قبل أن أواصل عرض آراء البرلمانيين حول القانون الموحد لبناء دور العبادة,أعود إلي مناقشة وجهة نظر الأستاذ ماهر الدربي رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس الشعب التي عرضها الأسبوع الماضي والتي أشرت إلي أنها تستحق الرد عليها بموضوعية,لعل الأستاذ ماهر يعيد النظر فيها…صحيح أن حصيلة الآراء التي سجلتها حتي الآن كلها مجمعة علي حتمية إصدار القانون,لكن في إطار الحملة الوطنية لحشد التأييد لإصداره لا ينبغي أن نهمل أي رأي معارض,بل يجب علينا قبوله ومناقشته بهدف كسبه إلي جانب المؤيدين.
يقول الأستاذ ماهر الدربي:عرض القانون الموحد لبناء دور العبادة للمناقشة في مجلس الشعب سيثير مشاكل,لذلك سأرفضه,فمصر دينها الرسمي الإسلام بنص الدستور,والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ولابد من الحفاظ علي مشاعر الأغلبية,لأنه لا يوجد مبرر لهذا القانون فالكنائس تبني والمساجد تبني دون مشاكل,ورفض بناء كنيسة مسألة تتعلق بالأمن القومي المصري والصالح العام,والقرارات الحالية المتصلة ببناء المساجد والكنائس أفضل من أي وقت سابق,لأنها تراعي أن غالبية الشعب المصري مسلمون.
وإذ أناقش رأي الأستاذ ماهر أقول:إن مسألة بناء الكنائس لا تتعارض مع الدستور الذي ينص علي أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع,فلا الإسلام ولا الشريعة الإسلامية يمنعان بناء الكنائس,هذا بالإضافة إلي أن الدستور الذي نحتكم له جميعا ينص علي معيار المواطنة,لضمان حقوق متساوية لجميع المواطنين,كما ينص علي حماية حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية لجميع المواطنين.من هذا المنطلق لا يستقيم أن نصور مسألة بناء الكنائس باعتبارها مواجهة بين مواد الدستور التي ترسخ مكانة الإسلام والشريعة الإسلامية وبين مواده التي ترسخ المساواة بين المواطنين وحرية العبادة,فتلك المواجهة غير موجودة والإيحاء بأن هناك تناقضا دستوريا في هذا الخصوص يخلق مشكلة دون داع سبق أن فصل فيها وحسمها الفقهاء والأئمة والمفكرون وتبعهم في ذلك القائمون علي المجلس القومي لحقوق الإنسان-مسلمين ومسيحيين-في الدعوة لتحرير تشريعات بناء الكنائس من القبضة الأمنية ومساواتها بتشريعات بناء المساجد.
أما الإشارة إلي أن النظر في أمر بناء الكنائس لا يتمشي مع الحفاظ علي مشاعر الأغلبية-وهنا يقصد الأستاذ ماهر الأغلبية المسلمة من المصريين-فذلك أيضا يحمل إيحاء بأن الكنائس تجرح مشاعر إخوتنا المسلمين,وأنا هنا أسجل أن المصريين بأغلبيتهم المسلمة وأقليتهم المسيحية عاشوا قرونا طويلة من الزمان في محبة ووئام يحتضنهم وادي النيل وتجمعهم التجمعات السكنية-مدنا كانت أم قري-التي ترتفع فيها مآذن المساجد مع أبراج الكنائس,وكانوا يفتخرون في أدبياتهم ورسوماتهم في شتي المناسبات بتعانق هذه المآذن مع تلك الأبراج,وكان الفضل في ذلك راجع إلي الخطاب الديني السمح وإلي الاختلاط الحياتي الحقيقي فيما بينهم والذي رسخ في وجدانهم جميعا أن المساجد والكنائس معا دور عبادة جليلة لها منزلة محترمة تنشر الإيمان والفضيلة علي كل من يرتادها للصلاة أو للتبرك…إذن النظر إلي أن الكنائس تمثل جرحا لمشاعر المسلمين وما يحمله ذلك من الإيحاء بأن إطلاق حرية بنائها وصيانتها يعد استفزازا للمسلمين هو تجاوز لا يتفق مع الطبيعة السمحة للإسلام,ولا مع ميراث العلاقة الأزلية الحميمة التي تربط المصريين(مسيحيين ومسلمين).
أتصور أن الرأي الذي يسوقه الأستاذ ماهر نابع من مناخ الأزمة والاحتقان الذي يسود في بعض الأماكن لبعض الأوقات,وهو المناخ الذي أفرزته ثقافة مغلوطة وخطاب ديني غريب علينا ينشر مفاهيم عدوانية تكفر المسيحيين وتعتبر كنائسهم بيوت شرك,لكن هناك في أعماق التاريخ المصري والثقافة المصرية,وفي الإسلام نفسه ما يصحح تلك المفاهيم ويضعها في نصابها الصحيح,كما أن هناك في النسيج الوطني المصري وفي علاقات الأخوة الحقيقية بين المسلمين والمسيحيين ما يحميهم من سطوة هذه الآراء المتطرفة الغريبة,وليس أدل علي ذلك من ارتياد المسلمين للكنائس والمسيحيين للمساجد في شتي المناسبات الدينية والأعياد وفي مجاملات السراء والضراء بلا حساسيات,وبكل مشاعر المحبة والاحترام المتبادلة فيما بينهم.
إن السعي لترسيخ المساواة بين المصريين في تشريعات بناء دور العبادة,وهو الأمر الذي يحققه القانون الموحد لبناء دور العبادة ليس مواجهة بين الأغلبية المسلمة والأقلية المسيحية علي الإطلاق,وإصدار القانون لا يمكن أن يتم رغم أنف الأغلبية المسلمة أو أن يفرض عليها دون رضاها,بل إن الواقع يشهد بأن المحبة المتأصلة بين الأغلبية المسلمة والأقلية المسيحية هي التي أدت إلي مبادرة إخوتنا المسلمين باقتراح مشروع هذا القانون علي مجلس الشعب ورعايته وتأييده طوال السنوات الأربع الماضية,وفرصته في أن يري النور لا تتأتي إلا بتأييد هذه الأغلبية التي تفضلت رموز عديدة منها بتسجيل تأييدها له ضمن حملتنا الوطنية هذه,وهو ما يدعو للارتياح والفخر وما ينفي تماما الفكر الذي يتردد بأن بناء كنيسة هو مسألة تتعلق بالأمن القومي المصري والصالح العام…وكلي رجاء أن يعيد الأستاذ ماهر الدربي النظر في موقفه وأن ينضم ليثري التجمع الوطني الذي يؤيد إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة.