هل يمكن تصورالسيناريوالمختلف :
لو أنّ ماحدث مع المواطن الإيطالى حدث مع مواطن مصرى؟
فهل يفعل نظامنا وشعبنا مثل النظام الإيطالى والشعب الإيطالى؟
رغم أنّ موضوع مقتل المواطن الإيطالى فى مصر، مرّ عليه عدة شهور، فإننى أعتقد انه غاية فى الأهمية من زاوية (موقف الأنظمة الحاكمة من مواطنيها) وأهم درس فى هذاالموضوع ، هو اصرار الحكومة الإيطالية على معرفة الحقيقة، والتأكد من ملابسات التعذيب قبل وفاته. والدرس الثانى لا يقل أهمية، بل هو فى مُـقـدّمة الدروس، حيث أنّ (جميع) أفراد الشعب الإيطالى، وأكرّر (جميع) انتفضوا واهتموا بابنهم، لمعرفة الحقيقة وتقديم الجناة للعدالة القضائية. والدرس الثالث هو الموقف (الموحـّـد) الذى جمع كل التيارات السياسية والحزبية والثقافية، لا فرق بين يمين ويسار، ولا بين مُــتـدينين وغيرمُــتـدينين. ونهاية الدرس : موقف واحد.. هدف واحد.
فما سر تلك الظاهرة الايجابية التى تختلف فيها حظوظ الشعوب؟ هل هناك سبب آخرغير الاعتزاز بمشاعر (القومية) وأنّ الاعتداء على مواطن (واحد) هو اعتداء على جميع أفراد الشعب؟ بينما الأنظمة التى لا تهتز لها شعرة بعد جلد مواطنيها وقطع أيديهموحبسهم ظلمًـا، هى الأنظمة التى افتقدتْ الحد الأدنى من الاعتزاز القومى ، ومُـصابة بالمرض الذى أطلق عليه علماء الاجتماع (الدونية القومية) وذلك التعبير يعنى أنّ النظام الحاكم (فى أى دولة) لم يـُـرسّـخ إعلامه وتعليمه المعنى العلمى لتعريف (الهوية) وأنّ(قداسة المواطن من قداسة الوطن) ولأنّ حكومات مصر (منذ يوليو1952) فرّطتْ فى ترسيخ هذا التعريف العلمى، لذلك شاع بين علماء المصريات مصطلح (معاداة المصرية) Anti-Egyptianism
وأتذكر ما فعلته إسرائيل لفك أسرمواطن (واحد) حاز شهرة عالمية (شاليط) حيث تـمّ الافراج عنه مقابل المئات من الفلسطينيين. ورغم أنّ عمر إسرائيللا يـُـقاس بعمر الشعوب ، فإنّ جولدا مائير لخـّـصتْ المفارقة كالتالى ((إنّ مصير اليهود كان مُـختلفــًـا عن غيرهم ، فالأمم الأخرى بقيتْ فى أراضيها إلاّ أنها تخلــّـتْ عن هويتها)) (حياتى- دار الجليل للنشر والأبحاث الفلسطينية- عام1989- ص141)
والاعتزاز القومى هو الذى جعل الشعب الفلبينى ينتفض لعدة أسابيع، بعد صدورالحكم (الدينى) بإعدام المواطنة الفلبينية (سارة فرجار) التى قتلتْ الأمير العربى عندما حاول إغتصابها. خرجتْ الجماهير الفلبينية فى الشوارع – ليل نهار- وفى أيديهم الشموع، وطالبوا رئيسهم بضرورة عودة المواطنة إلى الفلبين مع دفع (الفدية) المطلوبة. وأنّ (الشعب) جمع قيمة (الفدية) فى ذاك الوقت كان حاكم الفلبين (فيدل راموس) من المؤسسة العسكرية، ومع ذلك استجاب لطلب الجماهير، وأدلى بعدة تصريحات للميديا العالمية، أدان فيها (تشريعات العرب الهمجية) وانتهى الموقف بالافراج عن المواطنة الفلبينية.
وفى تجربة أخرى فإنّ الممرضات الفلبينيات فى دولة عربية ، قرّرنَ الاضراب عن العمل، بعد أنْ فرضتْ إدارة المستشفى عليهنّ نوم كل أربع فى حجرة، بعد أنْ كنّ كل إثنتيْن،تدخـّـلتْ السفارة الفلبينية وعاد الوضع كما أرادتْ الممرضات. إنّ تدخل السفارة السريع هو الترجمة الحقيقية على أرض الواقع لتطبيق معنى (الاعتزاز القومى)
ومن خلال مُــتابعتى لصفحات (بريد القراء) فى الصحف (المصرية- خاصة الأهرام) امتلأ أرشيفى بعشرات الرسائل من المصريين العاملين فى (الخليج العربى) وتلك الرسائل كاشفة عن حجم (الجحيم) الذى عاشه أبناؤنا بسبب التعصب العربى ضد شعبنا. وأنّ (نظام الكفيل) هو(عبودية عصرية) لدرجة التحكم فى الأمورالشخصية، سواء فى التنقلات من مدينة لمدينة، أوالحصول على إجازة بعد وفاة الأم.. إلخ. والأخطرهو(التلفيقات) التى يخترعها (الكفيل) لتنفيذ طلباته دون مناقشة حتى ولوكانت ضد قواعد العمل وشروط العقد. وكانت أغلب الرسائل تدورحول الراتب المنصوص عليه فى العقد، حيث أنّ صاحب العمل لايلتزم به، وإذا اعترض (المصرى) يتم تهديده بسلاح (التهم المُــلفــّـقة) وكان الراحل الجليل عبدالوهاب مطاوع (المسئول عن بريد القراء فى صحيفة الأهرام) أكثرالصحافيين شجاعة عندما نشرعشرات الرسائل التى كشفتْ (عورة) النظام المصرى وسقف تهاونه فى حق أبناء شعبه العاملين خارج مصر. وركــّـزالقراء على دور(السفارات المصرية) وأنّ دورها الأول هو(إرضاء) المسئولين فى الدولة التى من (المُـفترض) أنّ تلك السفارات تــُـمثــّـل مصر، بينما الوقع هوأنّ موظفى السفارة وعلى رأسهم السفيركأنهم يعملون لصالح سلطة الدولة (العربية)
وأعتقد أنّ أكثرالمآسى بشاعة هى قطع اليد والجلد وخاصة الأخيرة، لأنّ آثارها يصعب محوها، وكان أشهرحالات الجلد ماحدث مع الطبيب المصرى الذى قضى (الحكم الشرعى) بجلده ثمانين جلدة، بعد أنْ اكتشف أنّ مديرالمدرسة كان يعتدى على ابنه جنسيـًـا. فكيف تحوّل والد (المجنى عليه) إلى (مُــتهم) و(مُـدان) وتكون عقوبته الجلد؟ الطبيب المصرى- لأنه (مؤمن) بخرافات العروبة والتضامن العربى ووحدة الشعوب الإسلامية، ذهب إلى (رجل دين) مشهور، وحكى له ماحدث مع ابنه. رجل الدين تظاهربالتعاطف مع (المصرى) ونصب له فخـًـا. قال له اكتب شكوى رسمية وقـدّمها للمسئولين. الطبيب سمع الكلام وكتب الشكوى. فى (التحقيق) تفاجأ بالسؤال العبثى: هل لديك أربعة شهود؟ ولما حـدّثهم عن الكشف الطبى على ابنه، قالوا له ((ماهدى الخرابيط يامصرى)) ولأنه- بالطبع- لم يتقدم بأسماء أربعة شهود رأوا الواقعة رؤية عينية، طبـّـقوا عليه عقوبة (حد القذف) فأصبح هو(المُـدان) وليس مديرالمدرسة الذى اغتصب ابنه. الطبيب عندما جاء مصر، واستقبلته لجنة (الحريات) فى نقابة الصحفيين، قال إننى أثناء الجلد ((كنتُ أشكرالله ورسوله على تحملى الجلد)) كانت زوجته زميلتى فى الوزارة التى كنتُ أعمل بها، طلبتُ لقاء زوجها لإجراء حوارمعه فقالت لى ((الموضوع اتقفل يا أستاذ)) وبالكاد استخلصتُ منها معلومة مفادها أنّ لديها تعليمات من مسئولين (مصريين) كباربعدم الحديث مع الإعلام. وفى الختام أسمح لنفسى باستعارة أسئلة الأطفال: لوأنّ ماحدث مع المواطن الإيطالى، حدث مع مواطن (مصرى) هل كان النظام المصرى سيفعل كما فعل النظام الإيطالى، وهل شعبنا المصرى كان سيقف نفس موقف الشعب الإيطالى؟
***