أصبح نبأ اندلاع الحرائق في كل غال وثمين في الفترة الأخيرة نغما معتادا علي مسامعنا,لكنه النغم الحزين, من مبني الشوري وبعده المسرح القومي والبرج الفضي بوزارة التعاون الدولي,ثم عدة مصانع عملاقة تقدر خسائرها بعشرات الملايين, خسائر مادية وثقافية وتاريخية لن تمحوها الذاكرة بل ستظل عالقة بالأذهان كلما ذكرت كلمة حرائق.
ففي حين يتحدث الجميع عن الخسائر سالفة الذكر لم نجد من ينتبه إلي قيمة المياه العذبة التي يتم إهدارها بكميات كبيرة لإطفاء تلك الحرائق,رغم ما يعانيه العالم حاليا من أزمات مائية حالية ومنتظرة.
فأين المسئولون من هذه المشكلة؟! ولماذا تقف الجهات المعنية موقف العاجز عن تقديم الحلول المثلي لها؟!
يقول مصدر مسئول بإدارة الحماية المدنية – رفض ذكر اسمه – اعتمادنا في عملية إطفاء الحرائق يقوم علي استخدام المياه العذبة الصالحة للشرب,نظرا لعدم توافر الإمكانات,التي تسمح باستخدام المياه العكرة التي لم تتم معالجتها كليا فلا تصلح للشرب بينما تصلح لأغراض أخري,في مثل هذه الأغراض التي لا تحتاج بالضرورة إلي مياه عذبة, وبالطبع يتم استهلاك المياه بصورة كبيرة حسب قوة كل حريق مما يعد إهدارا للمياه إذا ما تم حسابه تراكميا,خاصة أن سيارة الإطفاء الواحدة محددة السعة فإما تتسع لثلاثة أطنان من المياه أو سبعة أطنان, وغالبا ما تكون سبعة أطنان مما يهدر كميات كبيرة من المياه.
يوضح م. محمد عبدالظاهر, رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة لمياه الشرب سابقا, أن المشكلة تكمن في عدم وجود خطوط مياه عكرة داخل المناطق الحيوية, فهناك ما يقرب من أربع محطات فقط علي مستوي الجمهورية داخل مدينة نصر ومصر الجديدة والمعادي وحلوان, فعند حدوث أي حريق بالأماكن المحيطة بكل محطة يتم استخدام المياه العكرة,منها ومن هنا تبقي القاهرة بأكملها دون خطوط مياه عكرة بحجة ارتفاع تكاليف مد تلك الخطوط.
يستطرد م. عبدالظاهر قائلا: هناك حلول بديلة تمنع إهدار المياه العذبة لتفي بأغراضها التي يحتاج إليها الإنسان ولاسيما في كوب مياه يروي به ظمأه وهي فكرة استخدام المياه الجوفية في عملية الإطفاء,خاصة أننا نمتلك كمية كبيرة من المياه الجوفية لم تستغل بعد.. فقط علينا تحديد المناطق المتواجدة بها هذه النوعية من المياه داخل القاهرة باعتبارها منطقة حيوية معرضة للحريق في أية لحظة ومن ثم حفر آبار وتركيب طلمبات بها لتخصيصها لمثل هذه الأغراض من خلال توصيل أو ضخ المياه إلي شبكة الحريق لاستخدامها في حالة الطوارئ,علي أن تتبناها المحافظة مع الدفاع المدني بالتنسيق مع الشركة القابضة لمياه الشرب كأحد الحلول المثلي للمشكلة. فالمؤشرات تشير إلي أن نسبة إهدار المياه تتراوح ما بين 30% و40% نتيجة رش الميادين وغسيل السيارات وري الحدائق,وضعف صيانة شبكات المياه,ثم يأتي ضخ المياه العذبة بكميات كبيرة لإطفاء الحرائق ليصنع من المشكلة كارثة.
يتفق د. عمر البدري, خبير إدارة الموارد المائية, مع الرأي السابق قائلا: إن ما ينقصنا هو الوعي بمشكلة المياه وأزمة الفقر المائي الذي سيهدد حياتنا في المستقبل إذا لم نتخذ تجاهه الإجراءات الحاسمة.
يقترح د. عمر استثمار القطاع الخاص في هذا الاتجاه,للعمل علي إنشاء خطوط مياه عكرة كما هو مطبق بالخارج, فنجد بالمنازل خطين أحدهما للمياه العذبة والآخر للمياه العكرة.
لذلك علي الجهات المعنية إعداد حوافز وتسهيلات لرجال الأعمال للاستثمار في هذا المجال بالمدن الجديدة,لصعوبة إدخاله بالمناطق الآهلة حاليا وارتفاع تكلفة ذلك أيضا.
وزارة الري.. لديها رأي
بالرجوع إلي د. بيومي عطية, مستشار وزارة الري لمعرفة موقف الوزارة يقول: مسئولية وزارة الموارد المائية والري عن الاهتمام بإنشاء محطات مياه عكرة لاستخدامها في عمليات الإطفاء مسئولية مشتركة بين وزارتي الري والإسكان وليست الري فقط, ولكن لا أحد يهتم ولا أحد يصغي والنتيجة يبقي الوضع كما هو عليه.
تضارب الآراء
أما رأي اللواء خالد خضر, مدير الشركة القابضة للصرف الصحي, فجاء مخالفا لما سبق إذ يؤكد: لم يتم إلقاء المياه المحملة بالرماد داخل أي مجري مائي صالح للشرب أو الزراعة, ولهذا فهي لا تصرف علي النيل لعدم الإضرار به,ومن ثم تتم معالجة المياه المحملة بالرماد داخل شبكات الصرف لاستخدامها في ري الغابات الشجرية ورش الشوارع والميادين وغيرها من الأمور غير المرتبطة بالاستخدام الآدمي.
أخيرا: من نصدق؟…من يؤكدون أننا نستغل المياه العذبة في ري الحدائق والميادين وإطفاء الحرائق,أم من يقولون إننا نستخدم المياه المحملة بالرماد في ذلك؟, وإلي من نوجه النداء للاهتمام بخطوط المياه العكرة والحفاظ علي المياه العذبة التي سنبحث عنها في الغد القريب وربما لا نجدها؟.