وكان يسوع يُصلي في بعض الأماكن ، فلمّا فَرَغَ قال له أحدُ تلاميذِهِ : ” رَبّنا علِّمنا أن نُصلي ، كما علّمَ يوحنا تلاميذَه ” . فقال لهم يسوع : ” إذا صَلّيتم فقولوا : ” أبانا الذي في السماوات ….. ” (لوقا ١١ : ١- ٤ ) و ( متى ٦ : ٩ – ١٣ ) .
كم هي غنيّةٌ صلاةُ ربِّنا يسوع المسيح وكم تَزخرُ بالكنوز والثروات . صحيحٌ أنّ هذه الثروات مركّزة في القليل من الكلمات ، إلاّ أنّها تتميّز بكثافة روحيّة لا تنضب ، لدرجة أنّ هذا المُلَخَّصَ الذي اختَزل عقيدتَنا السماويّة ( صلاة الأبانا ) لا ينقصُهُ شيء ممّا يجب أن تتألّفَ منه صلاتُنا. لقد جاء في الإنجيل: ” إِذا صَلَّيتُم فَقولوا : أَيُّها الآب لِيُقَدَّسِ اسمُكَ لِيأتِ مَلَكوتُكَ ” ( لوقا ١١ : ٢ ) .
إنّ الإنسان الجديد ( يوحنا ٣ : ١ – ٢١ ) الذي وُلدَ من جديد ، وكان مولِدُه من الماء والروح ( يوحنا ٣ : ٥ ) ، وعادَ إلى خالقِهِ بالنعمة يقول في البداية : ” أبَتِ ” ، لأنّه أصبح ابنًا . ” جاءَ إلى بَيتِه . فما قَبِلَه أهلُ بَيتِه . أمّا الذينَ قَبِلوه وهم الذينَ يُؤمِنونَ بِاسمِه فقَد مَكّنَهم أن يَصيروا أبناءَ الله ” ( يوحنا ١ : ١١ – ١٢ ) . إذًا، كلّ مَن آمنَ باسمِهِ وأصبحَ ابنًا لله ، عليهِ أن يرفعَ الشكرَ ويعلنَ أنّه ابنُ الله
أيّها الأحبّاء، لا يكفي أن ندركَ أنّنا نرفعُ صلاتَنا إلى الآب الموجود في السماوات ، بل يجب أن نقول أيضًا : ” أبانا ” ، أي أبُ كلّ الذين آمنوا به ونالوا القداسة منه ووُلدوا من جديد بالنعمة الروحيّة : فهم الذين بدأوا يكونون أبناء الله …
كم هو رحومٌ ربُّنا يسوع المسيح ، وكم هي عظيمةٌ نعمُهُ وطيبتُه ، لأنّه جعلَنا نصلّي هكذا بحضور الله ، وسمح لنا بأن ندعوه : ” أبًا ” . وكما أنّ المسيح هو ابنُ الله ، كذلك نحن أيضًا دُعينا أبناءَ له . ما من أحدٍ كان يتجرّأ ويستعمل هذه الكلمة في الصلاة ، لولا تشجيع ربّنا يسوع المسيح بنفسِه لنا عندما قال : ” إذا صلّيتم فقولوا : ” ابنا الذي في السماوات ” ، ولذلك دعينا ابناء الله .