حقا, أكدت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أنها حية مستمرة.. جذورها ثابتة, ترويها بركات العائلة المقدسة, ودماء شهدائها وصلوات قديسيها مؤسسي الرهبنة.. ومن خلال التكوين العلمي والثقافي والروحي ومن خلال مسئولية كمعلم, أحس قداسة البابا شنودة الثالث بأهمية المكتبة وبقيمة التراث القبطي الجوهرية.. وبأهمية التوثيق العلمي الذي يحفظ بأسلوب تقني معاصر ذاكرة مصر.. فجاء افتتاح المركز الثقافي القبطي, بعد أن تم تجهيز مبني ضخم مكون من اثني عشر طابقا بالأنبا رويس, وتخصيصه بالكامل للثقافة القبطية كمركز يأخذ مكانته بين كبري المراكز الثقافية العالمية.
وبعد.. فنحن أمام عدة تساؤلات مهمة:
* ما الدافع العلمي لإنشاء هذا المركز؟
أولا: الاهتمام العالمي بالقبطيات خاصة من جامعات أوربية وأمريكية, وباحثين من كثير من دول العالم, بالإضافة إلي المؤتمرات الدولية للقبطيات.
ثانيا: الحفاظ علي التراث القبطي بكل نوعياته, وتجميعه, خاصة من الأديرة والكنائس القديمة.. مما يتطلب البحث الدقيق عن الوثائق الأثرية النادرة والتي تنطق بعظمة تاريخ القبطيات في مصر, لتمكين الباحث والمثقف من الوقوف عليها.
ثالثا: اللحاق بقاطرة التقدم من ثقافة وفكر, خاصة أن مصر تملك الرصيد التاريخي بما فيه من تاريخ الأقباط منذ القرن الأول الميلادي, والذي تمتد جذوره في تربة مصر الفرعونية.
رابعا: رغم ازدياد الاهتمام العالمي بالقبطيات والتراث القبطي, والدراسات القبطية التي تحظي بمكانة لائقة في عديد من جامعات أوربا وأمريكا, إلا أن هناك حاجة أن يحدث في مصر موطن الحضارة القبطية صدي ملائم لهذه التطورات المهمة, فتاريخ القبطيات تراث وطني مهم يقع في إطار تاريخ مصر العام.
* ما أهداف ورسالة المركز؟
- استعادة الوعي بالمكونات التاريخية التي تشكل هوية وانتماء المواطن المصري, وتأكيدا علي أن الحضارة القبطية هي امتداد طبيعي للحضارة المصرية الفرعونية القديمة, وهي ليست حقبة تاريخية في الحياة المصرية, ليست جزءا من تاريخ بل هي تاريخ مشارك ومستمر.
- فتح نافذة للعالم علي مصر وتاريخها وتراثها, من خلال تجميع أكبر قدر من المعلومات الدقيقة التي تتعلق بالثقافة القبطية الدينية – الاجتماعية – السياسية – التاريخية – الحضارية, ومراحل تطور الحياة القبطية.
إننا أمام مشروع من نوع جديد, يقدم عملا وثائقيا طموحا.. مشروع ثقافي متكامل الأبعاد والمكونات, فهو يعطي أحداثا نادرة في تاريخ مصر, وتسجيلها وإتاحة الفرصة أمام الأجيال, باعتبار هذا التاريخ وأحداثه هو ذاكرة الأمة, وأحد ملامح شخصيتها بل هو المفتاح الذهبي للتعامل مع الحاضر, وقراءة المستقبل, علي نوع شامل بموضوعية, وأمانة علمية, ومصداقية, وبأعلي قدر من المنهجية العلمية في التوثيق والتاريخ.
هذه هي الكنيسة المصرية القبطية الأرثوذكسية التي تنتمي إلي مصر ليس بالأقوال بل بالأفعال.