قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (639)
بدأت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب مناقشة اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية بعد أن تلكأت الحكومة في إحالتها إلي البرلمان منذ توقيعها في أبريل 2016 (!!), الأمر الذي ترك الساحة السياسية ضحية للغط كبير وأدخل الاتفاقية في نفق مظلم كئيب حيث جري اختطافها لحساب تيارات متشنجة تزعم أن ما ينطوي علي الاتفاقية من تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية هو تفريط في تراب مصري مقدس… وكان أن اختطفت الاتفاقية إلي ساحات القضاء بدعوي أنها ليست من أعمال السيادة التي ينص عليها الدستور, فكان النزاع علي الشكل وليس علي المضمون… وانشغلت مصر فترة تناهز السنة في حسم ذلك الأمر في ساحات القضاء حتي استقرت القضية في جعبة البرلمان لمناقشتها وفحصها بغية إقرارها أو رفضها إعمالا بنصوص الدستور.
عدت إلي ما سبق أن كتبته في هذا السياق في 2016/4/24 تحت عنوان: تيران وصنافير.. قضية تاريخ.. يختطفها الإعلام والشارع!! حيث قلت: … القضية تركت لتدخل دائرة الشد والجذب بين فريقين كل منهما يزعم امتلاكه للحقيقة والوطنية دون غيره!!… تلك قضية تحسمها الوثائق والمستندات والتاريخ والجغرافيا, وينبغي علي كل منا التزام الهدوء والانضباط لتوفير المناخ الملائم للفحص والدراسة والتدقيق بدلا من ادعاء الوطنية واستنفار المشاعر نحو الذود عن تراب الوطن… ماذا لو ثبت بالوثائق والدلائل والبراهين أن الجزيرتين تتبعان السعودية وأنهما تحت الإدارة المصرية منذ زمن بعيد لأسباب عسكرية وأمنية؟… ألا تمتلك مصر الأصالة الحضارية والأمانة الوطنية التي تفرض عليها رد العهدة لأصحابها متي طالبوا بها؟… ماذا يمنعنا من إرجاع الجزيرتين للسعودية بعد زوال سبب ائتمان السعودية لمصر لحمايتهما وإدارتهما؟.
والآن بعد مرور نحو عام وربع علي اندلاع تلك القضية, ينظرها مجلس النواب بالاستعانة بآراء الخبراء والفنيين والمتخصصين… لكني التقطت بقدر كبير من الارتياح ما نشرته الأهرام بتاريخ 2017/6/10- عشية بدء مناقشات البرلمان- تحت عنوان: الجيولوجيا تؤكد تبعية تيران وصنافير لشبه الجزيرة العربية… وتعجبت: إذا القضية ليست مجرد قضية تاريخ كما كتبت في أبريل 2016… إنها قضية تاريخ وجغرافيا… فحتي لو ثار الجدل حول صحة الوثائق التاريخية التي تثبت طلب السعودية في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي من مصر فرض السيطرة علي الجزيرتين لحمايتهما من الاعتداءات الإسرائيلية- وتلك قضية التاريخ- تظل هناك قضية الجغرافيا التي تضمنها خبر الأهرام والذي يقول:
وجه العالم المصري الدكتور فاروق الباز رسالة إلي رئيس مجلس النواب الدكتور علي عبدالعال بشأن جزيرتي تيران وصنافير يؤكد فيها أن الوضع الجيولوجي يثبت أن الجزيرتين تتبعان كتلة القشرة الأرضية التي تشتمل علي شبه الجزيرة العربية, حيث تنقسم القشرة الأرضية إلي كتل تفصلها فوالق عميقة تحدد شكلها واتجاهات زحزحتها علي مدي العصور الجيولوجية, وأحد هذه الفوالق يوجد في منتصف البحر الأحمر وخليج العقبة حيث يفصل بين كتلة شبه الجزيرة العربية وكتلة شبه جزيرة سيناء وباقي أراضي مصر… وتثبت الدلائل الجغرافية والجيولوجية أن جزيرتي تيران وصنافير تقعان ضمن كتلة شبه الجزيرة العربية وذلك أيضا ما أثبتته الصور الفضائية المسجلة بالأقمار الصناعية… بل أيضا أثبتت تلك الصور أن هناك حركة تباعد بطيئة بين الكتلتين ينتج عنها تباعد الجزيرتين عن الأراضي المصرية وارتباطهما بحركة كتلة القشرة الحاملة لشبه الجزيرة العربية.
هذه معلومات فاصلة في الأمر خاصة أنها تأتي من عالم مصري يعتبر حجة في مجال تخصصه كما أنه منزه عن التشكيك في وطنيته… ولعلها تفيد في أن يتسلح بها مجلس النواب في معرض بحثه للقضية بجانب ما يتسلح به من آراء خبراء التاريخ وما يحملونه من وثائق.
إننا كمصريين نحب وطننا ونقدس كل ذرة من ترابه ونفديها بحياتنا ودمائنا ويجب أن نكون متيقظين تماما للخيط الرفيع الفاصل بين التشبث بتراب هذا الوطن وبين اغتصاب ما يخرج عن تراب هذا الوطن لأسباب جغرافية ويدخل في نطاق الأمانة التي أودعت في عهدتنا لأسباب تاريخية, ثم حانت ساعة ردها لأصحابها… إذا كنا أمناء علي تلك الأمانة وقمنا بردها لأصحابها, هنا يحق لنا أن نزهو بالوطنية والكرامة والعزة.