عرفت القاهرة منذ إنشائها علي يد جوهر الصقلي العديد من الكنائس القديمة التي تمثل حلقة مهمة من حلقات التراث القومي الفريد في تاريخ مصر العريق إبان فترات العصر المسيحي تلك الفترة التي لايمكن تجاهلها لما تركته من أثر كبير في خلق جو من الروحانية والمباديء السامية في مصر بصفة عامة,وعانت هذه الكنائس من أحداث الزمن المتعاقبة والثورات التي قضت علي الكثير مما كانت تحويه من روائع الكنوز الفنية والمعمارية خاصة أثناء الفتن والاضطرابات التي سادت في أزمنة مختلفة ومن هذه الكنائس القديمة الباقية للآن كنيستي في حارة الروم وثلاث في حارة زويلة وكنيسة الأنبا رويس الأثرية.
0 كنائس حارة الروم:
يحتوي دير الأمير تادرس للراهبات بحارة الروم الموجود في حي الغورية علي كنيستين واحدة للسيدة العذراء والأخري لمارجرجس.الوصول إليهما عن طريق حارة ضيقة في نهايتها سبيل فاخر يرجع إلي عهد محمد علي أما كنيسة العذراء فلا نعرف تحديدا تاريخ تأسيسها وإن كان المحتمل أن تكون قد أنشئت إبان القرن العاشر للميلاد وكغيرها من الكنائس الأخري القديمة أصابها الهدم كثيرا,وتجدد بناءها عدة مرات فخلال الفترة من996-1021مفي زمن الخليفة الحاكم كانت ضمن الكنائس التي تهدمت وأغلقت تماما ,فاضطر اسقفها إلي إقامة الصلاة في داره حتي صدرت الأوامر بإعادة ترميم جميع الكنائس وفتح ما أغلق منها ويذكر علي مبارك في كتاب:الخطط التوفيقية أن الرشيد أبا ذكري قسيس الكنيسة قام سنة 1086 بالاشتراك مع الشيخ أبو الخير المعروف بسيبويه الكاتب بترميمها وتجديد عمارتها وآثارها كما أضاف إليها المعلم منصور الأنطاكي منبر من الرخام بلغت نفقاته ثلاثمائة دينار,وأضاف إليها أيضا حجابا من الخشب الثمين المطعم بالعاج والأبنوس وقبة واحدة فوقها وكان ذلك عام 1173م.
ويشير تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في مؤلفهالمواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والأخبارأنها كانت أيضا من أهم كنائس القاهرة التي اتخذت فترة من الزمن مقرا للدار البطريركية كما حدث عام 1074,وقد حدث تكريس للميرون في هذه الكنيسة ثلاث مرات:مرتين في زمن الأنبا متاؤس البطريرك التسعون عام 1460م وعام 1703 وفي عهد الأنبا يؤنس السابع بعد المائة سنة 1785 أما التكوين العام للكنيسة فتحتوي كالعادة علي دهليز المدخل والصحن ومكان المرتلين والجناحين الجنوبي والشمالي ثم الهياكل الثلاثة,وغرابة هذه الكنيسة في سقفها الذي يتكون من اثنتي عشرة قبة منها قبة واحدة فوق كل هيكل من هياكلها الثلاث,الباقي فوق صحن الكنيسة وعلي جدار الهيكلان الجنوبي والشمالي توجد مجموعة من الأيقونات الرائعة والصور,وأغلب هذه الصور من عمل المصور أسطامي الرومي,ومن الجناح الشمالي يوجد باب يوصل إلي كنيسة صغيرة هي كنيسة القديس تادرس وتبلغ مساحتها خمسة أمتار طولا وثلاثة ونصف عرضا وخمسة ونصف في الارتفاع,وفي الدور العلوي توجد كنيسة مارجرجس, وهي تشبه في مبناها العام كنيسة العذراء كما تحتوي علي دهليز المدخل والصحة ومكان المرتلين,وليس بالكنيسة من الصور ما يستحق الذكر سوي أيقونة للأنبا شنودة وأخري للقديسة دميانة.
كنائس حارة زويلة:
في حي الخرنفش بالقرب من الموسكي وتحديدا في شارع بورسعيد حاليا يوجد بقايا دير أثري يضم في داخله ثلاث كنائس تاريخية مهمة,واحدة علي اسم القديس مرقوريوس أبي سيفين,وعلي مقربة منه دير للسيدة العذراء للراهبات, ثم كنيسة عليا مكرسة لمارجرجس
أولا: كنيسة السيدة العذراء:
هي من أقدم كنائس القاهرة القديمة,وأكبرها اتساعا فيبلغ طولها 28 مترا وعرضها 19 مترا,وارتفاعها 11 مترا,وهي منخفضة عن مستوي الشارع الحالي وما يجاورها بنحو 14 قدما تقريبا وتمتاز معمارتها البازيلكية الطراز وهي شبيهة في ذلك بكنيسة المعلقة وقام زابولونأحد الأطباء الأقباط المشهورين الذين عاشوا في فترة ما قبل دخول العرب بمائتين وسبعين سنة ببنائهاوقد أشار أميلينوفي كتابة كنيسة والدة الإله مريم بحارات زويلة-المكتبة الملكية الأهلية باريس إلي مراحل الهدم والبناء والإعمار المتتالية التي توالت علي هذه الكنيسة الأثرية خلال الأزمنة المختلفة ففي عام 1321 للميلاد تم هدم الكنيسة تماما, وفي القرن الرابع عشر الميلادي أنشئت من جديد, ومنذ هذه الفترة وحتي عام 1660م ظلت مركز للكرسي البطريركي, كما يؤكد تقي الدين المقريزي في مؤلفه السابق ذكره سمو المكانة التي حظت بها تلك الكنيسة العريقة لدي النصاري, فكان لها ستة من الكهنة, وكان الأقباط يقيمون بها سنويا ثلاث احتفالات ضخمة يأتي إليها المسيحيين من كل مكان وذلك أيام أحد السعف,ثالث يوم الفصح وعيد الصليب في 27 سبتمبر من كل عام, ومن مظاهر الاحتفالات أن تقام الصلاة داخل الكنيسة, ثم يخرج الشعب برفقة الكهنة وهم يرتلون ويحملون الأناجيل والصلبان والمجامر وأغصان الزيتون ويتجولون قليلا في قنطرة الميمون خارج الحارة, ثم يعودون بعد ذلك إلي الكنيسة لقضاء باقي اليوم بها,وقد أبطلت هذه العادة عام 1169 ميلادية أما الكنيسة فكانت عظيمة جدا بما تحويه من الأبنية والأحجبة المطعمة بالعاج والأبنوس والنقوش والتصاوير والأعمدة المرمرية وغير ذلك مما يذهل الناظرين وقيل إن الأمير جمال الكفاءة أبوسعيد وهو أحد الشخصيات المرموقة في عهد خلافة الحافظ, وكذلك أبو المكارم سعد الله بن جرجس الذي عاش في أوائل القرن الثاني عشر الميلادي اشتركا في تزيين الكنيسة وإعمارها, ثم أغلقت في عصر الشيخ محمد بن الياس بأمر من السلطان سليمان خان الأول عام 1559 م,ولما طلب القبط من السلطان المذكور ترميمها أحيلت الأوراق إلي المفتي الذي أمر بالسماح لهم بإعادة ماتهدم منها,ويذكر أيضا أن الرئيس صنيعة الخلافة أبو ذكري يحيي المعروف بالأكرم الذي كان يتولي شئون ديوان التحقيق 1135-1147ممن أشهر الشخصيات العامة التي كانت دائمة التردد علي الكنيسة.
ثانيا:كنيسة القديس مرقوريوس أبي سيفين:
تعرف باسم كنيسة أبي سيفين الصغيرة,وأسسها أحد مشاهير القبط عام 1773م, وهو المعلم إبراهيم الجوهري وتحتوي الكنيسة علي الصحن ومكان المرتلين والجناحين الجنوبي والشمالي والهياكل الثلاثة والمعمودية
ثالثا:كنيسة مارجرجس:
هي الكنيسة العليا بحارة زويلة وهي مكرسة باسم القديس مارجرجس وبالرغم من حجمها الصغير إلا أنها تحتوي علي الجناحين الجنوبي والشمالي والصحن ومكان المرتلين والهياكل الثلاثة وخارج الكنيسة توجد قاعة صغيرة تحتوي علي مقصورة للعذراء وبها أيقونة لها مع صورتين لقديسين أقدمها صورة لمارجرجس مؤرخة بعام 1498 للشهداء بما يوافق 1782 للميلاد,وأروع ماتحتويه هذه الكنيسة مكتبة صغيرة تضم الكثير من المخطوطات الثمينة والنادرة بأحجام كبيرة,وموضوعاتها خاصة بطقوس الكنيسة والميامر بعض القديسين, وأقدم تلك المخطوطات فيها مخطوطلميمر القديس الأنبا كبريانوس الساحر الذي عاد إلي الإيمان علي يد القديسة يوستينا مؤرخ بعام 1109 للشهداء وسيرة القديس برثلماوس,مؤرخ بعام 1156 للشهداء, ميمر عن عجائب الشهيد مارجرجس والقديس الأنبا نهرو,مارمينا العجايبي,مرقوريوس أبي سيفين,يعقوب المقطع بتاريخ 25 مسري عام 1060 للشهداء, مخطوط خولاجي عن قداسات ماسيليوس وأغريغوريوس وكيرلس منقول عن التاريخ العتيق عام 1062 للشهداء.
كنيسة الأنبا رويس:
من الكنائس الأثرية التي ورد ذكرها في خطط المؤرخ تقي الدين المقريزي مشيرا إلي أنها كانت علي مقربة من مقابر الخندق حيث كان المسيحيون يدفنون موتاهم وبالفعل تقع الآن بجوار جبانة نقلت منها مؤخرا بقايا الرفات والعظام التي كانت فيها إلي مقبرة أخري حديثة العهد,وهي مكونة من صحن ومكان المرتلين ثلاث هياكل تغطيها ثلاث قباب علي شكل خلايا النحل, وأسفل الهيكل الشمالي يوجد كهف يضم التابوت الذي يحوي رفات القديس ودفن في نفس المقبرة أربعة من أجساد البطاركة الذين رحلوا خلال القرن الخامس عشر الميلادي.