تحدثنا في العدد الماضي عن المحبة وأهميتها
المحبة التي تدخل في كل وصية,حسب قول الكتاب لتصر كل أموركم في محبة1كو16:14.
والمحبة التي هي هدف كل وصية كما قال أيضاوأما غاية الوصية فهي المحبة1تي1:5.
والمحبة التي هي أعظم من كل وصية,كما ذكر الرب إنها الوصية العظمي فـي الناموسمت22:36-40..وكما قال بولس الرسولأما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة..هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبةكو13:13..ولم يقل فقط إنها أعظم من الإيمان العادي,بل أعظم من كل الإ يمان الذي ينقل الجبال1كو13:2.
نعم,المحبة التي هي الوصية الوحيدة,التي بها يتعلق كل الناموس والأنبياءمت22:40..أي إنه يتعلق كل الناموس والأنبياءمت22:40..أي إنه لو أراد الله أن يلخص لنا كل الوصايا في وصية واحدة لكانت هذه الوصية الواحدة هي المحبة…
هذه هي المحبة التي هي أفضل من جميع المواهب والمعجزات..لأنه بعد سرد الرسول قائمة بجميع المواهب,قال بعد ذلكوأيضا أريكم طريقا أفضل1كو12:31..وإذا بهذا الطريق الأفضل هو المحبة.
كثيرون سيقولون للرب في اليوم الأخيريارب يارب,أليس باسمك تنبأنا,وباسمك أخرجنا شياطين,وباسمك صنعنا قوات كثيرة,فيجيبهمإني لم أعرفكم قط..ذلك لأن المعجزات ليست هي التي تخلص,وإنما المحبة…
بل كل فضيلة خالية من المحبة,هي فضيلة ميتة لا روح فيها..بل لا تعد فضيلة من غير المحبة.
المحبة التي هي أفضل من كل علم ومعرفة..لأن الرسول يقولالعلم ينفخ,ولكن المحبة تبني1كو8:1
وما دامت الفضائل كثيرة جدا,وإن جمعناها كلها أمام المؤمن,سيجد أمامه برنامجا طويلا جدا…فقال الله تكفيك المحبة..وأن أتقنتها,ستجد داخلها جميع الفضائل ,بل إن وصلت إلي المحبة,لاتحتاج إلي وصايا أخري..المحبة تكفيك وتغنيك.
إن وصلت إلي المحبة,تكون قد وصلت إلي الله.
لأن الله محبة1يو4:16…ولو كانت فيك المحبة الكاملة,تكون قد ارتفعت فوق نطاق الناموس وفوق نطاق الوصايا.
إذا ملكت محبة الله علي قلبك,فإنها تطرد منه الخطية ..وتطرد الخوف..هناك كثيرون يجاهدون ويتعبون,ويريدون أن يصلوا إلي الله ولايعرفون..بتداريب عديدة وبجهاد كثير..وكلما يقومون يقعون..ويستمر قيامهم وسقوطهم..لماذا لأن جهادهم لم يبن علي المحبة,كالبيت الذي يبني علي الصخرمت7:24..وبغير المحبة يصبح مجرد جهاد ظاهري,ولم يصل إلي العمق بعد…
أما إذا وصلت إلي محبة الله,فأنك لاتخاف الخطية.
الخطية حينئذ لا تقدر عليك,لاتقدر أن تعيش في داخلك..لأن محبة الله التي في داخلك هي نور,بينما الخطية ظلمة..والنور يطرد الظلمة,ولاشركة بين النور والظلمة2كو6:14..محبة الله لا تتفق مع محبة الخطية,فلا يمكن أن يوجدا معا في قلب واحد.
لذلك لا تجاهد ضد الخطية بدون محبة الله..حاول أن تدخل محبة الله إلي قلبك فتتخلص من الخطية بدون تعب.
ما دام الله محبة,ونحن صورة الله ومثالهتك1:27,26إذن لابد أن نكون محبين مثله.
وإلا في حالة عدم وجود المحبة فينا لانكون علي صورة الله..بل نكون قد فقدنا الصورة الإلهية التي خلقنا بها..كذلك نحن أولاد الله..والابن لابد أن يشبه أباه..وإن شابهناه كأبناء لله,لابد أن المحبة ستملأ قلوبنا,وتفيض من وجوهنا,ومن أعيننا,ومن ملامحنا,وتظهر في تصرفاتنا وفي كل أعمالنا..ويقول الناس عنا:حقا هؤلاء هم أولاد الله,هم علي مثاله في الحببهذا أولاد الله ظاهرون1يو3:10.
المحبة هي الميزان الذي توزن به أعمالنا في اليوم الأخير.
لا تقاس أعمالنا الخيرة بكثرتها,إنما بمقدار ما فيها من حب..لاتقل له مثلا:أنا قد وقفت يارب ثلاث ساعات أصلي..لأن الله سيجيبك:ليس المهم في مقدار الوقت,إنما في مشاعر الحب التي في قلبك أثناء الصلاة..هل لك مشاعر داود المرتل الذي قالمحبوب هو اسمك يارب,فهو طول النهار تلاوتيمز119..وقال أيضاباسمك ارفع يدي,فتشبع نفسي كما من شحم ودسممز63:4.
كذلك أنت في صلاتك,هل تكون في قلبك محبة الله الذي تصل له أم لا؟..هل يكون قلبك متصلا به أم لا؟..اعلم أن الصلاة الخالية من هذه المشاعر القلبية ليست هي مقبولة عند الله,ولاتدخل إلي حضرته.
لأنه:ماهي الصلاة في مفهومها الروحي؟
إنها ليست مجرد كلام موجه إلي الله أو حديث معه,أو مخاطبة له..فهذا هو الشيء الظاهري..لكن المعني الحقيقي والباطني,هو أن الصلاة هي محبة واشتياق إلي الله,للتمتع به..وهذه المحبة نحو الله هي التي تجعلك تصلي,التي تدفعك إلي الحديث معه..إذن الكلام مع الله هو مجرد نتيجة للحب الموجود في القلب,أو هو مجرد تعبير عن هذا الحب.
فإذا لم يوجد هذا الحب في قلبك,ألا تكون صلاتك مجرد كلام لايدخل إلي حضرة الله؟!
ألسنا نقول في صلواتنافلتدن وسيلتي قدامك,ولتدخل طلبتي إلي حضرتك مز 119.. إذن هناك طلبات لا تدخل إلي حضرة الله..مثال ذلك صلاة القديس الذي كانت صلاته أطول من صلاة العشار,ومع ذلك لم يخرج من الهيكل مبررا مثلما خرج العشار!!لو18:14..لماذا؟..لأن صلاته لم تكن مقبولة إذ لم يكن فيها حب لله,بل كان فيها حب للذات ومديح لها في قوله إني لست مثل سائر الناس الظالمين الخاطفين الزناة..كما لم يكن فيها حب للغير,إذ في صلاته أدان العشار قائلاولا مثل هذا العشار
إذن في الصلاة:الحب هو الأصل,والكلام هو التعبير.
كما أن اللسان فيها يتحدث كذلك القلب أيضا يتحدث..
ومشاعر الحب التي في القلب حتي بدون كلام تعتبر صلاة..أما كلام الصلاة بدون حب,ليس هو صلاة.
وما أجمل مثال داود النبي الذي يقولكما يشتاق الإيل إلي جداول المياه,هكذا تشتاق نفسي إليك يا اللهعطشت نفسي إلي الله,إلي الإله الحيمز42:1-2..يا الله أنت إلهي إليك أبكر..عطشت نفسي إليك..يشتاق إليك جسديمز63:1متي أقف وأتراءي أمام اللهكنت أذكرك علي فراشي,وفي أوقات الأسحار كنت أرتل لكمز63سبقت عيناي وقت السحر,لأتلو في جميع أقوالكمز119..كل هذا حب واشتياق…
بعكس ذلك كان الفريسيون الذينلعلة كانوا يطيلون صلواتهممت23:14.
صلوات طويلة,ولكنها غير مقبولة,لأنها خالية من الحب ..وبالمثل أولئك الذين كانوا يصلون في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يراهم الناسمت6:5..ماذا كان هدفهم من الصلاة سوي محبة المديح والمجد الباطل وليس محبة الله..إنها الذات المريضة التي لايوجد بينها وبين الله صلة,حتي في وقت الصلاة!!
إن الله لايريد الشفتين,بل القلبمت15:8..وهو يقول باستمراريا ابني أعطني قلبكأم23:26.
يريد قلبك في الصلاة عامرا بالحب نحوه ونحو قريبك.
لذلك قالإن قدمت قربانك قدام المذبح..وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك,فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولا اصطلح مع أخيك..وحينئذ تعال وقدم قربانك مت5:24,23..إنه لا يريدك أن تتقدم إلي المذبح بغير حب,ولايقبل قربانك بغير حب…
لذلك اخلطوا كل أعمالكم بالحب..اخلطوا فضائلكم به.
إن كل عمل من اعمالك يخلو من الحب,إنما يخلو من قيمته ومن أهميته..ولا يكون هو عمل الله فيك.
إن كان الله يعمل فيك فالمحبة تعمل فيك,لأن الله محبة..حينئذ تكون كل أعمالك محبة,كما قال الرسوللتصر كل أموركم في محبة1كو16:14.
حتي مشاكلكم تحلونها أيضا في محبة,علي قدر امكانكم العطاء مثلا,يوزن بمقدار الحب الذي فيه.
ليس بكثرة المقدار,إنما بكثرة الحب..والعطاء المادي الذي تقدمه يجب أن تقدم فيه حب,يظهر في مشاعر قلبك,وفي ملامح وجهك لأن المعطي بسرور يحبه الرب 2كو9:7.
لأنه من الجائز أن إنسانا يعطي بدون رغبة,وهو متضايق,أو محرج أو مضطر أو مضغوط عليه,أو وهو غير مقتنع بأن يدفع فهو يعطي وهو متذمر في قلبه ليس مثل هذا العطاء مقبولا عند الله.
هناك فرق بين إنسان يعطي المساكين,وإنسان يحب المساكين فيعطيهم.
هذا الذي يحبهم هو الأفضل..حتي لو لم يكن له مايعطيه..لأن الله ينظر إلي القلب قبل اليد..إن أجمل ما في العطاء,أن تشعر بلذة وأنت تعطي,لاتقل عن فرح الذي تعطيه..إن الأم تشعر بفرح حينما يرضع طفلها منها..فهي تعطيه حبا قبل أن تعطيه لبنا أو هي تعطيه الأمرين معا..كذلك من يعطي المحتاج عن حب وبحب يفرح بإعطائه.
وهنا يبدو الفارق بين الثراء الذي يعطي,والمحبة التي تعطي.
إنك حينما تعطف علي شخص,إنما تشعر بلذة في العطف عليه,ربما أكثر من اللذة التي يشعر بها ذلك الشخص الذي نال العطف منك..فأنت تأخذ حينما تعطي,كما يأخذ الذي تعطيه ..قال أحد الأدباء:سقيت شجيرة كوبا من الماء,فلم تقدم لي عبارة شكر واحدة..ولكنها انتعشت,فانتعشت
هكذا الخدمة أيضا:إن لم يدخلها الحب,لاتكون خدمة.
السيد المسيح كانت معجزاته مخلوطة بالحب..فمثلا في معجزة إشباع الجموع من الخمس خبزات والسمكتين,يقول الكتاب إنه أبصر جمعا كثيرا,فتحنن عليهم وشفي مرضاهممت14:14وأيضافتحنن عليهم إذ كانوا كخراف لا راعي لهامر6:34وحتي حينما روي قصة السامري الصالح دقق علي هذه النقطة فقالولكن سامريا مسافرا جاء إليه..ولما رآه تحننلو10:33..إن هذه العواطف لها أهميتها عند الرب.
إن عطايا الرب ومعجزات الشفاء,كان ممتزجة بالحب قبل إقامته لعازر من الموت ..قيل عنهبكي يسوعيو11:35..وفي إقامة ابن أرملة نايين لما رأي هذه الأم الأرملةتحنن عليها وقال لها لاتبكيلو7:13..وفي شفاء الأبرص قيلفتحنن يسوع ومد يده ولمسهمر1:41وطهره وفي شفاء الأعميين في أريحا قيل فتحنن يسوع ولمس أعينهما فللوقت أبصرت أعينهما فتبعاهمت20:34.
كثيرون خدمتهم في الكنيسة مجرد نشاط خالية من الحب.تشمل الكثير من العمل والإنتاج والكثير من الإداريات والنظام وربما من الروتين ..ولكن بلا حب…بينما الخدمة في أصلها,إنك تحب الله,وملكوته..وتحب أبناء الله,وتريد لهم أن يحبوا الله,وأن يدخلوا ملكوته..لذلك تبذل كل جهودك لتقوم بعمل محبة نحوهم وما أجمل ما قيل عن السيد المسيح ..أنه أحب خاصته الذين في العالم,أحبهم حتي المنتهي.
وقال لهملا أعود أسميكم عبيدا..ولكن قد سميتكم أحباءيو15:15كما أحبني الأب أحببتكم أنا..اثبتوا في محبتييو15:9..وقال للأب عنهم:عرفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به,وأكون أنا فيهميو17:26…وقال لهم عن رسالة الفداء التي جاء ليقوم بهاليس لأحد حب أعظم من هذا,أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائهيو15:12..كلام كله حب ونفهم منه هذه الحقيقة.
إن السيد المسيح علي الصليب كان ذبيحة حب.
فتكلم عن الفداء,إنه مات عنا..وإنه قد حمل خطايانا وإنه خلصنا ..ولكن وراء كل هذا العمل,كان الحبأحب..حتي بذليو3:16..إذن سبب التجسد الإلهي هو الحب,وسبب الفداء أيضا هو الحب..ويتحدث القديس يوحنا عن ذلك فيقولفي هذا هي المحبة,ليس إ ننا أحبنا الله,بل إنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا1يو4:10..ولذلك نحن نقابل حبه بحب..وهكذا قال نحن نحبه لأنه هو أحبنا قبلا1يو4:19.
وكما كان المسيح ,ذبيحة حب نحونا هكذا كان الشهداء ذبيحة حب نحو الله. لقد قدموا حياتهم ذبيحة حب لله..أحبوه أكثر من العالم كله,وأكثر من الأهل والأقرباء..بل أحبوه أكثر من أنفسهم وفرحوا بالموت لأنه يقربهم إليه ليعيشوا معه في الفردوس ثم في الملكوت إلي الأبد..كما قال القديس بولس الرسول لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح ..ذاك أفضل جدافي1:23
لاتظنوا أن الذين تقدموا للاستشهاد كانوا يلاقون الموت وهم خائفون أو متضايقون..كلا بل كانوا في محبتهم للقاء الله فرحين جدا بهذا اللقاء ومشتاقين إليه..كانوا يذهبون إلي ساحة الاستشهاد وهم يرتلون في فرح..وأثناء سجنهم حولوا السجون إلي معابد ترتفع منها أصوات الترتيل والتسبيح والصلاة حتي أن أحد الشهداء قبل السلاسل التي قيدوه بها.وشهيد آخر كان يصلي طالبا البركة للجلاد الذي سيقطع رأسه ولعلهم أخذوا هذا الدرس عن السيد المسيح الذي حينما اقترب إلي الجلجثة قال قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسانيو12:23الآن تمجد ابن الإنسان وتمجد الآب فيهيو13:31..وقيل عنه فيما تحمله من آلام وإهانات في وقت الصلبمن أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينا بالخزيعب12:2
أستسمحكم بأن أكتفي بهذا الآن وللموضوع بقية إن أحبت نعمة الرب وعشنا.