بالجينات ينتمي الأستاذ أحمد حياتي سكرتير تحرير جريدة وطني إلي عالمالعسكريةويكفي أن تري بنيانه الضخم وتستمع إلي صوته الصارخ, ليس في البرية,ولكن بين جنبات الجريدة يطالب بـصورةأوموضوع تأخر عن ميعادهوهو أمر لايقبله أبدا لتقديسه للدقة وصارمته في الالتزام والعجيب أنه أثناء الحرب التي يدخلها كل أسبوع ليخرج عددوطنيفي ميعاده بالضبط..تنزلق منه ابتسامات ومداعبات لاتنسي فنتذكر حينئذ كونه أبا لناأحمد حياتييحمل فوق ظهره الكثير من تاريخ وطني..فجلست إليه وفتشت في ذاكرته وكان هذا الحوار.
كيف بدأت رحلة العمل في وطني؟
دخلت وطني عام 1965 مع الراحل الكريم د. عادل كامل دخلت لأنطون سيدهم الذي أرسلني إلي رئيس التحرير أنطون نجيب مطر وطلب مني مجموعة أخبار في مجال التربية والتعليم, وكان من عادات الأستاذ أنطون مطر أن يراجع جميع المواد بالقلم الرصاص وكان ينصحنا بضرورة قراءة الأخبار بعد نشرها لمقارنتها بما كتب.ثم كلفت بإجراء تحقيقات صحفية ميدانية من الشارع كانت تحقيقات متنوعة أذكر منها الحياة داخل السجونوالحياة داخل المقابر وفي عام 1966 انضممت لسكرتارية التحرير ثم انضم إلينا الأستاذ فيكتور سلامة عام 1968 وكان علي رأسها الأستاذ فريد عبد السيد مدير التحرير في ذلك الوقت والدكتور الشيخ محمد البهي أحد شيوخ الأزهر الشريف والأستاذ حسن حلاوة أحد رجال الأزهر وكان معنا في نفس حجرة الديسك المركزي والذي كان يضم الأستاذ سيد العقاد-ابن أخ الكاتب الكبير عباس محمود العقاد -وكان صحفيا لامعا في دار التحرير والأستاذ محيي الدين فرحات كان مسئولا صحفيا بجامعة الدول العربية والأستاذ نجيب سوس الصحفي المخضرم, وانضم إليهم بعد ذلك أستاذنا صفوت عبد الحليم عام 1969 كان يتميز بمهنية رفيعة المستوي في المراجعة لدرجة أنه كان يقوم بإعادة كتابة أربعة أو خمسة تحقيقات في اليوم الواحد.
وعندما توفي الشيخ البهي عام 1967 أسند إلي الأستاذ فريد عبد السيد وكان وقتها قد صار رئيسا للتحرير مسئولية سكرتارية التحرير .
ماذا عن رحلة وطني مع الرقابة في العصور السابقة؟
كانت الرقابة في عهد عبد الناصر يطلق عليها مكتب الرقابة وكان مقره في مبني هيئة الاستعلامات بطلعت حرب وتضم فريقا من الرقباء موزعين علي الصحف ولهم مقر في داخل كل صحيفة وبحكم أن وطني كانت تطبع في الأهرام فكان فريق الرقابة المقيم بالأهرام مسئولا عن رقابة ومراجعة الصحف التي تطبع داخل مؤسسة الاهرام ووقتها كانت وطني تطبع فجر الأحد حوالي الساعة الواحدة والنصف صباحا لكي تلحق بقطار الصحافة في الثالة ونصف كانت عملية تحضير وتجهيز الصحيفة في الأهرام تبدأ من مساء الخميس حتي مساء السبت وبعد انتهاء تقفيلالصفحات تطبع بروفات كاملة لصفحات الصحيفة8 صفحاتوقتها مساء السبت وكنت مكلفا بعرضها علي فريق الرقابة المقيم بالاهرام بالدور الرابع في صالة التحرير.
وكيف كان يتم التعامل مع الرقباء؟
هؤلاء الرقباء كانوا موظفين بوزارة الإعلام واكتشفنا بعد ذلك أنهم كانوا يتلقون تعليمات يومية بما ينشر والمحظور نشره دون مناقشة وعندما كنا ندخل في مناقشات عن سبب رفع أو الغاء مادة صحفية أو إلغاء صفحة بالكامل كان ردهم نحن لانناقش ولكن ننفذ تعليمات.
وكانت مسئوليتي عرض بروفات الصفحات عليهم وتركها لمدة تتراوح من ساعة إلي ثلاث حسب الدور.
- هل تذكر بعض المواقف الطريفة في تعاملك مع الرقابة؟
من الطرائف حينما كنت أعود لاستلم البروفات أفاجأ ببعض البروفات مشوهة بعض الموضوعات مبتور منها العناوين أو ملغي بعض الفقرات بحيث إنك يصعب عليك سد الثغرات وأحيانا كانت تلغي صفحات بالكامل وكانت تعليمات الأستاذ أنطون سيدهم أن يكون لدينا دائما رصيد احتياطي لجميع الصفحات لدرجة أنه كان لدينا أكثر من عدد مؤجل لجميع الأبواب الثابتة وكانت هناك ديكتاتورية في التعامل بإلغاء المواد أو بعض الفقرات وخاصة حينما كان يتدخل الرقيب بإلغاء بعض الصور وكان العثور علي صور بديلة عملية شاقة حيث إن صناعة الصحافة كانت تعتمد علي تصنيعالزنكوغرافداخل الأهرام وتجهيز الصورة الراحدة كان يستغرق ساعة أو أكثر بسبب ظروف زحمة ورشة الزنكوغراف بالعمل.
ومن الطرائف أن الرقيب أحيانا كان مجرد أن يقع بصره علي العناوين يلغي الموضوع بالكامل دون قراة مضمونة وكان الأستاذ فريد عبد السيد ذكيا لدرجة أنه كان يقوم بتعديل العناوين مع ثبات المادة الصحفية في العدد التالي ونفاجأ بموافقة الرقيب عليها.
ما أكثر المواد التي كانت تتعرض للإلغاء؟
كان تركيز الرقيب علي إلغاء المواد التي تتضمن نقدا عنيفا أو هجوما علي الحكومة أو إثارة مشاكل الجماهير وأحيانا بعض الموضوعات الاقتصادية والسياسية والفنية بدون أسباب مفهومة سواء أنها تعليمات وكان يترتب علي مثل هذه الإجراءات تعطيل الصحيفة عن السفر في ميعادها بسبب إعادة تجهيز الصحيفة في وقت ضيق.
هل كانت هناك حوادث طائفية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر؟
بالفعل كان هناك حوادث طائفية تقع في عهد عبد الناصر ولكن كان من الممنوع نشرها وهذا لم يكن يمنع وطني من تغطيتها وكنا نقدمها بالفعل ولكن الرقيب كان يرفضها .
وكيف تطورت العلاقة مع الرقباء؟
بعد ذلك نشأت بعض العلاقات الودية بيننا وبين الرقباء فكنا أحيانا نتفق معهم علي إعادة صياغة المادة بشكل أهدي في حالات نادرة.
وماذا عن وطني بعد نكسة 1967؟
في وقت النكسة أصبحنا 4 صفحات بسبب ضغط النفقات وأزمة الورق التي عانت منها كل الصحف.
هل حقا تدخل عبد الناصر بمصادرة جريدة الضياء لصالح وطني؟
عبد الناصر كان يتدخل بشكل مباشر في رقابة الصحف واذكر أنه كان هناك امتياز بالفعل لجريدة باسم الضياء ظهرت في نهاية الستينيات وكان يطلق عليها جريدة الأحد الكبري وهو نفس شعار وطني ورأي عبد الناصر أن في صدورها تفتيت لوحدة الاقباط ورغم حملات الإعلانات المكثفة التي نشرت عنها وطبع العدد الأول منها بجريدة الجمهورية وكان شعارها باللون الأزرق إلا أن عبد الناصر اصدر قرارا بإعدامها قبل نزولها للسوق وألغيت بقرار سياسي!
يري البعض أن هامش الحرية اتسع بعد النكسة؟
لم نشعر بأي هامش من الحرية بعد النكسة كما يقال.
وماذا عن الرقابة في عصر الرئيس السادات؟
في منتصف السبعينيات ألغي الرئيس أنور السادات الرقابة علي الصحف وأثيرت ضجة وتهليل احتفالا واحتفاء بإلغاء الرقابة ورحل الرقباء عن الصحف فعلا واكتشفنا بقاء الرقباء في مواقعهم بهيئة الاستعلامات والغيت لافتات الرقابة علي الصحف واستبدلت بلافتة أخري اسمها مكتب الصحافةوالمفاجآة كانت في الأسبوع التالي مباشرة كنا نفاجأ بهم يتصلون بنا مساء الجمعة ومساء السبت ويقولون نحن مكتب الصحافة وتحولت المعاملة إلي تعليمات تتلخص في مواد ممنوع نشرها وكانت تملي علينا ومواد مسموح نشرها وكانت تملي علينا أيضا لدرجة إننا كنا نعلم بعض أسرار مصر من خلال المواد الممنوع نشرها وتدريجيا تحولت العلاقة إلي املاء أخبار وموضوعات وتمادوا في ذلك لدرجة أنهم كانوا يملون أحيانا موضوعات كبيرة ويشترطون علينا أن يكون منها الموضوع الرئيسي للصحيفة مع إملاء المانشيتات بمنتهي الصرامة وتحولت العلاقة إلي أن مكتب الصحافة كان يملي علينا أسبوعيا الأخبار والموضوعات بصياغتها كاملة.
إذن أيهما كان أرحم رقابة عبد الناصر أم السادات؟
أيام عبد الناصر أرحم ففي عصر السادات كنا نتلقي أسبوعيا قائمة طويلة بالاخبار الممنوع نشرها والغريب أن اللهجة في البداية كانت يستحسن نشر ولايستحسن نشر ثم تحولت إلي لهجة أمر ينشر ولاينشر وينشر الموضوع الرئيسي علي الوجه التالي.
ولماذا في رأيك صادر السادات جريدة وطني؟
لأنه وضع رجال الدين المسيحي والاسلامي داخل المعتقلات وأراد أن يغلق الصحف الخاصة بهم.وكانت جريدة وطني قد قامت بتغطية.أحداث الخانكة والزاوية بما هو متاح أسوة بجميع الصحف ودون تميز.وكان السادات يعتبرها صحيفة البابا وكنا وقتها نغطي عظة البابا شنودة يوم الجمعة ويتابعها الأستاذ صبحي شكري ويفردها علي صفحة كاملة وقد غابت وطني في عام 1981 وعادت عام .1984
وماذا عن عملكم في فترة المصادرة؟
طوال هذه الفترة كنا نجهز عددا مصغرا صفحة لعدم سحب ترخيص الجريدة ونسلمه إلي إدارة المطبوعات ورغم اغلاق جريدة وطني طوال هذه المدة إلا أن الأستاذ الراحل أنطون سيدهم كان حريصا علي صرف جميع مرتبات ومكافآت العاملين في الجريدة من جيبه الخاص لأن تم الحجز علي كل الأموال في البنوك وكانت الصحيفة مشمعة بالشمع الأحمر.
وكيف ترى الرقابة في عصر الرئيس مبارك؟
بعد تولي الرئيس حسني مبارك الحكم لم يفتعل أية ضجة وقام بإلغاء مكتب الصحافة نهائيا وأصبحت جميع الصحف تكتب بحرية ووطني الآن تكتب ماتشاء دون رقابة ودون أن يملي عليها أحد خبر بل إن مناخ الحرية السائد الآن لم تشهده مصر منذ عام 1952 بالتأكيد .
هل تذكر موضوع لك رفضته الرقابة؟
نعم أيام عبد الناصر أذكر موضوع ”الذل داخل المقابر” شطبه الرقيب والأسبوع التالي غيرنا العنوان إلى “الحياة بين المقابر ونشر!!”
ما حكاية العدد الوحيد في تاريخ وطني الذي صدر بمانشيت أحمر؟
العدد الوحيد الذي صدر بمانشيت أحمر.اتصلت بنا الأهرام في هذا اليوم وقالت إن خزائن الحبر لاتسمح بطبع الجريدة باللون الأخضر وكان سوف يعطل صدور الجريدة فقررنا طبعها بالأحمر .
عملت أيضا في المطبعة هل هناك مواقف تذكرها لنا؟
من طرائف المطبعة استدعاني الأستاذ أنطون سيدهم ذات يوم قائلا..هل راجعت تاريخ الشهر القبطي في الترويسة فقلت نعم قال لي دقق قلت التاريخ صحيح فكانت المفاجاة أن التاريخ هو شهر النسيءوكان 23 منه فضحك قائلا هذا الشهر 6 أيام فقطرغم أنني أكدت له انضباطي!..
ذات يوم سقطت الترويسة أثناء تجهيز الصفحة قبل الطبع وكانت هذه الترويسة خاصة بصاحب الامتياز ورئيس التحرير وخرجت الجريدة إلي السوق بترويسة وطني فقط ولم يعاقب أحد.
ما الموقف الذي لاتنساه لأنطون سيدهم؟
أثناء غلق الجريدة عرضت أحد الصحف العربية علي الأستاذ أنطون سيدهم الكتابة فيها مقابل 3 آلاف دولار شهرياً ولكنه رفض بإصرار شديد وقال “إنني أكتب عن قضايا مصر ومشاكلها من قلب مصر”.