قد نهتم كثيرا باستمرار وثبات الزواج,والإبقاء علي صورة الأسرة,وإذا كنا نكافح ونرفض الطلاق والانفصال,إلا أننا أحيانا ما نحرص علي إبقاء الصورة الخارجية دون الجوهر الحقيقي,فقد نعني ببقاء الزواج كشكل اجتماعي بينما الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم تتسلل للكيان الزوجي وتفسد جذوره…في هذا السياق يؤكد د.نبيل باقي خبير المشورة الأسرية أن الإبقاء علي الحب الزوجي هو جوهر هذه العلاقة السامية,وأن هذا الحب لابد أن يروي وينقي ويرعي بعناية في كل مراحل الحياة حتي وإن مرض وإن ولد (هذا الزواج) معاقا منذ بدايته.
ويضيف د.نبيل باقي حول قدسية الزواج في نظر الكنيسة وقدسية العلاقة بين الزوجين ويقول: تعبت الكنيسة بشدة في القرون الأولي من الغنوسية والمانوية لتشكيكها في طهارة الجسد وطهارة العلاقة الجسدية في الزيجة إذ اعتبرت أن الجسد أصلا شر,وقد قاوم البابا أثناسيوس الرسولي هذا الافتراء ونقض هذه البدعة في مجمع نيقية مؤكدا أن الزواج سر مقدس لا تشوبه شائبة قط…بل نستطيع أن نؤكد أن سر الزيجة تأسس في جنة عدن عندما أحضر الرب الإله حواء إلي آدم فوصفها بأنها ##لحم من لحمه وعظمة من عظامه##,وليس هناك علاقة إطلاقا بين الزواج وبين السقوط في الخطية والطرد من الجنة,إلا أن الشيطان أراد أن يلوث فكرة الزواج ولا يزال يحارب الزوجين بالهموم والمتاعب والمسئوليات بحيث يفصل الزوجين عن المسيح ليصيرا فريسة سهلة…ولكن الأسرة التي التصقت بالرب فهي تعيش في سعادة حقيقية حتي بالرغم من الضيقات والمشاكل وليس أدل علي ذلك من أن هناك أزواجا فقراء,وبالرغم من ذلك يعيشون في حب كأنهم في السماء…لذلك فالطريق لإصلاح أي مشكلة زوجية لأي شخص متزوج هو عودة العلاقة بينه وبين مخلصه الصالح أولا,وهنا تختلف النظرة إلي كل الأمور وتختلف كل المقاييس وزوايا الرؤي.
ويستطرد د.نبيل باقي: أن العلاقة الزوجية أشبه بالجنين الذي يحتاج رعاية خاصة من أول يوم حمل به إلي ولادته وطوال حياته وأنه علي كل زوجين أن يعتبرا أن زواجهما في حد ذاته هو مولودهما الأول والبكر,فيهتمان معا بهذا الكائن,حتي لو كان معوقا ولو كانت الصعوبات والخلافات كثيرة لأنه أي منا إذ ولد له طفل معوق سيتخلص منه أو يقتله أو يهمله؟! بل وسيظل يرعاه لأنه ابنه…هكذا الزواج.
أما عن المراحل التي يمر بها الزواج,فيحددها مستند إلي الكتاب المقدس عندما قال: ##لهذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته فيكون الاثنان جسدا واحدا إذ ليسا بعد اثنين## مت19:5-6,فيستخلص ثلاث مراحل في العلاقة الزوجية: الترك,الالتصاق,الاتحاد.
فالترك مرتبط بالعلاقة بالأبوين والتخلص من التعلق الزائد والرجوع لهما في كل صغيرة وكبيرة,وعلي الآباء أن يساعدوا أبناءهم علي الترك والاستقلال,وهذا لا يتعارض مع الإبقاء علي الحب والوفاء والمساندة والمساعدة,لأن التعلق الزائد بالأهل والتدخل الدائم من قبلهم في حياة أبنائهم يعرضهم إلي مشكلات زوجية كثيرة.
ثم تأتي مرحلة الالتصاق فتغير المفهوم السائد بأنه دور الزوجة,إذ أن المبادرة بها لابد أن تأتي من جهة الزوج ويحرص عليها ##يلتصق بامرأته## فهي التزام علي الزوج أن يبقي العلاقة الزوجية في صحة جيدة.
وتؤدي هذه المراحل إلي الاتحاد الزوجي…وهو طريق نضال طويل لا تتحقق من اليوم الأول أو السنة الأولي للزواج…بل ينمو ويقوي مدي سنواته,وليس هناك مرحلة يتوقف فيها هذا الاتحاد الزوجي مهما بلغ الزوجان الكبر لأن الكيان الزوجي الممتلئ بالروح القدس منذ صلاة الإكليل هو كيان حي مهما كبر أو ضعف أو مرض إلا أنه يظل حيا يحتاج إلي رعاية وتغذية وعناية وتلبية احتياجات.
ويفسر نبيل باقي بقاء الاتحاد الزوجي طوال العمر قائلا: إنه ليس مجرد علاقة جسدية بل علاقة روحية وفكرية وعاطفية وجسدية وكل منها له تدريب خاص وإرشادات لازمة لنموه,فهناك تدريب لزيادة العمق في الاتحاد الروحي بين الزوجين,وأخري لتنمية روح الحوار بينهما ومحاولة فهم العواطف,ونقصد بالحوار الإيجابي المستمر الذي يشجع ويقدر الاحترام وتأكيد التواصل,البعيد عن السخرية والتهكم وعدم التقدير مما قد يفسد العلاقة الفكرية بين الزوجين,ولابد أن يسعي كل طرف بكل جهد وأمانة لفهم شريك حياته ويعرف ما هي لغة الحب الخاصة به,ليعرف كيف يعبر عن حبه باللغة التي يفهمها شريك حياته,لأنه كثيرا ما يظن الشريك يأنه يبذل كل جهده لإسعاد شريك حياته ولكن تكون الطريقة خاطئة ويكون ما يسعي إلي تحقيقه لا يشبع الطرف الآخر ولا يعبر عن الحب بالنسبة له.
في النهاية الحب الزوجي أكبر جهاد في حياة الإنسان لأنه يستمر ليل نهار مدي الحياة,ويكون المرآة الحقيقية لجوهر الإنسان وترجمة واقعية لمدي عمق علاقته مع الله التي تترجم في الحب الحقيقي لأقرب الناس إليه…فهو اختبار حقيقي لعلنا نجاهد أن ننجح فيه.
[email protected]