30 ألف فتاة يتعلمن الفنون العسكرية بعد العدوان الثلاثى
فلاحة فايد تستطلع اماكن العدو لاحد الضباط
لن اتحدث كثيرا فكثرة الكلام لا تعبر عن دور المراة المصرية منذ بداية وجود الدولة المصرية ولكن فى هذه المرة سنتكلم عن المرأة المصرية حاملة السلاح ومصدة العدوان والارهاب وحافظة الاوطان ، سنتكلم عن المراة ودورها العسكرى والفدائى فى الحروب ضد الوطن . “فصوت المرأة ثورة” حقيقة يؤكدها التاريخ الذى يبقى وحده شاهدا على دور المرأة المصرية فى المظاهرات والاحتجاجات والحروب ، لذا كان لا بد أن نعود إلى الوراء لنرى أول مظاهرة نسائية خرجت من قلب القاهرة .
1798 نابليون يتراجع
فى زمن “الحملة الفرنسية” على مصر وتحديدا فى سبتمبر عام 1798 فى ذلك التاريخ أمر نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية بهدم المقابر الموجودة بجوار بعض بيوت القاهرة القديمة، تمهيدا لإعادة تخطيط المنطقة من جديد، وعندما بدأت عمليات الهدم امتدت أيضا إلى بعض البيوت فى تلك المنطقة وطرد سكانها منها، عندها خرجت مظاهرة نسائية كبيرة لم تذكر كتب التاريخ للأسف أسماء من شاركت فيها لتتوجه بشجاعة إلى منطقة “الأزبكية” مقر حكم القائد الفرنسى نابليون بونابرت، الذى فوجئ بتلك المظاهرة التى دفعته للتراجع عن قراره السابق بهدم المقابر والبيوت ليسجل التاريخ أول انتصار مصرى على الحملة الفرنسية وهو الانتصار الذى حمل الطابع النسائى، ثم نذهب إلى عام 1919 وتحديدا فى منتصف شهر مارس عندما خرجت أكبر مظاهرة نسائية تشهدها البلاد، وذلك احتجاجا على بقاء الاحتلال البريطانى فى مصر، وفى ذلك اليوم سقطت أول شهيدة فى ثورة 1919 برصاص الاحتلال البريطانى، وهو الأمر الذى جعل الزعيم سعد زغلول بعد عودته من منفاه الإجبارى وفى أول خطبة له للجماهير يقول لهم: “لتصيحوا جميعا تحيا المرأة المصرية”، بعد ذلك التاريخ وفى عام 1946 وفى انتفاضة الطلبة التى يتجاهلها التاريخ خرجت الطالبات فى الكليات والمدارس الثانوى فى مظاهرة كبيرة لدعم مظاهرات طلبة المرحلة الإعدادية ضد الاحتلال البريطانى، ليأتى عام 1951 وبعد أن قرر مصطفى النحاس باشا زعيم حزب “الوفد” إلغاء معاهدة 1936 لتقوم نساء مصر بالدعوة إلى مقاطعة المنتجات الأجنبية، بل وصل الأمر إلى تنظيم وقفات أمام المحلات والبنوك الأجنبية لمنع العملاء والزبائن من الدخول إليها “ألا يذكرنا ذلك بما يحدث الآن”.
بوليس نسائى 1953
وتقدم لنا مجلة الإثنين والدنيا عدد 19 أكتوبر 1953 حوار مع الكونستبلة الممتازة ” رتبة ملازم ثان الأن ” قاسمة أحمد ، والكونستبلة ” ملازم أول الأن ” نعمة حسن ، والكونستبلة عطيات محمد خليل ..حيث تقدمت قاسمة أحمد بعد حصولها على شهادة الثقافة إلى حكمدار الأسكندرية ” مدير أمن الأسكندرية ” بطلب تعيين فى وظيفة كتابية ، ثم استدعتها الحكمدارية للإختبار والكشف الطبى وتم تعينها بالفعل ، أظهرت قاسمة مهارة غير عادية فى الأعمال كتابة التقارير وتفتيش المشتبهات والابحاث والتحريات ، وبسبب كفائتها رقيت لرتبة كونستبلة ممتازة وحق لها إرتداء الزى الرسمى للبوليس لكن الكونستبلات الرجال إعترضوا فعادت لوظيفتها الأولى ، وسرعان ما تعددت الأدلة على كفائتها فأعيدت الى الرتبة التى سحبت منها .
اما الكونستبلة نعمة محمد على حسن لم تستطع إستكمال دراستها الثانوية بسبب ظروف قهرية ، تقدمت الى حكمدارية الاسكندرية للإلتحاق بوظيفة كونستبلة بعد ان علمت بحاجة الحكمدارية الى نساء من احد اقاربها ، وأثناء عملها تمت خطبتها فتم فصلها من البوليس النسائى لإنها خالفت شرط عدم الزواج للكونستبلات ، فتقدمت بإلتماس للسيد رئيس الجمهورية محمد نجيب الذى إستجاب لإلتماسها وأعادها لوظيفتها .. شاركت نعمة فى التحقيق فى قضية الأسلحة الفاسدة الشهيرة .
والكونستبلة عطيات محمد خليل رفضت الإلتحاق بمهنة التدريس بعد حصولها على دبلوم الفنون وإتجهت للإسكندرية للإلتحاق بوظيفة الكونستبلة ، نجحت فى الإختبار والكشف الطبى ، أظهرت كفاءة عالية فى وظيفتها وكانت نموذج مشرف للمرأة المصرية وتمتعت بين زملائها بكثير من التقدير والاحترام .. كثيرا ما كانت عطيات تلقن الرجال الذين يتعرضون للنساء بالمضايقات فى الشارع دروسا لا ينسوها ..
العدوان الثلاثى
نذهب الآن إلى ثورة 23 يوليو، والتى لعبت المرأة دورا بارزا فى دعمها، ولكن الدور الأكبر والأهم والأخطر كان أثناء العدوان الثلاثى على مصر، والذى شهد تنظيم كتائب محاربة من السيدات المصريات اللاتى تواجدن فى الصفوف الخلفية لمساعدة الجرحى والمصابين، وأيضا التدريب على حمل السلاح، وكانت من أشهر السيدات التى حملت السلاح هى الفنانة الرائعة تحية كاريوكا والفنانة الجميلة نادية لطفى، وفيما بعد استقبلهما الزعيم الراحل جمال عبد الناصر مع وفد النساء المصريات وقام بتكريمهما واحتفى بهما احتفاء خاصا.
النكسة والمرأة السيناوية
مثلت فترة ما بعد نكسة 1967 معاناة كبيرة شاركت فيها المرأة السيناوية وكان لها دور فعال وايجابي في المقاومة بجانب الرجل والمرأة البدوية كان لها أثر فعال في حرب أكتوبر فهي التي قامت بتهريب الفدائيين وعلاجهم ومساعدتهم في الوصول الي الأراضي المصرية عقب طرق لم يعرفها العدو رغم أن تلك المرأة لم تتعلم ولم تدرب ولكن بفطرة الانتماء وحب الوطن دافعت عن أرضها في مواجهة العدو. وعلي مدار اثني عشرعاماً من الاحتلال لم يستطع العدو الاسرائيلي التغلغل داخل كيان أهل سيناء أو تجنيد أحد أبنائها لأن المرأة المصرية زرعت في نفوس أطفالها عن طريقة تربيتها لهم حب الوطن وعندما أراد العدو الصهيوني “تدويل سيناء” من خلال مؤتمر دولي في الحسنة وقف جميع أهل سيناء رجال ونساء قالوا “ان باطن الأرض خير لنا من ظهرها اذا تخلينا عن مصر أو فرطنا في سيناء…”.
في حرب أكتوبر
أقبلت الفتيات يتعلمن الفنون العسكرية بعد العدوان الثلاثى على مدن القناة 1956 وبلغ عددهن 30 ألف فتاة من طالبات الجامعة والمعاهد العليا والمدارس الثانوية ، وخلف هذا الجيش ثقف هيئة الفتوة – هيئة تدريبية للتربية العسكرية – بكل قاداتها من مدرسات ومفتشات وخبراء لتدريب الفتيات فى مختلف ميادين الفنون العسكرية . ورغم أن فتيات الفتوة يتدربن على إطلاق النار إلا أن طبيعة إعدادهن ليست من أجل الوقوف فى الصفوف الأولى مع الرجال ، بل كانت فى الأساس تأهيل للقيام بأعمال التمريض والإسعاف ، وإعداد الطعام والإمدادات والذخائر والأسلحة ، إلى جانب تأهيلهن لتعلم كيفية إعداد معسكرات الهجرة وتنظيمها وإخلاء المدن ، ووسائل الإنقاذ .
المرأة في السويس تحملت كثيرا أثناء حرب أكتوبر فهي التي دفعت بالابن والزوج علي خطوط الجبهة. وهي التي هجرت من وطنها بسبب الاحتلال، وهي التي شاركت في سنوات الحصار علي السويس وكانت مثابرة ولم تهزل وتنحني من غدر العدو، بل إنها غرست الصبر والمثابرة والتحمل في نفوس أولادها لخلق جيل جديد قادر علي العطاء ومواجهة التحديات.
فاطوم وفلاحة فايد فى المقاومة الشعبية
كما أن بعض النساء شاركن في المقاومة الشعبية بالسويس.الست فاطوم ، تلك المرأة المصرية العظيمة التي لم تكن تملك من الدنيا سوى عشر دجاجات ذبحتها كلها لرجال المقاومة ، وكانت تعمل ، قدر استطاعتها ، رغم القصف الشديد – على نقل الذخيرة وتضميد جراح الأبطال الشجعان. أما فلاحة فايد فقد كلفها أحد الضباط أن تذهب إلى مكان تمركز آليات العدو ومجنزراته تختبئ بين الأشجار الكثيفة في منطقة فايد وسرابيوم ويريد أن تسبق خطته استطلاع جيد تقوم به هذه الفلاحة. وتصوروا ماذا فعلت القروية المصرية؟ حملت ابنتها على كتفها زيادة في التمويه على العدو لتستطيع أن تؤدي مهمتها بكفاءة. ويمكن للإنسان أن يكون فدائيا ويقدم على (المهمة) رغم معرفتها بخطورتها على حياته، ولكن أن يعرض حياة ابنه للخطر، فهذا هو الغريب.
ونجد أطباء وهيئة تمريض مستشفى السويس الأميري بقوا يزودون عن مدينتهم ويقاومون محاولات العدو الاسرائيلي لاقتحام المدينة. ورغم وجود حوالي 200 سرير في المستشفى يخدمها طاقم من 20 طبيبا و 78 ممرضة فقط ظلوا يعملون 24 ساعة يوميا أثناء المعارك وما بعدها. تقول الحكيمة (إصلاح محمد) من القاهرة : “لم نكن نخشى شيئا، وفي بعض الظروف حين تقل إمدادات الدم كنا نتبرع بدمائنا للجرحى….”.
وقد شاركت المرأة المصرية في حرب أكتوبر 1973 من خلال مقار التنظيم النسائى والجمعيات النسائية الاهلية في خدمة أسر الشهداء والجرحى وفي بث الحملات الإعلامية للتطوع في التمريض والتبرع بالدم وفي تدعيم الجبهة الداخلية .
كما تكونت (لجنة صديقات القلم) لترجمة كل ما يكتب عن القضية المصرية وإرساله لمختلف الإتحادات والمنظمات النسائية في العالم لإعلام المرأة في العالم بحقيقة ما يدور في الشرق الأوسط .
كما كانت المرأة أثناء حرب أكتوبر تعاني من تدني الأوضاع سواء صحيا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو سياحيا وهذا لظروف البلد أثناء إعدادها للحرب ووقت الحرب ولكن رغم ذلك كانت علي أعلي مستوي في الجبهة الداخلية فأثناء الحرب عملت بالمستشفيات من خلال الهلال الأحمر ووقفت بجانب الجنود المصابين والمعاقين تساندهم وتضمد جراحهم بالاضافة إلي أن المرأة في موقع القيادة في هذا الوقت وزوجات المسئولين أو الوزراء والضباط قمن بجمع التبرعات وشراء ملابس وبطاطين وكافة احتياجات الأسرة وتوزيعها علي الأسر التي فقدت العائل بالاستشهاد في الحرب أو الإصابة. معامل الدم خلال هذه الفترة في الإسكندرية والقاهرة وأسيوط والمنصورة امتلأت بأكياس الدم من المتبرعين ولم يعد هناك إمكانية لقبول متبرعين جدد. وعندما بدأت لجان جمع تبرعات المجهود الحربي كانت أسر فقيرة كثيرة تتبرع بكل مخزونها من الأرز والقمح والذرة. وشاهد البعض سيدةً عجوزاً تتبرع “بحلة نحاس” وطفلةً تتبرع بحلق ذهب في أذنها. وأطفالاً يتبرعون بما تضمه “الحصالة” من قروش قليلة جداً!!.. كان المشهد رائعاً جداً… الكل يريد أن يجود بأي شيء تملكه أو تطوله يده من أجل المجهود الحربي..
والآن لا داعى للحديث عن دور المرأة فى ثورة يناير او فى 30 يونيو ، فهو دور لا يستطيع أحد نفيه أو المزايدة عليه، وهو الدور الذى لعبته بشجاعة وجدارة فى وقت اختفى فيه تحت المقاعد الكثير من أصحاب اللحى والبطولات المزيفة، فصوت المرأة وحده ثورة .