تحتفل الكنيسة القبطية بتذكار الصليب المقدس تكريما واحتراما له كعرش إلهي كان في مهمة خاصة إذ حمل بين أحضانه المخلص والفادي الذي جاء من أجل البشر في إطار المحبة الإلهية التي قال عنها الكتاب هكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يو 3: 16). وقيل أيضا وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتي الموت موت الصليب (في 2: 8) وأيضا قال الكتاب ناظرين إلي رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله (عب 12: 2) فالسيد المصلوب وهو معلق بين السماء والأرض قام بمصالحة بين السمائيين والأرضيين وبفتح ذراعيه علي الصليب شمالا ويمينا جمع كل الخليقة في شخصه ووحد الكون بمحبته الباذلة التي كانت واضحة علي خشبة الصليب المقدس لذلك رتبت الكنيسة له احتفالين كل عام الأول في اليوم السابع عشر من شهر توت وهو عيد ظهور الصليب علي يد الملكة هيلانة أم الملك قسطنطين الكبير الذي كان يحبها كثيرا وسهل لها السفر إلي أورشليم في عام 326م وقامت هناك بالبحث عن مكان الصليب المقدس وهي تبلغ من العمر ثمانين عاما وبعد جهاد عثرت عليه بواسطة رجل يهودي شيخ اسمه يهوذا تحت كوم كبير من التراب مع الصليبين الآخرين وهناك بنت القديسة هيلانة كنائس كثيرة منها كنيسة القيامة التي وضعت فيها جزءا من الصليب المقدس وقد نقل لنا القديس يوحنا ذهبي الفم بطريرك القسطنطية (347 – 407م) حادث اكتشاف الصليب عن أمبروسيوس أسقف ميلان (339 – 397م) الذي تحدث عنه في عظة عند انتقال ثيئودوسيوس ألقاها عام 395م ونقل عنه أيضا بولينوس الأسقف الذي من نولا بفرنسا (353 – 431م) والذي عثر علي خطاب له مرسل إلي المؤرخ المشهور سالبيسيوس ساويرس يفيد أنه أرسل له قطعة من خشب الصليب المقدس وأن كثيرا منه أخذ ولكنه لم ينقص وكتب أيضا عن اكتشاف الصليب المقدس القديس كيرلس الأورشليمي وكان يشير كثيرا إلي التابوت المقدس الذي كان فيه خشبة الصليب قائلا: وخشبة الصليب تشهد للمسيح التي نراها حتي اليوم بيننا الآن وقد ملأت كل العالم بواسطة المؤمنين الذين أخذوا منها إلي بلادهم وقال المؤرخ سقراط إن الملكة هيلانة وجدت مع الصليب المقدس المسامير التي كانت في يد المخلص والحربة وإكليل الشوك وكفن المسيح وأنها أهدت ابنها الملك واحدا من المسامير ثبته فوق خوذته الملكية وخاض بها معارك كثيرة ورجع منتصرا لذلك صار تقليدا عند الملوك أن يضعوا قطعة من الحديد فوق خوذتهم تشبه المسمار واتفق المؤرخون جميعهم علي أن الملكة أهدت جزءا من الصليب إلي ابنها والباقي وضعته في تابوت من الفضة. في كنيسة القيامة في حراسة الأسقف مكاريوس والجدير بالذكر أن الملك قسطنطين كان قد أمر بتوزيع قطع الصليب المقدس إلي كنائس العالم منها كنيسة روما التي كان لها النصيب الأكبر وفي عام 614م دخل خسرو الثاني ملك الفرس أورشليم واستولي علي التابوت الذي بداخله الباقي من خشبة الصليب واستمر عنده حتي جاء هيراكليوس عام 629م وأعاده. ويحكي أنه عندما حمل الملك خشبة الصليب بملابسه الملوكية تعثر ولم يقدر علي المشي فسأل البطريرك مكاريوس فنصحه قائلا أن يخلع ملابسه الملوكية ويلبس ملابس عادية ولما فعل ذلك ومشي حافي القدمين استطاع الدخول إلي كنيسة القيامة بالصليب المقدس.
الاحتفال الثاني بعيد الصليب في العاشر من شهر برمهات وهو احتفال بظهور الصليب نفسه مع عيد تكريس كنيسة القيامة التي وضع فيها أجزاء من الصليب مع تذكار ظهوره في السماء لقسطنطين في السابع عشر من شهر توت الموافق 27 من سبتمبر.
ظهورات أخري للصليب المقدس
ظهر الصليب لجاللوس القيصر عند دخوله أنطاكية كعمود من النور الناصع علي شكل صليب وكان معه جمع غفير وفي عام 351م ظهر الصليب المقدس في مدينة أورشليم وشاهده كل أهل المدينة كما أورد لنا القديس كيرلس الأورشليمي في خطاب مرسل منه إلي الإمبراطور.
نصيب مصر من خشبة الصليب المقدس
كتب لنا نيافة الأنبا إبرآم أسقف الفيوم الحالي ورئيس دير الملاك بجبل النقلون في رسالة الدكتوراه التي حصل عليها من معهد الدراسات القبطية بعنوان إيبارشية الفيوم بين الماضي والحاضر في صفحة رقم 90-91 قائلا: هناك رأي آخر يتبين من خلال التقاليد الخاصة بإيبارشية الفيوم وهو أن خشبة الصليب المقدس قد قسمت علي الكراسي الخمسة أيام الإمبراطور قسطنطين وأن الجزء الخاص بكنيسة مصر نقل في عصر فتح العرب لمصر (ويبدو ذلك مع مجئ البابا بنيامين الـ 38 إلي الفيوم) بإيبارشية الفيوم ووضع بدير الملاك غبريال بجبل النقلون وتعود المسيحيون الاحتفال بعيد الصليب في سبتمبر من كل عام بالتجمع بدير العزب بالفيوم والآن وبالفعل يوجد جزء من خشبة الصليب المقدس في دير الغرب بالفيوم – وصلت هدية من الأساقفة الفرنسيين ويوجد مثيل لها في إيبارشيات أخري.
حقا لقد كانت رحلة زمان الصليب طويلة بدأت باللعنة وانتهت في ما بعد الميلاد بالقداسة كما رسمه المصري القديم أنه مفتاح الحياة وبالفعل صار في العهد الجديد مفتاح ندخل به إلي الحياة الأبدية فأصبح الزمان الجديد به مقدسا وأضحي المكان البعيد به قريبا فعن طريقه اقترب بنا بساط الحياة إلي السماويات فنعم الصليب الذي هو قوة للمؤمنين كما يقول الكتاب فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله (1كو 1: 18) لذلك بات الصليب لنا فخرا كما يقول الرسول وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم (غل 6: 14).
المصادر: الكتاب المقدس – سنكسار الكنيسة القبطية – الصليب في حياتنا – دراسات في التقليد الكنسي الصليب المقدس – رسالة دكتوراه لنيافة الأنبا إبرآم إيبارشية الفيوم بين الماضي والحاضر – الصليب وتساؤلات الأحفاد ومواقع علي الإنترنت.