عاد الطلاب إلي الجامعة، ولم يعد هناك حديث هذه الأيام سوي انتخابات اتحادات الطلاب وفق النغمة المعتادة، أي المواجهة بين إدارة الجامعة والطلاب المحسوبين علي التيار الإسلامي. تعبر المواجهة في الجامعة عن حالة أعم وأشمل في الساحة المصرية، وهي المواجهة بين الدولة والتيار الإسلامي. بسبب هذه المواجهة الممتدة الكل متجمد، والأحزاب نائمة، والجميع في وضع استنفار. بالفعل هي معركة تستحق النضال من أجل دولة مدنية تقوم علي المواطنة، بعيدا عن شبح الدولة الدينية، بكل ما تحمله من مآس.
المتابع للأحداث يدرك كيف أنفقت الدولة المصرية أكثر من نصف قرن في هذه المواجهة، التي أخذت أشكالا من الكر والفر، والسكون والتصاعد، مفضلة فقط الحل الأمني، والإقصاء الإداري، والاستهداف الإعلامي. ولكن كل ذلك لم يحل المشكلة، والسبب أن الحل السياسي غير مرغوب فيه، أو علي أحسن تقدير مؤجل. أعني بالحل السياسي أطلاق القوي الليبرالية واليسارية، تمكينها من ممارسة دورها، جنبا إلي جنب مع بقية القوي والتيارات الوطنية. وفي ظل مناخ ليبرالي، يسوده التنافس والحرية، سوف يحصل كل فصيل سياسي علي وزنه وحجمه الحقيقي، دون مبالغة أو افتعال. يبدو أن حكومة الحزب الوطني لا تريد هذا، فهي تود أن تحاصر التيار الإسلامي من ناحية، وتضعف التيارات والقوي السياسية العلمانية من ناحية أخري، بحيث تبقي في الساحة وحدها، وهي لا تدرك أنها ستبقي في المواجهة “وحيدة”.
في الجامعة الأحزاب ممنوعة من التواجد، وممارسة دورها في التنشئة السياسية بما في ذلك الحزب الوطني. المستفيد الوحيد هو التيار الإسلامي، لأنه ليس حزبا، ولا يوجد مقرات معلنة له، ولا حسابات بنكية يمكن الإطلاع عليها، ولا هيكل تنظيمي يمكن التواصل معه أسوة ببقية الأحزاب الأخرى، كل ذلك جعله في موقف “المحظوظ”، وليس “المحظور”. فالتكوينات الحزبية العلنية، والشرعية لا يمكنها العمل، لأن شرعيتها تمنعها. والتكوينات المحظورة تستطيع العمل، والتغلغل في الأوساط الطلابية، لأن حظرها يتيح لها التواجد في القواعد، والصفوف الأساسية.
المعادلة بسيطة. في أحداث جامعة الأزهر منذ عامين، عرفنا أن التيار الإسلامي “المحظور” يدفع المصروفات لآلاف الطلاب الفقراء، ويقدم لهم المساعدة الدراسية، ويجعل ولاءهم المباشر له، أكثر ما يكون للجامعة. يعمل هذا، في الوقت الذي ترتطم فيه الجهود الحزبية في الجامعة بعبارة “ممنوع الاقتراب”.
الحل هو في الاقتراب. فتح منافذ العمل السياسي للتكوينات الشرعية، من الحزب الوطني وأحزاب المعارضة مما يجعل السياسة واضحة، ومباشرة، وعلانية، بحيث يصبح الفعل مطابق للنص، والعمل له شرعيته في ذاته. أما ما يجري الآن فهو مواجهة عرجاء بين بقايا دولة مدنية وتيار ديني قادر علي الحشد والتعبئة وتلبية الوعود لقطاعات عريضة من المجتمع.
أتركوا غيره يحشد، ويعبئ، ويبرم الوعود، ويسعي لتنفيذها سوف ترون وجه الحياة مختلفا، وفي هذه الحالة لن نحتاج إلي المواجهة الأمنية، لأن وعي المواطن الحر سوف يملك الرؤية، والقدرة علي الاختيار.
نحن لا نخترع العجلة، هذه هي خبرة الدول الديمقراطية، حين تضبط السياسة نفسها بنفسها، ولا حاجة إلي البندقية، بل إلي العمل السياسي. ولنبدأ من الجامعة.