ربما تكون حادثة الدويقة وما فجرته حولها بكل ما يتعلق بالعشوائيات هو ما دفعني لمناقشة قضية مهمة وهي ##شباب العشوائيات## والشباب بالأخص -لأن بهم ما يكفي من الطموحات والأحلام وأيضا الوقت لتحقيقها- ولكن هل الفرص متاحة أمام هؤلاء مثلما هي متاحة لشباب المدينة أو حتي شباب القري والنجوع…أعتقد أن فرصهم قليلة وطموحاتهم تخنقها أماكن سكنهم والبيئة المحيطة وحتي عقولهم التي لم تر إلا العنف والضيق والخوف.
##السيد عزب## من منطقة الوايلي -نشأت في حي الوايلي في إحدي المناطق العشوائية ومنذ صغري وأنا أري ##الخناقات والفتوات## في المنطقة وعلي ذلك نشأت علي أن ##أخذ حقي بدراعي## فلا مكان للضعفاء ولابد من إظهار القوة حتي لا ##أضيع في الرجلين##…لم يهتم أهلي بتعليمي فأنا استثمارهم فعند سن السابعة عملت ##صبي ميكانيكي## والآن أنا ##خالي شغل## ومن الصعب إيجاد فرصة لمن مثلي فلست متعلما ومنطقتي مشهورة ##بالبلطجة## مما يدفع أصحاب العمل لرفضي العمل لديهم.
الكرة والتليفزيون
و.ع -طالب بالفرقة الثانية بكلية الآداب يسكن بمنطقة ##عزبة أبو حشيش بغمرة##- يشكو من حاله ولكن يطمح لحياة جديدة يقول أين خصوصيتي؟؟ نعيش أنا وأسرتي المتكونة من سبعة أفراد في غرفة واحدة في بيت غرفتان لأسرتين آخريتين…هل تتصورون الحياة بهذا المنظر إخوة ##مترمين## في كل ##حتة## حمام مشترك للثلاث أسر,بنات وأولاد مختلطين دون رقيب,ووقت المذاكرة عذاب من أين التركيز…؟ولذلك اتجهت إلي سطوح البيت الذي هو أقل زحاما من غرفتنا ولولا ذلك ما كنت نجحت ودخلت كليتي هذه,أحلم بأن أنهي دراستي والبحث عن عمل حتي أخرج من هذا الجو الذي أحيا به وأجد مكانا آخر أكثر آدمية..
ويعبر ##محسن بهدير## من نفس المنطقة عن غضبه من أوضاع العشوائيات قائلا ##أين العدالة؟ نسمع أن لاعيبة الكرة يأخذون بالملايين والممثلين برضه بيأخذون بالملايين وإحنا بنأخذ إيه…بنأخذ الخناقات إللي بتقوم عندنا في الحارة بين الأهلوية والزملكاوية وممكن يموت فيها شباب زي الورد,وبنأخذ من التليفزيون النكد والبكا والولولة إللي بنشوفها كل يوم في مسلسلات رمضان..إحنا مش ناقصين نشوف الواقع إللي بنعيشه علي التليفزيون كمان…الأولي أن الفلوس ديه توظف لصالحنا علي الأقل نعيش حياة بني آدمين حقيقيين صرف صحي,مساكن,تعليم.
الظروف أجبرتنا
هدي -من إحدي المناطق العشوائية التي ندعوها ##حكر## تقول ليس كل سكان العشوائيات مجرمين كما يظن البعض فهناك بعض الأسر المحترمة ##كافية خيرها شرها## ولكن الظروف وغلاء المعايش وخروجهم من الأرياف هو الذي أجبرهم علي ذلك ولا تنكر هدي أن البيئة المحيطة بها مليئة بالمخاطر من بلطجة وتداول المخدرات والشباب المنحرفين وتحلم بأن تنقلهم الدولة إلي مناطق نظيفة,مشمسة عوضا عن مساكنهم التي لا تراها الشمس وتملأها الرطوبة والأمراض.
مثلث الرعب
يحذرتقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان من أن طبيعة الحياة في العشوائيات تنعكس علي الشباب في شكل كبير.فنسبة كبيرة منهم تعاني الحرمان من أدني مقومات الحياة اليومية العادية,مثل المياه والسكن الآمن والصرف الصحي والتعليم,كما يشعرون أن المجتمع سلبهم هذه الحقوق,فيحاولون اللحاق بما فاتهم,ولم يتمكن ذووهم من تحقيقه بأي ثمن.
فشباب العشوائيات ينشأون في بيئة من الفقر المدقع تؤدي إلي خلافات أسرية وعنف وإهمال وإدمان علي الكحوليات وتعاطي المخدرات,وكلما زادت الكثافة السكانية في مساحة محدودة ارتفعت احتمالات وقوع الجرائم,علي اختلاف أنواعها.
إضافة إلي ذلك,فحياة العشوائيات تجعل الشباب ينشأون بين متناقضات مختلفة,فمن الممرات الضيقة بين ما يمكن أن يقال عنه مجازا إنه بيوت,إلي الشوارع الكبيرة النظيفة,ومن الصراع علي مقعد في أي شئ يتحرك إلي السيارات الفارهة,ومن الحصول علي الماء بالكاد,إلي زجاجات مختلف أنواع الشراب,ومن بقايا طعام لسد رمق الجوع إلي مطاعم وأصناف لا تعد ولا تحصي من المأكولات.
كل هذه المتناقضات تتشابك مع ضعف الأمل في الخروج من دوامة الفقر والعوز,فلا يكون الطريق إلا واحد من ثلاث,إما الإحباط الشديد والنقمة والحقد علي الآخرين,فيصبح الشباب أداة سلبية لا يمكن الاستفادة من طاقاتهم,أو اللجوء إلي أية وسيلة للخروج من الفقر إلي ما يعتقدون أنه الثراء وهنا لا تلعب الأخلاق والمبادئ والمثل أي دور,بل يتم تعطيلها تلقائيا في نفس الشاب,أو الخيار الأخير المتمثل في الكفاح والمثابرة والسعي لتجاوز هذه التناقضات بأقل الخسائر,ونسبة ضئيلة تسلك هذه الطريق.
ويحذر التقرير من تداعيات إهمال التعامل مع مشكلات الشباب في الدول النامية,لا سيما المهاجرين من الريف إلي المدينة,فالصراع من أجل البقاء يؤدي إلي المزيد من الاضطرابات النفسية,ويشكل بوابة العبور إلي الإحباط واللامبالاة,ومن ينجو من المخدرات والإدمان يقع فريسة الأفكار السياسية المتطرفة,ومن لا باع له في هذا أو ذاك يصبح فريسة سهلة في دوامة البحث عن الذات,ومحاولة فهم ما يحدث حوله.
ويعتقد خبراء الأمم المتحدة أن نسبة الانضمام إلي عصابات الجريمة المنظمة بين شباب العشوائيات كبيرة للغاية,لأنهم يرون في العنف نوعا من الوقاية والحماية المفقودة,ويشعر الشباب بأن عضويتهم في تلك العصابات تخلق لهم مكانة متميزة بين أقرانهم,ويستطيعون الوصول من خلال الجريمة إلي بعض الأهداف المحدودة التي ترضي غرورهم لفترة,لكن نهايتهم تكون أمام العدالة,بيد أن هذه النهاية لا تمثل رادعا لأن الواقع في تلك العشوائيات يكون أكثر مرارة مما يتخيله المرء.
وعلي الرغم من الظلام الدامس,هناك بصيص من الأمل يتمثل في رغبة الشباب أنفسهم في الخروج من هذا الثالوث المرعب,فطبقا لإحصائيات صندوق الأمم المتحدة للسكان,ترغب نسبة لا بأس بها من شباب الدول النامية في عمل شئ في مجال التوعية من خلال العمل في المنظمات غير الحكومية,وهذه الفئة -بحسب الأمم المتحدة- تضم من يوصفون بأنهم المؤمنون بالمواطنة الناشطة,التي تشجع علي العمل الجماعي والاستفادة من أقل الإمكانات المتاحة والتحرك في أكثر من جهة,لتأمين ما عجزت الدولة عن القيام به.