هذه القضية تطفو علي السطح كل عام في هذا الميعاد مع اقتراب مناسبات الأعياد المسيحية,لكن هذا العام يتصادف موعدها مع النقاش الدائر حول تفعيل حقوق المواطنة وعلي معايير المساواة بين المصريين التي نادت بها وثيقة إعلان المواطنة الصادرة عن المؤتمر العام للمواطنة الذي عقد برعاية المجلس القومي لحقوق الإنسان الشهر الماضي.
والقضية ذات شقين:الشق الأول إجازات أعياد الأقباط ,والشق الثاني مواعيد الامتحانات الدراسية ــ سواء المدرسية أو الجامعية ــ التي لاتزال تشتبك مع أعياد الأقباط…فمنذ نحو خمسة أعوام في ديسمبر 2002 بادر الرئيس مبارك بإصدار قراره باعتبار تاريخ 7 يناير الذي يوافق عيد الميلاد المجيد إجازة رسمية لمصر كلها,وفرح الأقباط وأوفوا السيد الرئيس حقه من الشكر والعرفان علي هذه اللفتة الكريمة,وكتبت وقتها أدعو مجلس الشعب المصري لالتقاط المغزي من وراء مبادرة الرئيس وهو المساواة في حقوق المواطنة بين المصريين وتفعيل ذلك بإصدار التشريعات اللازمة لإدراج باقي الأعياد المسيحية إجازات رسمية بشكل مرحلي عيد القيامة ومن بعده عيد الغطاس ومن بعده أحد السعف ومن بعده خميس العهد وهي الأعياد المسيحية الرئيسية التي سبق أن تناولتها تشريعات كثيرة أهمها قرار رئيس الوزراء في 1953/7/1 وقرار رئيس الجمهورية رقم 2362 لسنة 1967 والقانون رقم 47 لسنة 1978 الخاص بإصدار نظام العاملين المدنيين بالدولة والقانون رقم 48 لسنة 1978 الخاص بإصدار نظام العاملين بالقطاع العام والقانون رقم 203 لسنة 1991 الخاص بإصدار نظام العاملين بقطاع الأعمال العام وقانون العمل رقم 137 لسنة 1981 في شأن إجازات العاملين غير المسلمين في القطاع الخاص والقرار الوزاري رقم 63 لسنة 1982 وتعديلاته والقرار الوزاري رقم 92 لسنة 1991
وإذ أحرص علي سرد تلك التشريعات برمتها,إنما للرد علي تنكر بعض الرؤساء ومسئولي الإدارة في مؤسسات العمل المختلفة عامة أو خاصة لحق المسيحيين في إجازات مدفوعة الأجر في مناسبات أعيادهم وما يؤدي إليه ذلك من كلام مؤسف يسمعه بعض المسيحيين مثل :مش كفاية عليكم أجازة 7 يناير اللي إداها لكم الريس بدون وجه حق؟ ومثل هاتولي القرارات اللي بتقول إن لكم إجازات في محاولات للهروب من الالتزام الإداري وإلقاء عبء البحث عن القرارات علي الموظفين البسطاء الذين لا قبل لهم وتلك اللوائح، ومثل هذه الإجازة تكون خصما من مرتبكم أوخصما من إجازاتكم السنوية…كل تلك المهاترات التي تأتي من ضعاف النفوس ومن مسئولين متعصبين يتهربون من البحث الأمين في اللوائح لإعطاء كل ذي حق حقه تم الرد عليها في أحكام قضاء محكمة النقض التي استقرت علي أنه :…. لا يمتنع رب العمل عن أن يمنح عماله إجازات بأجر لمناسبات أخري بالإضافة إلي تلك التي نص عليها القانون ,بحيث إذا جرت العادة علي منح هذه الإجازات الإضافية واتخذت صفة العمومية والاستمرار والثبات,وأصبحت التزاما في ذمته.
وسوف تظل إجازات أعياد المسيحيين موضع مساومات وسببا يؤرق المسيحيين في أعيادهم ما لم تصدر التشريعات الحازمة القاطعة التي تؤصل حقهم فيها وتستوجب مساءلة من يتهرب من تطبيقها..وليس أدل علي التعتيم التشريعي والانفلات الإداري في هذا الخصوص من المفارقات التي نجدها في كثير من الأسر المسيحية في تلك الأعياد عندما نجد أحد الوالدين يقول إن حقه في الإجازة معترف به في مكان عمله ,بينما الطرف الآخر يجأر بالشكوي لأن مديره الإداري أو رئيسه في العمل رفض إعطاءه إجازة يوم العيد وهدده وتوعده بالجزاء إذا تغيب عن العمل!!!
وكذلك الأبناء العاملون، فكل منهم يكون تحت رحمة شخصية ومزاج رئيس العمل أن يمنح الإجازة مدفوعة أو يعطيها غير مدفوعة أو يمنعها كلية لأنه شخصيا لا يعترف بها !!..إذن الفكاك من هذا الخلل والمناخ المريض لا يكون إلا بتأصيل الحقوق والمساواة بين المواطنين وتجريم مخالفة القانون,أو بالاهتداء بمبادرة الرئيس الخاصة بعيد الميلاد وبسها علي سائر الأعياد المسيحية باعتبارها إجازات رسمية لمصر كلها إعمالا للمساواة في حقوق المواطنة.
ويحضرني هنا تصريح الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب الذي صرح عقب مبادرة الرئيس باعتبار 7 يناير عيدا رسميا لمصر كلها ــ وكان ذلك في ديسمبر 2002 ــ فقد قال في جلسة المجلس: إن قرار الرئيس جاء متسقا مع أحكام الدستور الذي ساوي بين كل أبناء الوطن ,كما أنه جاء متسقا مع مبادئ الشريعة الإسلامية وذكر الدكتور سرور الأمثلة عن بعض الدول العربية التي درجت علي إعطاء مواطنيها جميعا إجازة رسمية في أول أيام العام الميلادي أسوة بإجازة رأس السنة الهجرية (وهنا أتذكر تاريخ 11 سبتمبر من كل عام الذي يوافق رأس السنة القبطية)…وتوالت بعد تصريحات الدكتور سرور تصريحات أعضاء المجلس في مظاهرة تأييد لقرار الرئيس حتي أنني تعجبت من ذلك الاندفاع العاطفي الذي سبقه تجاهل غريب ومؤسف من المجلس لإصدار تشريع في هذا الخصوص ,فكان أن كتبت متسائلا : ماذا لو لم يفعلها السيد الرئيس؟!!
فإذا كانت تصريحات وكلمات ومشاعر رئيس وأعضاء مجلس الشعب التي مرت عليها خمس سنوات صادقة وليست مجرد كلمات مزركشة ,لنا الحق أن نسائل المجلس ماذا فعل في هذا الإطار حتي الآن؟ هل اكتفي المجلس بالاحتفاء بمبادرة الرئيس وغفل عن أنها كانت مجرد بداية يتوجب علي المجلس أن يحذو حذوها ويبسطها علي باقي الأعياد المسيحية ؟هل يجب أن تكون توجيهات رئيس الجمهورية حرفية ومحددة لكل عيد من أعياد المسيحيين علي حدة حتي تتسق مع الدستور ومع الشريعة الإسلامية ,كما صرح الدكتور فتحي سرور ؟!!..
إن إجازات أعياد المسيحيين لا تزال من الأمور المسكوت عنها ,والآن تأتي ضمن أولويات الأمور الواجب مناقشتها والتعامل معها في إطار تفعيل حقوق المواطنة..أما الشق الثاني من هذا الملف وهو المتصل بتحديد مواعيد الامتحانات ومدي اشتباكها مع مواعيد أعياد المسيحيين فسأتناوله في هذا المكان الأسبوع المقبل بإذن الله.