في لقاء خص بهوطنيقبل رحيله,فتح فيه قلبه للحديث ليس فقط عن الإنجازات التي تمت خلال فترة عمله علي مدار 4 سنوات بل أيضا للحديث عن علاقته الإنسانية بمصر وشعبها ورؤيته الشخصية لمشاكلها في الحاضر وأحلامه من أجلها والأماكن الأثرية والدينية بمصر التي لها ذكري خاصة عنده,كما أشار للفرصة الذهبية التي توجد الآن لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
*بعد مرور 4 سنوات وأنت علي مشارف إنهاء عملك بمصر,ما الفرق بين صورة مصر التي لمستها الآن وقديما خاصة وأن لك تجربة سابقة في العمل بالقاهرة كسكرتير أول ما بين أعوام 1977-1980؟
**أجاب السفير بلامبلي:أول مرة زرت فيها مصر كانت عام 1973 كنت طالبا لدراسة اللغة العربية في الإسكندرية وبقيت هناك في الصيف وكانت تجربة مقيدة ثم عملت بالسفارة البريطانية لمدة عامين وتزوجت عام 1979 بكنيسة المرعشلي بالزمالك.أي أني كنت أعرف مصر جيدا من قبل باعتباري كنت مسئولا عن التعاون مع الصحافة من خلال عملي كسكرتير أول بها منذ 30 عاما.
وعندما تعرفين مجتمعا عن قرب هكذا فالانطباعات لاتتغير ولكن طبعا الظروف تتغير والمجتمع نفسه يتطور عبر السنين فالظروف تتغير ولكن مصر تظل كما هي.
فربما زاد عدد السكان بمصر الآن بنسبة 50% أكثر في الفترة مابين تعييني في المرة السابقة وهذه المرة.المرافق تحسنت مثل التليفونات والطرق مثلا أشياء كثيرة تغيرت خلال الفترة الأخيرة فمثلا قبل 2004 كان هناك ركود اقتصادي والآن دخلنا مرحلة انتقالية وهناك نمو اقتصادي نتيجة الإصلاحات الاقتصادية التي تمت وهناك الكثير من التغيرات الجذرية التي حدثت مابين تعييني السابق والحالي مع تعيين د. أحمد نظيف رئيسا للوزراء والمجموعة الاقتصادية التي معه,حيث قاموا بسياسات الإصلاح الاقتصادي والخصخصة وإصلاح نظام الضرائب والجمارك وأنظمة الاستثمارات كل هذا أعطي قوة دفع للاقتصاد المهم طبعا-كما كانوا يقولون في مؤتمر الحزب الوطني الأسبوع قبل الماضي-أن تؤتي هذه الإصلاحات ثمارها وتوصل للشعب وتترجم لفوائد في تحسين التعليم,والطرق.
وأعتقد أنه من ناحية التعليم,ستحتاج مصر إلي المزيد من الإصلاحات في مجال التعليم إذا كانت ترغب في وجود أيدي عاملة كافية ومؤهلة لتشغل الوظائف التي ستخلق نتيجة الإصلاح الاقتصادي وهذا ما نشعر به عندما نزور المصانع فمثلا زرت مصنع في الإسكندرية وكان يعاني من هذه المشكلة ومن ناحية أخري هناك شباب كثيرون يريدون الحصول علي فرصة عمل ولا يجدونها بسبب عدم امتلاكهم للمؤهلات اللازمة وهذه هي المشكلة والحل في تحسين التعليم وتوجيهه إلي حد ما حسب احتياجات سوق العمل.
*ما أهم الإنجازات التي تفخر بأنها تمت بالتعاون بين بريطانيا ومصر خلال فترة عملك سفيرا بالقاهرة؟
**لا أريد القول إن الذي أنجز في العلاقات البريطانية المصرية خلال فترة عملي لمدة أربع سنوات سفيرا بمصر كانت نتيجة لمجهود السفارة البريطانية بالقاهرة فهناك آلاف من الناس الذين يعملون في مجالات مختلفة تربط بيننا ولكن يمكن أن نقول إنه أولا بالنسبة للاستثمارات أصبحت بريطانيا أكبر مصدر للاستثمارات لمصر فجملة الاستثمارات البريطانية في مصر في الوقت الحاضر تخطت 20 مليار دولار.وشركات مثل بي بي,بي جي تزود استثماراتها بمصر في الوقت الحاضر بمعدل مليار دولار سنويا في مجال الغاز والبترول وهناك أيضا رواج للمشروعات الاقتصادية وساعدنا الحكومة المصرية في نقل الخبرة في المجالات الاقتصادية مثل قوانين حماية المستهلكين وقوانين المنافسة.
وفي مجال التعليم,ارتفع عدد الطلبة المصريين في بريطانيا وزاد عدد المنح البريطانية التي تقدم لطلاب الماجستير والدكتوراه من المصريين وأري أن كل هذا مهم لأنه أمر يفيد المجتمع المصري لأنه عندما يعود هؤلاء الطلاب يشغلون مناصب رفيعة مثل رئيس البورصة مثلا أو وزير الاستثمار أو رئيس هيئة الاستثمار فكلهم درسوا في بريطانيا.
وهناك أيضا الخبرات التي يحصل عليها الطلبة هنا في مصر من خلال علاقات الجامعات المصرية مع الجامعات البريطانية مثل جامعة المستقبل وجامعة مصر.هذه الظاهرة بدأت تقريبا خلال الأربع سنوات الأخيرة كما فتحت جامعات هنا مثل الجامعة البريطانية بمدينة الشروق وأعتقد أن مستقبل التعاون في هذا المجال سيكون جيدا لكل من مصر وبريطانيا.
وبالنسبة للسياحة هناك زيادة كبيرة في أعداد السائحين البريطانيين القادمين إلي مصر حيث وصلوا في الفترة الأخيرة إلي نصف مليون سائح سنويا وهذا العام زاد العدد لأكثر من مليون سائح وهذا جيد لمصر فكل مليون سائح يجلبون 200 ألف وظيفة للمصريين وهذا جيد للاقتصاد المصري وللتفاهم بين البلدين فهذه كلها أمور علي صعيد تقوية العلاقات ولها كلها نتائج ملموسة وإيجابية.
وحتي اللحظة الأخيرة من عملي بمصر هناك حركة وتفاعلات إيجابية بين البلدين والتي كان آخرها ذهاب السيدة سوزان مبارك لبريطانيا مؤخرا لافتتاح معرض توت عنخ آمون والذي امتلات الصحف البريطانية بأخباره.وبعد ذلك مباشرة ومؤخرا جدا اختيرت بريطانيا لتكون ضيفة الشرف في مهرجان السينما الأخير.
فكل يوم عندنا جديد هذا بخلاف المجال السياسي حيث زار مصر خلال هذه الفترة عدد مهم من المسئولين البريطانيين ومنهم الأمير تشارلز الذي زار مصر منذ عام ونصف العام وألقي خطابا في الأزهر وافتتح الجامعة البريطانية مع الرئيس مبارك وتوني بلير الذي زارها مرات عديدة للإجازات والمباحثات الرسمية ومن الوزراء قامت وزيرة الثقافة البريطانية بزيارة مصر مرات مما يعكس أهمية العلاقات الثقافية كجزء مهم من حياتنا المشتركة لدرجة أن المجلس الثقافي البريطاني فتح مركزا جديدا له في الإسكندرية.
ومنذ عدة شهور كانت عندنا زيارة مهمة لأني أعتقد أن التغير في المناخ من التحديات الكبري التي تواجه دول العالم ومنها مصر فالمبعوث البريطاني المختص بهذا الموضوع زار مصر للمشاركة بيوم البيئة العالمي ونظمنا مهرجانا بحديقة الأزهر مع وزير البيئة ماجد جورج أي أننا نساهم في التوعية بالقضايا المناخية فهذا كان من القضايا الإيجابية للاشتراك فيها وانطباعي أن هناك اهتماما متزايدا بالبيئة في مصر.
ومن المنتظر أن يأتي بعض الوزراء البريطانيين للتعاون مع مصر في مجالات مختلفة وهذه ليست إنجازات الأربع سنوات الأخيرة فقط فالتشاور موجود منذ فترة علي الصعيد السياسي.
*ماذا عن صعوبات الحصول علي التأشيرة لدخول بريطانيا هل تم تسهيل إجراءاتها؟
**أعتقد أننا من أفضل السفارات في عملية إصدار التأشيرات,وأكثر من 90% من المصريين يحصلون علي تأشيرات.أدخلنا نظاما جديدا الآن مثل أوربا وأمريكا ومصر ستقوم بنفس الشئ وهو نظام الصور الرقمية وهو يؤخر الحصول علي الفيزا لبعض الوقت,لكن الحصول علي التأشيرة لا يستغرق أكثر من 3أو4أيام بينما يتضاعف هذا الرقم ثلاث مرات مع تأشيرات بعض الدول الأخري.
يضحك السفير:نحن في خدمة الشعب وكما نرحب بالسياحة البريطانية لمصر نرحب بالزوار المصريين لبريطانيا سواء كانوا طلبة أو سياحا أو رجال أعمال.فلندن هي العاصمة التي يشعر فيها العرب والمصريون وكأنهم في بيتهم.
*قمت بزيارة العديد من الأماكن الأثرية والدينية بمصر,هل يمكن أن تعطينا أمثلة مختلفة,عن تلك الأماكن التي لا يمكن أن تنساها بسهولة؟
**هناك أماكن كثيرة نحبها وأهمها الأقصر,لأن عائلة نادية زوجتي من منطقة قريبة من الأقصر ونزورها كثيرا كما أن الآثار هناك جميلة جدا.أيضا سيوة,لأنها في الصحراء وبها أماكن جميلة,وبالنسبة للأماكن الدينية زرنا أديرة كثيرة منها دير الأنبا أنطونيوس عدة مرات لرؤية الأعمال التي تجري هناك لترميم الكنيسة بمساعدة مركز البحوث وخاصة الصورة التي هناك التي ترجع للقرون الأولي الميلادية,ورأينا هناك الأنبا مكسيموس والرهبان,ويعملون نفس الشئ الآن في الدير الأحمر بسوهاج والذي فيه هيكل من أقدم المباني الأثرية في مصر والتي تعود غالبا للقرن الثالث الميلادي,وهو علي الطراز البيزنطي والرسومات في دير الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر ربما تكون أجمل وهي أقدم علي أي حال.وهناك بعثة إيطالية تعمل هناك.فموقع الأديرة جميل في الصحراء بعيدا عن العمران,ولكن الكنوز التي بها رائعة جدا.وهناك أيضا مؤسسة في بريطانيا تساعد في أعمال مكتبة دير السريان.فنحن نهتم جدا بالتراث والكنوز الأثرية وخاصة التراث القبطي والتراث المصري بوجه عام.
كما زرنا دير أبو حنس وتل ماريا العام الماضي وكان فيه احتفال مهيب ضم حوالي 20ألفا من الشعب.وكان يوجد أيضا المحافظ والأسقف.وكان علي أن أخاطبهم كلهم.ويضحك السفير قائلا ””كانت هيصة حلوة””.كنت سعيدا من خلال أني كنت أشعر بفرح الناس,وسعدت أيضا بالأسقف ديمتريوس أسقف ملوي من ناحية تشجيعه للتراث القبطي جيد أن يكون هناك تركيز علي مثل هذه المناسبات ومثلها تركيز مماثل في رمضان علي موائد الافطار وعلي الوحدة الوطنية وقد حضرت مثل هذه المناسبات مع البابا ومع شيخ الأزهر.وهذا مهم جدا أن نحافظ كلنا ونصر علي الوحدة الوطنية والتفاهم بين الطوائف والأديان.
وأعتقد أنه هناك حاجة للمزيد من هذا خاصة في الجو الحالي الذي يشوبه بعض التطرف,إذ نشعر أن كلا من المسيحيين والمسلمين ينظرون إلي الداخل أكثر مما ينظرون للطرف الآخر.فإن التأكيد والإصرار علي المواطنة كما حدث في تعديل الدستور,أعتقد أن هذا جزء من مسئوليتنا كلنا وعلينا أن نهتم به.وفي بريطانيا هناك تعددية وطوائف كثيرة وعلينا أن نتعلم نفس الدروس.
*تقول إن المزيد من الوحدة الوطنية والترابط والتفاهم مهم جدا لاستقرار أي بلد ومن أهمها مصر,فهل حضرتك من الذين يعضدون كافة الأحزاب في الوصول إلي السلطة حتي ولو كانت علي أساس ديني متطرف مع ما في هذا من ضرب لجذور أية وحدة وطنية لأي بلد وشعب وبالتالي ضرب لاستقرار هذا البلد؟
**أعتقد أن كل دولة يجب أن تختار الخط المناسب الذي تري أنه يمكن من خلاله تحقيق الديموقراطية,هناك فكرة أعجبتني وإن كان ليس لي أن أطرحها,فأنا أعرف أن مجلس حقوق الإنسان يفكر في قانون للمواطنة.وأنا أري أنه كلما تحقق الترابط بين الناس والتأكيد علي هذه الظاهرة بدلا من التفكير في أحزاب دينية أو أي شئ من شأنه أن يفرق بين الناس فهذا يكون أفضل.وهذه ملاحظة شخصية,فأنا كسفير أنظر إلي الموضوع من الخارج,ولكن كواحد بيحب مصر أري أن هناك داعي للتأكيد علي الوحدة والمواطنة أكثر بدلا من الانقسامات وبدلا من أن تنغلق كل مجموعة علي نفسها فقط ولا تندمج في المجتمع ككل.وبالطبع هناك كثير من الدول لديها قوانين تعالج التمييز بين الناس أو الإساءة لهم علي أساس ديني أو عرقي.
*أخيرا سيادة السفير,من خلال عملك الطويل بمنطقة الشرق الأوسط,ما الذي تعتقد أنه يعيق تحقيق عملية السلام بالمنطقة؟
**هذا سؤال صعب,المشكلة ليست في عدم وجود حل,فالحل واضح ووارد,ولكن المشكلة أنه في كل مرة يتم طرح حلول,ويعوق تنفيذ الحل إما هذا الطرف أو ذاك وإما يكون الوسيط ليس جاهزا.فإما يحدث استعداد من الجانب الفلسطيني ولا يوجد استعداد مماثل من الجانب الإسرائيلي أو العكس.هذه كانت خبرتنا خلال العشرين عاما الماضية وفي بعض الأوقات هناك ظروف دولية ليست مساعدة.وفي الوقت الحاضر نركز في بريطانيا علي هذه القضية باعتبارها الأهم في المنطقة,قضية السلام والقضية الفلسطينية وضرورة الوصول إلي حل عادل.إنه توجد فرصة الآن,فهناك مبادرة وتأييد من المجتمع الدولي.وهناك وسيط علي مستوي عال,وهو توني بلير.وهناك حكومة إسرائيلية,وقيادة فلسطينية,وعلينا جميعا الآن الجري وراء هذه الفرصة,ولا نفوت يوما دون أن ندفع لهذه القضية.
وفي نهاية اللقاء أكد السفير ديريك بلامبلي أن مصر لها مكانة خاصة في قلبه,إذ قال: ””مصر عزيزة علينا وهي جزء من حياتنا,فعائلتي نصف مصرية ونصف بريطانية.ومنذ تعييني كنا نأتي هنا كل سنة تقريبا لكي نري العائلة وبالأخص والد زوجتي نادية وذلك قبل وفاته وأشقاءها.حتي اختيارنا لأسماء أبنائنا الثلاثة (سارة,صموئيل ويوسف) وهي أسماء أحببناها,لأنها أسماء موجودة هنا في مصر وشائعة أيضا في إنجلترا وهذه ميزة.جوزيف أو يوسف علي اسم والد نادية يوسف جوهر ””صموئيل”” أحببنا الاسم لأن الأنبا صموئيل -الذي تنيح في السادس من أكتوبر-هو الذي كان موجودا في فرحنا,وهو الذي بارك زواجنا كما أنه كان صديقي.ونحن نتمني أن نقضي أوقاتا كثيرة بمصر مع الأصدقاء والعائلة في الوقت القادم.
ولا أنسي أن أشير بشكل خاص إلي زيارتي لقداسة البابا شنودة منذ حوالي شهر,وقد انزعجت جدا لخبر مرضه,وعلمت أنه يتماثل للشفاء,وأتمني له المزيد من الصحة.وبشكل عام أنا أتمني لمصر السلام والسعادة ومزيدا من الرفاهية وفرص عمل وحياة أفضل للجميع””.