أصبح حديث الساعة الملح عن التحرش,فمنذ انتشرت هذه الظاهرة المخجلة إلي الحد الذي ينذر بالخطر.والواقع أن موضوع التحرش بالنساء قديم,كان يحدث في الخفاء,وعلي استحياء خاصة في وسائل المواصلات عندما كان يحاول رجل مسن وكبير أن يحتك بفتاة أو سيدة أو يلتصق بها بحجة الزحام الشديد,وتبتعد محاولة الهروب من الموقف فيعتذر الرجل ويتظاهر بأنه لم يقصد ذلك أو يتطاول منكرا ما فعل مطالبا المرأة بأن تبقي في بيتها ولا تزاحم الناس,وينتهي الأمر بعد ذلك.
اليوم أصبح التحرش يحدث في أماكن كثيرة…في وسائل المواصلات وفي المدارس وأحيانا في الجامعات وأماكن العمل وفي المترو وفي الشارع من الشباب والمراهقين وأمام عيون الناس وفي وضح النهار.ويتم التحرش بالأطفال والمراهقين بعضهم ببعض وبالرجال والنساء ولا يقتصر علي عمر أو طبقة معينة.ويطول المرأة العاملة والعاملات في المصانع وربات البيوت.ولعل ما حدث في شوارع رئيسة في وسط القاهرة من تحرش أمام إحدي دور السينما من عدة شهور وما حدث من أيام قريبة أول أيام عيد الفطر الماضي من مجموعة من الشباب قيل إنهم بلغوا المائة تحلقوا حول عدد من الفتيات محاولين التحرش بهن ينبئ عن مدي خطورة الحدث وبشاعته.فقد بدأ التحرش بشكل وقمح وجرأة عجيبة ومحاولة لمس الفتيات وهن يصرخن من الهلع والخوف والشباب يتمادي فيما يفعل سعيد بأنه يطارد الفتيات.وقد حاول بعض الرجال مساعدة الفتيات علي الهروب وتسريبهن خارج الدائرة,ووصل الأمر إلي تدخل الشرطة,والتحقيق مع بعض الشباب الذي ارتكب الجريمة وإيقاع العقاب بهم.
وما يهمنا بالفعل في هذا المجال,هو موضوع التحرش بالمرأة في كل سن وفي كل مكان ومن كل مستوي,فقد تفاقمت هذه الظاهرة المخجلة والوقحة إلي حد الحاجة إلي وقفة حاسمة وإجراءات رادعة,وقد أعد المركز المصري لحقوق الإنسان دراسة تبين منها أن العينة موضوع الدراسة اعترف فيها ثلثا الرجال بتحرشهم بالمرأة.واعترفت نساء العينة أنهن تعرضن للتحرش أكثر من مرة.
وقد استمعت إلي ندوة في واحدة من القنوات الفضائية منذ أيام ناقشت موضوع التحرش,وكان الحوار غريبا..أسلوب الحوار نفسه واتجاهه الغريب إلي تحميل المرأة أسباب هذه الظاهرة,فهي التي تخرج بملابس عارية وسلوك غير منضبط ولذلك فهي تشجع الشباب علي معاكستها والتحرش بها وأذكر أنه في سنوات ماضية كانت الفتيات يرتدين ملابس تكشف عن الذراعين وعن الرقبة وجزء من الصدر وملابس قصيرة جدا الميني جيب والميكروجيب,ولم يكن أحد يتعرض لهن أو يتحرش بهن بألفاظ بذيئة ووقحة أو يجرؤ علي لمسهن وإهانة مشاعرهن,ولم تكن توجه للمرأة الاتهامات بأنها السبب..كان هناك نوع من الأدب واحترام حرية الإنسان,واحترام الطريق العام,والخجل من ارتكاب هذه الجريمة علنا أمام الناس.
وفي الندوة المذكورة التي استضافت ضمن ضيوفها فنانا وأستاذا جامعيا عاش في الخارج عشرين عاما,قال أحد الضيوف إن أسباب هذه الظاهرة والتحرش بالمرأة هو حرية المرأة نفسها التي طالبت بها,ثم أضاف سببا آخر وهو مطالبة المرأة بالمساواة بالرجل مع أنها تساوت به,وفاقت عليه,والحرية والمساواة هي سبب المشكلة!!ولعن الغرب الذي علم شبابنا هذا السلوك,وأن هذا الغرب هو سبب ما يحدث,ثم دعا عليه إلي آخر هذا الكلام المرسل البعيد عن الواقع..المرأة إذن هي السبب وهي الملومة ولم يكن عليها أن تطالب بحريتها وتسعي إلي تحقيقها,ولم يكن بالطبع من حقها أن تطالب بالمساواة التي نالت منها أكثر من اللازم.
ومثل هذه المناقشات تبتعد بنا عن حقيقة الظاهرة وأسبابها,وتبين مدي الموقف المتحامل ضد المرأة,مع أن التحرش بالمرأة بجميع أشكاله هو نوع من العنف والاستهانة بها وعدم احترام إنسانيتها والحط مع كرامتها,وغياب ثقافة احترام حق الآخر في حريته,وهو نوع من الكراهية المكبوتة والخافية للمكانة التي وصلت إليها المرأة بجهدها وعرقها ومثابرتها.وعلينا أن نبحث عن الأسباب الحقيقية الكامنة في الصدور عن ظاهرة التحرش.فالبيت والأسرة مسئولان عن تربية أبنائهما وتقويم سلوكهم,والمدرسة مسئولة أيضا عن تهذيب السلوك والوازع الديني..ومراعاة ظروف الشباب الاقتصادية والمعيشية وتوفير فرص العمل والمسكن والحياة الكريمة لهم,وإصدار قانون يجرم التحرش الجنسي ويعاقب كل من يتورط في التحرش أو المعاكسة وتفعيل هذا القانون..والحاجة الملحة إلي التوعية وإعادة تثفيف المجتمع واحترام القيم الدينية,فالدين ليس مظهرا فقط وأنما سلوك وتعامل منضبط مع الآخر,واحترام الآخر,واحترام المرأة كأم وزوجة وأخت وابنة وصديقة وعاملة وربة بيت في كل مكان وزمان.