في ذكراك العطرة يا سيدي لا نعيش يوما في العام,ولكن نعيش في ذكراك طوال العام,كل يوم من أيام السنة لا يمر إلا في ذكراك,نذكر ميلادك المعجزي ونجاتك في ميلادك من اختناق محقق,نذكر طفولتك وصباك وأنت شغوف للذهاب إلي الكنيسة,ومداومتك عليها حافظا لكلمة الله متزودا من الأسرار المقدسة نذكر شبابك. الغض قارئا بل باحثا في كل ميادين العلوم الدينية والأدبية والعلمية والطبية فلم تترك ميدانا إلا وخضت فيه,وكنت نهما إلي الشبع والاستزادة منه,صقلت فكرك وذهنك بالإلهيات,فكتبت في جميع المجالات والموضوعات التي لا يستطيع أن يقترب منها أقرانك,درست الإكليريكية إلي جانب الفلسفة بآداب القاهرة ومعهد الآثار فتم تعيينك معيدا بالإكليريكية,ثم حصلت علي شهادة الدكتوراه من جامعة مانشيستر ببريطانيا فكتبت لا يقل عن أربعين كتابا يدرس بالإكليريكية في مواد اللاهوت المقارن والعقيدي والأدبي والطقسي إلي جانب الدراسات الفلسفية. نذكرك عالما يشار إليك بالبنان,عضوا في مجمع اللغة العربية,وفي المجالس القومية المتخصصة في شعبتي الثقافة,والتراث الحضاري والآثاري,وفي منظمة تضامن الشعوب الأفريقية والأسيوية,وفي لجان إعداد الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية,هذا إلي جانب رئاستك لجنة المحادثات الكنسية الرومانية الكاثوليكية والكنائس القبطية الشرقية القديمة,إلي جانب عضويتك في عدد لا يحصي من المجالس واللجان الخاصة بالعقيدة,مشتركا في جميع المؤتمرات والمباحثات اللاهوتية كواحد من أعظم علماء اللاهوت في الشرق والغرب.
نذكرك في تقواك وروحانيتك وخشوعك النابع من إحساسك بمخافة الله. نذكرك في قداساتك ودموعك التي كنت تذرفها أثناء صلواتك,لا تحس بمن حولك وليس للزمن وجود في أثناء وقوفك أمام الله. نذكر فيك عفافك وطهارتك,قدمت حياتك محرقة لسيدك,لم نراك يوما تنطق بكلمة نابية أو تسلك سلوكا رديا,ولم يلفظ فمك ولو بمزحة خفيفة,وكما كنت عفيف النفس والجسد كنت عفيف اليد,فلم تمد يدك لأحد,حتي الذين كانوا يريدون أن يعطوك كنت ترفض أن تأخذ منهم,فعشت كريما في عيني نفسك وعيون الآخرين,لذلك كانت خدماتك للفقير قبل الغني. نذكرك ونذكر رفضك للمديح قاطعا الطريق علي المتزلفين والمتملقين,وعندما نسألك سبب الرفض تقول: أخاف علي أبديتهم. نذكرك في محبتك وقلبك الواسع الذي يتسع لكل أحد,فما من أحد لجأ إليك إلا وخرج مستريحا ومعه زاده الروحي الذي يكفيه شهورا.
نذكرك في تواضعك الجم رغم عظم علمك ومكانتك,تنزل درجات السلم لتسمع امرأة فقيرة كبيرة السن لترحمها من صعود السلم وراءك. نذكرك ونذكر سماحتك ووجهك البشوش الذي يخفف من وقع مهابتك علي من يراك فيتقدم إليك بدالة البنوة. نذكر فيك تسامحك ومسامحتك للآخرين عندما يعودون إليك آسفين أو معتذرين ولا تعود تذكر ما حدث منهم.
نذكر فيك عطاءك ومحبتك للمحتاجين الذين تعرفهم والذين لا تعرفهم,تعطي كل ما عندك رغم فقرك وعوزك,وفي الخفاء وبدون أن يحس أحد تفتح بيوتا لكثيرين من الأبناء ومن الآباء.
نذكرك فنذكر الله الذي فيك,الذي ملأك من صفاته التي تذكرنا بالله,فلا يمكن أن ننساك حتي لا ننسي الله,نذكرك فنرجو أن تذكرنا في صلواتك وأنت في الأخدار السمائية أمام الجالس علي العرش.