الانسانية هى جمع كلمة إنسان، والانسان هو مخلوق الحب للخالق العظيم ، الله محبة، من هنا فنحن خليقة الحب، أحبنا الخالق القادر الكريم فخلقنا على أحسن صورة، وأبدع فى امكاناتنا الجسمية والروحية فاستطعنا ان نعيش فى هذا الكون بل ونسيطر عليه ونتحكم فيه.. الخالق العظيم خلقنا جميعا سواسية مثل بعضنا ولم يفرق بيننا، إنما الاختلاف نتيجة للظروف الطبيعية والمناخية فقط، هكذا وجدت الدنيا ونشأ الانسان، هذا أبيض، ذاك أسود، وثالث أصفر، كل يتكلم بلغة تختلف عن الاخر، كذلك الشكل، والطول والعرض، والعقيدة والايمان.
مع كل الاختلافات فالانسان واحد، هو هو يولد يحتاج الى الرعاية والحب لكى ينمو ويترعرع ويصبح انسانا كاملا يعتمد على نفسه ويلعب دوره فى الحياة، حاجاته واحدة، مطالبة الرئيسية فى الطعام والشراب والهواء والتعليم واحدة، طموحه واحد، تطلعه الى الحياة الكريمة والسعادة والهناء واحد، عشقه للحب والخير والجمال واحد ايضا.. هكذا خلقنا الله متساويين فى كل شئ، حتى لو اختلفنا فى اللغة والعرق والدين واللون.
عرف الانسان المتحضر هذه الحقيقة الابدية بعد مرحلة من الكفاح والصراع العنيد تعذبت فيها الانسانية فى شكل العبيد والمنبوذون والأجراء، وللأسف كان الإنسان هو السبب فى تعذيب اخيه الانسان ومعاملته كمخلوق آخر ليس مثله واستخدامه فى الاعمال المهينة والتعرض للموت والامراض وتجويعه وقتله وهكذا تعذيب الانسانية بافتراء الانسان على اخيه الانسان وعدم استخدام العقل، جاء مصلحون من البشر يرفضون هذا الوضع اللااخلاقى فى معاملة البشر مثل كونفوشيوس فى الصين وبوذا فى الهند، وزرادشت، ولاوتو، ومانى وغيرهم.
ومع ان الرسالة الانسانية لهؤلاء كانت لها اهميتها وصداها فى المجتمع الا ان مرض التعصب اللعين ظل متحكما فى بعض الشعوب والاشخاص- وللاسف- بعض الحكام، ومن هنا استمر التمييز بين الانسان واخيه الانسان والتعذيب والقتل والتدمير، وجاءت الرسالات السماوية والاديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والاسلام بتعاليم اخلاقية ومبادئ انسانية تعرف الانسان وتشرح له انه لافرق بين الناس وكلهم خليقة الله ويجب التعاون على البروالتقوى، والعطف على المسكين، ومساعدة المحتاجين، والتسامح مع الاخرين، وزيارة المسجونين، والبر بالأرامل واليتامى والمغبونين، تعاليم واضحة من اجل الانسان فى كل مكان وزمان، وهى تعاليم الخالق عز وجل من اجل إنسانية سعيدة واحترام الانسان لانه إنسان بغض النظر عن ماله وتعليمه وشكله ولغته ودينه.
هذا الاختلاف يعود للفهم الخاطئ للدين وليس للدين نفسه، فالرسالات واضحة وهدفها واحد هو سعادة الانسانية والتعاون بين البشر، لكن بعض البشر تركوا عقولهم لتاويلات وشروح بعيدة كل البعد عن الرسالات الدينية الحقيقية، ووجدنا البشر يقتلون بعضهم بعضا، ويعذبون بعضهم باشد واخطر ادوات التعذيب، بل ويذبحون بعضهم، كما تذبح الابقار والدواجن والخراف، وفقد الانسان عقله تماما، لانه لو فكر هؤلاء الذين فقدوا عقولهم وسمحوا لانفسهم بازهاق ارواح اخوتهم فى الانسانيةولو برهة قليلة من الوقت وعادوا الى رشدهم وعقولهم، لما فعلوا ذلك، بل عادوا وتابوا واستغفروا الله.
وقد ثبت ان الذين يكرهون الانسان ويتعصبون لانفسهم ويعتبرون انفسهم فوق البشر مرضى بامراض نفسية وجسمية، ويحتاجون الى علاج حقيقى.
العجيب اننا قطعنا شوطا كبيرا فى القرن الحادى والعشرون، وكان يجب على هؤلاء المرضى والمجرمين فى حق الانسانية ان يعالجوا انفسهم ويتخلصون من حقدهم وتعصبهم ضد الاخرين حتى يعيش المجتمع الانسانى فى سلام، ولكن للاسف لم تفلح الرسالات السماوية ولا العقائد والمذاهب الانسانية فى هداية هؤلاء وعلاجهم، وقام نخبة من العلماء والمفكرين والادباءبنشر المذاهب الاخلاقية والاعلاء من شأن الانسان وقيمته الكبيرة فى هذا الكون، نذكر فى هذا المجال الفيلسوف والعالم برنراند راسل، والعالم الفنان البرت اينتين، وفولتير الساخر، وجان جاك روسو، وجان بول سارتر، ووليم شكسبير، وديكات، ومارتن لوثر، وجون لوك، وغيرهم من الفنانين وقادة الفكر ينتفضون من اجل الانسان ويصرخون من اجل الحرية واحترام انسانية الفرد وحقه فى الوجود والحياة، وهل ننسى الزعيم الهندى غاندى وما فعله ضد التعصب وكيف عذب وسجن من اجل حبه للاخر ؟
وهل ننسى البطل نلسون مانديلا الذى كافح طويلا وتعذب وسجن 27 عاما من اجل قضيته العادلة فى جنوب افريقيا، واستطاع ان يقنع البيض فى بلاده بالتخلص من التعصب والاشتراك فى حكم البلد معا، وكان اول رئيس اسود لجنوب افريقيا وحقق المستحيل، بل وتنازل بمحض ارادته بعد ذلك عن السلطة لغيره، وضرب اروع الامثلة فى ذلك؟.
وهل ننسى كذلك مارتن لوثر كنج، وسيمون بوليفار، وقتل الحلاج وحرق كتب الفيلسوف ابن رشد، وحرق برونو وتعذيب جاليليو وغيرهم.؟.
ان المشوار الطويل للانسانية، والذى امتلاء بالدماء البريئة والاتهامات الوهمية والاف بل ملايين الشهداء فى كل مكان، يكفى ان يكون ضحايا المجانين والمرضى مثل الارهابى هتلر الذى قتل فى القرن الماضى 55 مليون نسمة فقط!
انها ماساة حقيقية. وتبحث عن السبب الرئيسى فتجده عدم الحب واهمال الانسان لطبيعته الخيرة التى ولد بها وانه مخلوق الحب، وفقدان عقله، وهو هدية الله له، فاصبح كالحيوان، بل ان الحيوان احيانا لا يقتل ولا يضر!.
اذن ماذا نفعل لننقذ الانسانية من هذا الوباء والمرض اللعين المتمثل فى التعصب وكراهية الاخر؟
اول كل شئ يجب على رجال الدين فى كل الاديان، السماوية والوضعية، شرح الدين ببساطة والبعد عن التعقيدات والمفاهيم التى تسئ للاخر دون قصد والتاكيد على التعاليم والمفاهيم الاخلاقية التى تجمع عليهاالرسالات السماوية والمذاهب الاخرى. الواقع ان فلسفة كل الاديان واحدة، وهى تهدف الى خلق انسان واع يحترم الاخر، ويعرف ان فى احترام الاخر احترام لنفسه، لانك الاخر بالنسبة لى وانا الاخر بالنسبة لك، ثم ان الرسالات الدينية جمعيها تعمل معا لسعادة الانسان ورفاهيتة وسلامه، وتحقيق الخير والحق والجمال. وليسأل كل رجل دين نفسه وكتابه: هل يرضى الله الخالق العظيم عندما نقاتل بعضنا ونعذب بعضنا ونعذب بعضنا باخطر ادوات التعذيب؟ وهل خلقنا الله لنعيش فى هذا الكون ونعمره ام العكس؟ من الطبيعى انه خلقنا لنعيش ونعمر هذا الكون ونملؤه بالحب والخير والجمال والسلام.
من المهم ايضا ان نرد على المتطرفين الغير فاهمين لرسالة الدين، وهم مرضى بعقولهم ونفوسهم، ويجب علاجهم، لان الانسان عندما يفقد عقله وانسانيته ويقتل الاخر يصبح شيئا آخر خارج المنظومة الانسانية تماما.
ثانيا: الاهتمام بالطفولة والتعليم ليعرف اطفال العالم كله معنى الانسانية وهدفها والسلام وان الانسان مخلوق المحبة، وهو الحب ذاته، ودون الحب لا يستطيع الانسان العيش وتعمير العالم واضافة كل جديد خير له، والنهوض به لكى تصبح حياتنا ارقى واسعد وهذا دور الاجيال الكثيرة. كما يجب ان نشرح لاطفالنا ان الاختلاف ضرورة لمصلحة البشر وان هذه هى ارادة الله.
ثالثا: الاهتمام بالثقافة ضرورة لكى ننشر رحابة الفكر ورجاحة العقل، واحترام الراى الاخر مهما اختلف معنا، فالحقيقة، كما يقول الفيلسوف ارسطو، لا يمكن ان يمتلكها انسان واحد، بل كل منا اذا فكر وامعن عقله يستطيع ان يملك جزء منها، معنى ذلك اننا نملك جزءا منها، ومع الاخرين نملك جزءا اكبر وهكذا، من هنا تاتى اهمية الثقافة فى شرح موقفنا من الكون، وضرورة احترام بعضنا لاننا جزء من الانسانية، ومع بعضنا نستطيع ان نجعل الحياة افضل بكثير، وياتى الحب ليكلل جهودنا ويزيد ارتباطنا وسعادتنا.
رابعا: ضرورة التمتع بالفنون الجميلة وتذوقها من موسيقى واغنيات ولوحات تشكيلية وتماثيل ومسرح وحكايات فهذه كلها تزيد حب الانسانية لانسانيته وتربطه بغيره والموسيقى هى لغة الانسانية كلها التى يشعر بها كل انسان وتتخلل مشاعره فتسموا بروحه، وهو شعور ينتاب كل انسان فى هذا الكون، والسينما والمسرح من الوسائل المهمة، مع الاذاعة والتليفزيون لنشر الوعى بالانسانية، ونقل تجارب الشعوب الناجحة الى الاخرين، وايجاد حلول للمشاكل الاجتماعية والنفسية والجسدية للانسان فى كل مكان.
الاديان السماوية والوضعية والمذاهب الاخلاقية لها كل الحب والاحترام، وبخاصة لانها تتفق فى كل جوانبها على احترام الانسان ووجوده وحريته.
لذلك لايمكن لساذج او مخبول عقليا ان يحاول دفع الاخرلتغيير ديانته او مذهبه الذى يعتقد فيه، وقد حاول بعض اصحاب الديانات ذلك ولكنهم فشلوا بعد عودة الخارجين عن دينهم بالقوة الى دينهم ومعتقداتهم القديمة مرة اخرى بعد انقضاء سبب ذلك، الدين والايمان بالله لا يمكن ان يحدث بالقوة لان الله خلق الانسان عاقلا وهو لا يمكن ان يؤمن بشئ مالم يكن يعقله، وتستطيع ان ترغم انسان على تغيير دينه او معتقده بقوة السلاح وتهديده بالموت، لكنك لا يمكن ان تعرف ماهى علاقته الحقيقية بالله من.
وهناك من يرفض علنا تغيير دينه وفكره حتى لو عذب ومات ، وقد حدث هذا كثيرا فى المسيحية، ومع الحلاج وغيره فى الاسلام.
وهؤلاء على قدر كبير صحيح من الايمان يدفعهم الى ذلك، هذا بعكس المضللون الذين يعانون من غسيل المخ وقد اعدهم زعماء التطرف واستغلال الدين فى النهب والسلب والسياسة، اعدهم بمفاهيم خاطئة للدين، واوهام كثيرة فى دخول الجنة لو انهم فجروا انفسهم لتدمير العالم، الغريب أن زعماء التطرف ليس لهم شأن بالدين ولا يعرفون الله وهم اول من يهرب من هذه الحوادث، لكنهم ينجحون فى التاثير على الصبية الصغار والشباب الجاهل التائه فى ان يكونوا ضحايا لافكارهم الفاسدة المجرمة.
ولان كل انسان يتمسك بدينه الذى ورثه عن والده واسرته فنحن نحترم تمسكه بدينه، وتمسك كل انسان بكل ما يعتقد ويؤمن، لا نريد ان ندخل معه فى مناقشات ليس لها فائدة ولا نتيجة.
من هنا اريد ان اقول ان الانسانية الحقيقية هى دين البشرية اولا وقبل كل شئ، ومعها يجئ الدين الذى يؤمن به الانسان، فانا اولا انسان ادين بالانسانية الحقيقية التى تفرض على حب الاخر ومساعدته بكل الطرق، والعمل على نجدته اذا تعرض لاى اذى، ومحاولة مشاركته وجدانيا فى حياته الخاصة اذا مرض او احتاج اوحزن او تالم، وكذلك اذا فرح ونجح فى حياته وحقق طموحه، فالانسان للانسان رحمة.
مع هذا الشعور الانسانى المطلق الذى ليس له شأن بالاديان يبدأ الانسان حبه للاخرين، ثم يأتى دينه الشخصى ليكمل هذه العملية الدينية الانسانية الجميلة، والاديان فى مجملها ثورات اخلاقية من اجل سعادة الانسان، وفلسفتها كلها واحدة من اجل خير الانسانية، من هنا اقول انا الانسانية المسيحية، وانت الانسانية الاسلامية، وثالث الانسانية اليهودية ورابع الانسانية البوذية، وخامس الانسانية الكنفوشيوسية وهكذا، وهذا ينبهنا دائما لاننا ننتمى للانسانية اولا واخيرا ولديننا الذى نحبه ونحترمه ونؤمن به وبالتالى نتذكر القيم الانسانية التى تجمعنا والتى اهمها الحب.
هكذا الانسانية هى ديانة البشرية لأنها تدعو للحب، وتاتى الاديان كلها بعد ذلك لنعمق هذا الحب، لان قيمة الحب من اساسيات اى دين. ولان الانسان مخلوق المحبة، خلق وولد ويعيش وينمو وينطلق بالحب الدائم.