فزع المجتمع مما حدث من تحرش بالفتيات في شارع جامعة الدول العربية الأسبوع الماضي,لأن الحادثة كانت فجة وأخذت شكلا جماعيا بالتحرش,علاوة علي ذلك فإن الواقع يشهد بأن حالات التحرش الفردية متكررة ومفزعة في المجتمع ونادرا ما نجد امرأة أو شابة لم تتعرض لهذه التعديات والأمثلة كثيرة نذكر بعضا من صورها الواقعية ونشدد علي ضرورة إصدار قانون يجرم التحرش بعقوبات صارمة.
(م.و) عاملة بمصنع تقول: أستقل الميكروباص يوميا للذهاب إلي العمل,وأتعرض فيه أحيانا للمضايقات.فذات مرة جلس رجل بجواري في المقعد الخلفي وبعد دقائق وجدت يده تلمس جسدي,فطلبت منه إبعاد يده فإذ به يصيح في الميكروباص قائلا (هو أنا جيت عندك…لا دا أنت مش طبيعية) والغريب أن أغلب الركاب تعاطفوا معه وقالوا له (معلهش يا أستاذ…دول ناقصات عقل ودين)!.
أما (ش.ن) فمصيبتها أشد,تقول: أعمل محاسبة بشركة مرموقة حيث يتم إجراء اختبارات لترقية العاملين هناك ولاستمرارهم في الشركة…اجتزت الاختبار بنجاح.وقبل إعلان النتيجة إذ بأحد المحكمين يطلب مني إقامة علاقة غير شرعية معه.ولم أعرف إلي من سأتظلم بل ومن سيصدق مظلمتي؟
(هـ.ك) طالبة جامعية: أثناء عودتي إلي المنزل أختار شارعا هادئا لكي أصل منه إلي المنزل تحاشيا لازدحام الشوارع الأخري والسهام الخارجة من عيون المتسكعين بها وكلماتهم البذيئة.
وفي آخر مرة مررت فيها بذلك الشارع إذ بشخص يركض خلفي محاولا لمس جسدي فذهلت وإذ بي أصرخ ودون أن أشعر صفعته علي وجهه.
اقترح المجلس القومي للمرأة مؤخرا مشروع قانون لمناهضة التحرش,وستتم مناقشته في الدورة القادمة لمجلس الشعب,يتضمن مشروع القانون معاقبة المتحرش أينما كان وأيا كان نوع التحرش بدفع غرامة ألف جنيه وحبسه لمدة عام.وركز أيضا علي حماية المرأة العاملة من تحرش صاحب العمل بها.
لكن كيف يتم إثبات واقعة التحرش؟ وهل هذه العقوبة كافية لردع المتحرشين؟ ومن سيحمي المرأة العاملة من تعسف صاحب العمل؟. هذه التساؤلات وغيرها طرحناها أمام المؤسسات المهمومة بالعنف الموجه ضد المرأة لنتمكن من فهم حيثيات القانون.
أيدت نورا محمد مديرة مشروع مناهضة العنف ضد المرأة بمؤسسة قضايا المرأة تقول إن مشروع القانون إذا تم تطبيقه علي أرض الواقع.وأن محدودية الدخل للمواطن تجعل غرامة قيمتها ألف جنيه تجهد ميزانية الأسرة كذلك قضاء سنة كاملة خلف القضبان يعد شيئا غير هين ووضع جريمة التحرش في صحيفة الأحوال الجنائية للمتحرش كاف لردعه.
وتواصل مديرة المشروع قائلة إن إثبات واقعة التحرش قد يكون من خلال شهود العيان للواقعة.ولكن أصبح ذلك صعبا لأن أحدا لا يريد أن يدخل نفسه بمشاكل هو في غني عنها.لذا فيمكن أن يكون الحل في مراقبة الشرطة للمتحرش لأنه من المؤكد أنه سيحاول التحرش بأخريات.وإذا ثبت تكرار محاولاته يتم القبض عليه.
أما بالنسبة لوضع الأطفال في قضايا التحرش.فإذا قام طفل -أقل من 18سنة بالتحرش بأي شخص سيتم توبيخه فقط لأن القانون لا يجيز حبس الأطفال قبل بلوغهم 18سنة وإذا تكرر التحرش بآخرين يتم إيداعه في إحدي مؤسسات الرعاية الاجتماعية (الإصلاحية).وهنا نجد أنه من الصعب القضاء علي مستقبل طفل في مقتبل حياته بوضعه في الإصلاحية حتي يخرج منها مجرما متأصلا.ويمكن حل هذه المعادلة الصعبة -ردع الطفل المتحرش دون الإضرار بمستقبله- من خلال تكثيف التواجد الأمني في الشارع.فالطفل يقوم بالتحرش تقليدا للكبار وليس لإرضاء غريزة جنسية بداخله.لذا فالتواجد الأمني سيخيف الأطفال.
أما نهاد أبو القمصان مديرة المركز المصري لحقوق المرأة فتري إضافة بعض التعديلات علي مشروع القانون,وتقول: بالرغم من أن مشروع القانون خطوة إيجابية لمناهضة العنف ضد المرأة إلا أن العقوبات التي يتضمنها قد تكون كافية لبعض أنواع التحرش لأنها غير ملائمة لأنواع أخري.فالتحرش يبدأ من المعاكسات الكلامية والتتبع في الشارع حتي اللمس ومحاولات الاغتصاب. لذا فالقانون يحتاج إلي التوسع في العقوبات المدنية والتي تكون رادعة أكثر من الحبس أو الغرامة.كذلك من غير المعقول وضع معظم الشعب المصري في الحبس أو أن يكون لدي معظمه سوابق جنائية تحسب في صحفهم الجنائية. كما أن الربط بين التحرش وبين عرقلة المصالح الشخصية للمتحرش سيكون أكثر جدوي وفاعلية,فمثلا يمكن منع المتحرش من استخراج رخصة قيادة أو شهادة صحية له إذا كان صاحب مطعم.فالتضييق علي الحياة من خلال تعطيل المصالح الشخصية يمكن أن يشعر المتحرش بخطورة الموضوع.
كذلك من سلبيات تحديد العقوبة في الحبس نظرة القضاة لقضايا التحرش بأنها لا تتعدي كونها مجرد معاكسات ولا تستحق حبس المتحرشين وقد يكتفون بالغرامة.
وتعطيل المصالح المدنية للمتحرش كان أول اقتراح تقدمنا به للمجلس القومي للمرأة ضمن تعديلات أخري لإضافتها لمشروع القانون قبل تقديمه لمجلس الشعب.
من القترحات أيضا -والكلام لنهاد أبو القمصان- كيفية إثبات واقعة التحرش.فمشروع القانون لا يتطرق لذلك.الطريقة المقترحة للإثبات ستكون من خلال تكثيف التواجد الأمني في الشارع مع منح أفراد الأمن سلطة تحرير محاضر تحرش مثلما تقوم شرطة المرور بتحرير المخالفات لقائدي السيارات ولا نستطيع أن نغفل دور الشهود الذين عاينوا واقعة التحرش فلهم دور مهم في إثبات قول المدعية بالتحرش.
تضيف أن تكثيف التواجد الأمني في الشارع سيكون أيضا رادعا للأطفال الذين يتحرشون بالآخرين,والذي لم يحدد مشروع القانون المقترح كيفية التعامل معهم,وإنما اكتفي بما يتضمنه قانون الطفل إثر اقترافه لأي جرم,استدعاء الأهل ولوم الطفل وتوبيخه فقط طالما هو دون الثامنة عشر,وكذلك إنشاء قسم خاص بقضايا التحرش بكافة أقسام الشرطة.