علم المصريات Egyptology هوالعلم الذى اهتمّ دارسوه بتاريخ الحضارة المصرية. ولأنّ أغلب من كتبوا عن هذا العلم ونشأته من الأوروبيين ، لذلك كان من المهم أنْ يهتم به أحد المصريين ، وهو ما فعله د. وائل إبراهيم الدسوقى فى كتابه (تاريخ علم المصريات) هيئة الكتاب المصرية – 2014. وجاء فى التقديم الذى كتبه د. أحمد زكريا الشلق ((أنّالكتاب يجلو قيمة أجيال من الآثاريين المصريين مثل أحمد باشا كمال ، سليم حسن ، على بهجت ، سامى جبرة وباهر لبيب وآخرين)) وأنّ اهتمام مصر بهذا العلم بدأ بمدرسة اللسان المصرى القديم سنة1898 فمدرسة الآثار التاريخية المصرية سنة1882.
فى الفصل الأول ذكر د. الدسوقي أنّ الحضارة المصرية أقدم وأطول الحضارات . وعن تأثير الحضارة المصرية على غيرها من الحضارات ذكر أنّ الرومان أقاموا المعابد لإيزيس.
وفي العصر الحديث زار الرحالة الإيطالى (بيتروديلا) مصر سنة1624وحمل معه كمية ضخمة من أوراق البردي المكتوبة بالقبطية، وحفرتْ تلك البرديات (كيرشر) أستاذ اللغات الشرقية فنشر أول دراسة عن الرموز الهيروغليفية سنة1643. وفى عام1639زارمصر عالم الفلك (جون جريفس) وبدأ أول مسح لهضبة الجيزة. وجمع معلوماته فى كتابه (وصف الأهرام) وحدّد بدقة أسماء الملوك بناة الأهرام . وذكر عدة أسماء لعلماء من القرن17م اهتموا بالآثار المصرية. وفى القرن18م عرف بعض العلماء أنّ أطر النقوش (الخراطيش) المنقوشة على المعابد المصرية تضم أسماء الملوك. وعرفوا أنّ الكتابة الديموتيقية هى حروف أبجدية. وفى القرن19م بدأ الولع بتاريخ مصر القديم .
وأول جهد علمى بدأ مع الحملة الفرنسية عندما اكتشف الضابط (بوشار) حجر رشيدعام1798. وحدث صراع بين بريطانيا وفرنسا للاحتفاظ بالحجر الذى استولى عليه الإنجليز. كان على الحجر ثلاث كتابات : الإغريقية ، الديموتيقية والهيروغليفية. وأدرك العالم الإنجليزى (يونج) صلة القرابة بين الديموتيقية والهيروغليفية. ولاحظ أنّ الكتابة اليونانية على الحجر مليئة بكلمات تتكرّر. فتوصل إلى معرفة خرطوش (برنيس) وخرطوش (بطليموس) وفى عام 1819نشر يونج أبحاثه فى الموسوعة البريطانية. بينما كان شامبليون يعمل فى صمت منذ أنْ استلم نسخة من الحجر، وعكف على دراسته أكثر من 20سنة. وفى يوم14سبتمبر1822كان قد وضع يده على حل رموز اللغة المصرية القديمة وقال جملته الشهيرة ((المسألة أصبحتْ فى حوزتى)) وفى عام1821أكــّـد أمام أكاديمية الكتابات المنقوشة أنّ الخطوط الثلاثة على الحجر نص واحد بكتابتيْن مصريتيْن وكتابة يونانية. ولكى تكون الكتابة الهيروغليفية قادرة على التعبير عن الأسماء اليونانية فمعنى ذلك أنّالهيروغليفية لابد وأنْ تــُـصدر أصواتــًا. وفى يوم27 سبتمبر1822قرأ شامبليون أمام الأكاديمية بيانــًـا عن أبحاثه ولكنه لم يُـصرّح باكتشافه إلاّ بعد عاميْن فى دراسته (موجز المنظومة الهيروغليفية) وقال إنها منظومة مركبة ، فكل نص وكل جملة تشتمل على كتابة منقوشة ورمزية ومنطوقة في آن واحد.
الذي ساعد شامبليون على فك رموز الهيروغليفية ولعه بتعلم اللغات، فكان وعمره13سنة يهتم باللغات العربية والكلدانية والسريانية ، بعد أنْ درس اللاتينية والعبرية. ثم انكبّ على دراسة اللغة القبطية. وفى عام1812قال ((استسلمتُ تمامًا لدراسة اللغة القبطية. كنت منغمسًا فى هذه اللغة لدرجة أننى كنتُ ألهو بترجمة كل ما يخطر على ذهنى إلى القبطية.
وكنتُ أتحدث مع نفسى بالقبطية. ولا جدال أنّ هذه الدراسة الكاملة للغة المصرية تمنح مفتاح المنظومة الهيروغليفية وقد عثرتُ عليه)) (مصر: ولع فرنسى – تأليف روبير سوليه – ترجمة لطيف فرج – هيئة الكتاب المصرية عام 1999- ص 81، 367) .
ذكر د. الدسوقى أنّ والى مصر (محمد على) أمر بكتابة (التاريخ المختصر لمصرالقديمة) نتيجة تأثره بمجهود شامبليون . كما طلب ترجمة نقوش بعض المسلات. ثم بدأ اهتمام المصريين بالحضارة المصرية، فترجم الطهطاوى كتاب (تاريخ القدماء المصريين) عام1838. وفى عام1860تمّ نقل الآثار المُـكتشفة فى مبنى (بولاق القديم) الذى كان نواة فكرة إنشاء متحف للآثار المصرية. وفى ديسمبر1889تمّ افتتاح (أنتكخانة سراى الجيزة) بدلا من (أنتكخانة بولاق) وفى عام1893 تقدم بعض الآثاريين باقتراح لإنشاء متحف جديد، وبدأ العمل فى نقل الآثار من سراى الجيزة إلى المتحف الجديد فى مارس1902وهو الموجود بميدان التحرير.
***
هامش (1) المؤلف: د. الدسوقي (مواليد1975) رئيس تحرير مجلة المقتطف المصري التاريخية. له عدة مؤلفات مثل (الماسونية في العالم العربي) و(التاريخ الثقافي لمصرالحديثة) و(الصومال من الثورة إلى المحاكم الإسلامية) .
هامش (2) جان فرانسوا شامبليون (1790- 1832) يعتبر مؤسس علم المصريات ، ووصل ولعه بالحضارة المصرية لدرجة أنه عندما زار مصر كتب رسالة لشقيقه قال فيها ((إننى أتحمل حرارة الجو . يبدو أننى وُلدت في هذه البلاد . وأصدقائى قالوا لي إن ّسماتى تتشابه مع سمات الرجل القبطي (قبطي = مصري) وبفضل شامبليون يوجد في فرنسا حاليا 7جامعات بها أقسام مخصصة لعلم المصريات، بخلاف المعاهد مثل (معهد خوفو) ومدرسة اللوفر، والمكتبات مثل (الكوليج دي فرانس) وكذا مراكز أبحاث فى علم المصريات. ولذلك فإنّ الصحفي الأستاذ محمد صالح كان من بين القلة المحترمة الذين وعوا أهمية دور شامبليون ، فكتب ((لستُ أعرف لماذا لم نــُـفكــّـر حتى الآن في أنْ يكون يوم اكتشاف سر اللغة الهيروغليفية (يقصد اللغة المصرية القديمة ، لأنّ الهيروغليفية شكل من أشكال الكتابة) وحل رموزها ، عيدًا قوميًـا لمصر، باعتبار أنّ ذلك هو الحدث الذي كشف حقيقة الحضارة المصرية ، ووضعها فى مرتبة أعلى عن سواها)) (أهرام 21/9/2002- ص 10)