من يُرِدْ أن يعرف مكانة وقدر ومستقبل الأقباط مع حكم جماعة الإخوان المسلمين، يكفِه أن ينظر إلى مشهد قُدَّاس عيد الميلاد، إذ غابت الحكومة الإخوانية تقريبا، رئيس الوزراء ومعظم الوزراء اكتفوا بإرسال مندوبين عنهم، أما الجماعة فلم توفد أحدا من قياداتها، رغم أنها فى العام الماضى -ولغرض فى نفس ابن يعقوب- كان أن حضر المرشح الرئاسى، وقتئذ، د.محمد مرسى، ود.سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب «المنحل»!
وكانت الحكومة ممثَّلة بمعظم أعضائها، فضلا عن المجلس العسكرى الحاكم للبلاد، إذ حضر الفريق سامى عنان، واللواءان حمدى بدين ومحمود حجازى.
فى القداس الذى أقيم مساء السبت الماضى أرسل الرئيس مرسى السفير رفاعة الطهطاوى نائبا عنه، وأوفد رئيس الوزراء وزير الزراعة صلاح عبد المؤمن بديلا عنه، كما أناب أحمد فهمى رئيس مجلس الشورى علِى فتح الباب زعيم الأغلبية بدلا منه.. ولم يحضر من الوزراء سوى عبد القوى خليفة وزير مرفق المياه، ونادية زخارى بصفتها مواطنة مسيحية! أما باقى الحضور فكانوا من البدلاء، وتقاعس الأصليون!
حقيقةً.. ذهب، فى اليوم التالى رئيس الوزراء ود.سعد الكتاتنى رئيس حزب الحرية والعدالة إلى الكاتدرائية للتهنئة بالعيد.. ولكن لماذا لم يذهبوا فى اليوم الأول مثل العام الماضى؟!
ماذا حدث هذا العام؟ ولماذا غابت الحكومة عن القداس؟
هل هم خائفون من السلفيين الذين أفتوا بتحريم تهنئة المسيحيين بعيدهم، أم أن هذا هو الموقف الحقيقى الذى تخفيه الجماعة، خصوصا أننا لم نسمع استنكارا منها أو رفضا لموقف أقوى قادتها المهندس خيرت الشاطر (نائب المرشد) الذى وقَّع على بيان الجبهة السلفية الذى يحرم تهنئة الأقباط بأعيادهم؟
لقد كان من الأولى الذهاب إلى الكنيسة فى اليوم الأول وحضور القداس ردا على فتاوى تكفير الأقباط وتحريم تهنئتهم.. وكان الرد، حينئذ، سيكون عمليا وقويا، لو أرادت الجماعة -حقا- تأكيد تنصُّلها من ميراثها «الطائفى».. لكن ما حدث هو العكس!
إذن.. ما الرسالة التى تريد الجماعة أن توصلها إلى المسيحيين الآن؟
أولا: لا شىء يهم، لا أقباط ولا غيرهم، كفاية التهنئة البروتوكولية من الرئيس باعتباره رئيسا لمصر.. والزيارة فى اليوم التالى تكفى وتزيد، ولنبعد عن وجع الدماغ.. ولا يتهمنا أحد بحضور طقس مسيحى!
ثانيًا: أصواتكم لا تهم الجماعة، وابتداءً أصواتكم ليست لنا، ونحن لا نحفل بها، فليس هناك مدعاة لمجاملتكم بحضور يوم العيد، مثلما فعلنا فى عيد الميلاد السابق ولم نحصل على أصواتكم فى انتخابات الرئاسة!
ثالثًا: شهر العسل المزعوم مع الكنيسة والأقباط قد انتهى من جانب الجماعة، بسبب موقف الكنيسة الرافض للاستمرار فى تأسيسية الدستور واعتراضها على عدة مواد فى الدستور الجديد ومطالبتها بتعديلها فى أقرب وقت.. وهنا يجب أن لا ننسى عدم اعتراض الجماعة على تصريحات أحد قياداتها بأن المسيحيين كانوا يمثلون 60% من المتظاهرين حول قصر الاتحادية، رفضا للإعلان الدستورى الذى صدر قبل الاستفتاء على الدستور!
رابعًا: مع افتراض حسن النيات.. الإخوان أرادوا إمساك العصا من المنتصف.. يهنئون البابا تليفونيا، وقد فعلها الرئيس مرسى.. وبعض أعضاء الجماعة يذهب فى اليوم التالى.. وفى نفس الوقت لا يغضبون السلفيين كثيرا، إذ يحتاجون إلى مساندتهم فى الانتخابات وفى غيرها! إذن.. هناك «رسالة ما» من الإخوان إلى الأقباط، ويقينا وصلت إلى الكنيسة، بما مفاده: «لن نجاملكم إلا فى حدود ما نريد، لا فى حدود المواطنة والحقوق والقانون.. البِرّ لدينا ما نجود به نحن، والقسط الذى أمرَنا به الله ما نراه نحن! وكل القوانين التى نريدها سنُصدِرها، وإذا أردتم شيئا فمن خلالنا وبموافقتنا ورضانا.. حقوقكم هى ما نعطيه لكم، لا ما تستحقونه.. المواطنة حسب رؤيتنا وفكرنا»! إذا أردتم الحماية، فمن خلالنا.. فها نحن نتصل بكم مهنِّئين ونزوركم حتى ولو كان فى يوم تالٍ للعيد، رغم الفتاوى التى تحرم ذلك! لكن هذا لا يعنى استنكارها أو الرد عليها وتفنيدها.. فنحن لم نذهب إلى قداسكم، وهذا يعنى أننا يمكننا فى أى وقت استخدام هذه الفتاوى، إننا لا نحتاج إليكم الآن.. يمكنكم الرحيل عن مصر والهجرة منها، وإذا أردتم الإقامة فتحت حمايتنا! المجتمع الدولى لا يهمنا، وأمريكا مصالحها معنا.. ثم ماذا فعلنا؟ فقط، اكتفينا بتهنئة بروتوكولية، وهذا أمر جيد، لكنه رسالة بعلم الوصول، إلى من يريد أن يفهم!