خبراء التربية: “لا غنى عن دور الأسرة في اجتذاب الابناء من مصيدة التيه في الساحات الاجتماعية المجهولة”
مما لا شك فيه أن كل مقهي يعكس مستوى مرتاديه من الشباب، وباتت المقاهي انعكاس حي للوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي السائد، ولا شك أن المقهى الشعبي في مصر قد تجاوز دوره كمجرد تجمع لقضاء أوقات الفراغ وتناول المشروبات ولعب بعض الالعاب المتعارف عليها منذ سنوات، فلدينا المقهى السياسي والثقافي الموازي للدور الأساسي لها، وتحولت مقاهينا لرمز يفوح منه عبق التاريخ، وشعلة حراك ثوري وثقافي، بل وبات في بعض الأحيان وسيلة لتوجيه العامة وتعبئة الوعي الشعبي والوطني. فالمقهى يعج بزخم هائل من الاحتكاكات الناتجة من تلاقي طبقات الشعب المختلفة فكريًا واجتماعيًا ،والتي تتبلور في مجملها لتتجسد في حراك يظهر في الشارع المصري.
واكتسبت بعض المقاهى قيمتها التاريخية من شهرة مرتاديها علي مر التاريخ فقد شهدت الادباء والفنانين والسياسيين والثوار. وجدير بالذكر أن مقهى “متاتيا” -على سبيل المثال لا الحصر- قد شهد الخطاب الاول للمصلح الأكبر جمال الدين الأفغانى وفيه جري تأسيس أول حزب مصري ،”الحزب الوطني الحر”، وارتاده الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وعبد الله النديم وأحمد شوقي وعباس العقاد والمازني.
وفي استطلاع لوطني نت مع فئات عمرية مختلفة من مرتادي المقاهي قالوا لنا:
-المقهي لقضاء وقت الفراغ والتنفيس عن الضغط اليومي المعتاد:
“سامح اسطفانوس” صيدلي 41 عام، يذهب الي المقهي بشكل شبه يومي وليس الامر مقتصرًا علي شهر رمضان فحسب، ويقضي نحو ساعة الي اثنين في المقهى لقضاء وقت الفراغ ومشاهدة المباريات ورؤية الأصدقاء لتبادل شتى أنواع الأحاديث السياسية والثقافية وغيرها، ويؤكد أن الشباب جميعاً يستمتعون بقضاء وقت علي المقاهي اذا سنحت لهم الظروف والأمر يعد نوع من أنواع تنفيس الغضب والملل من الحياة الروتينية التى يحياها الشاب في عمله بشكل يومي والضغوط التي يتعرض لها، في محاولة هشة لإعادة كرة الحياة اليومية المعتادة بنفس أكثر صفاءً وتقبلًا للمتاعب اليومية الجديدة.
ويري “عبد العزيز عاطف” طالب بالمرحلة الثانوية 18 عام :أن القهوة هي التنفيس الوحيد له عن الكبت الذي يعانيه من المنزل ومن عدم فهم والده له والتضييق عليه في كل تصرفاته، كما أنها مكان للاستراحة بين كل درس وآخر ، وفرصة لمقابلة اصدقائه ،مؤكدًا علي أنه وأصدقائه بتنا نفر من منازلنا لنتنفس بعض الحرية بعيد عن تحكمات أبوينا وملاحقتهم لنا ليل نهار ومراقبتهم لنا ولاصدقائنا وهواتفنا، مشيًرا الي أن والده كثيرا ما قام بطرده وأصدقائه من المنزل ،فكان البديل المناسب لنا دومًا وبعيدًا عن اعينهم هو المقهي، نحتسي ما نحتسيه ونلعب قليلا ثم نعاود حياتنا اليومية.
فيما قال “أندرو عايد” صيدلي 29 عام، إن اليوم يضج بالأعباء اليومية والروتينية والشد والجذب الحياتى المعتاد والمقهي بالنسبة له أمر ثانوي إن تبقي له بعض وقت خلال يومه ،ويري أن المقهي هو المكان الأنسب ل ” لمة الأصحاب” حيث يكون الأمر مريحا لهم وبعيدًا عن ضجة الحياة وفرصة جيدة لتبادل الأخبار والنكات ومعرفة أخر أخبار الأصدقاء وكذلك السوق، كما أنه المكان الأنسب للجميع طوال الوقت ، إلا أنه لفت في كلامه إلي أن هناك استحداث في المقاهي طرأ بشكل كبير في الآونة الأخيرة وهو تواجد الأحداث والشباب المراهق بداخل المقاهي وتدخينهم للسجائر والشيشة بكافة أنواعها وتبادلهم للنكات البذيئة بصوت عالٍ، بشكل محزن ولافت للنظر، ويوجه إصبع الإتهام للأهالي في المنازل الذين باتوا يتركون أطفالهم والشباب الصغير دون رقابة كافية عليهم، فهؤلاء الأحداث هم نواة حقيقية لكل الكوارث التي تحدث في الشارع اليوم.
فيما انتقد “عايد ذكي” مهندس مدني 65 عام ما يحدث علي المقاهي اليوم مؤكدًا أنه لم يكن يومًا من محبي المقاهي ولا مرتاديها، إلا في بعض المباريات في الآونة الأخيرة، مشيرًا إلى أن المقهي ليس فقط مكان غير آمن علي الشباب الصغير وإنما هو سبب رئيسي فيما يحدث في الشارع المصري من حالات معاكسات وتحرش ،ومؤكدًا أنه كثيرًا ما رأي الشباب يضجون حول الفتيات التي تمر من أمام المقهي وهو الأمر الذي بطبيعة الحال يتسبب في الكثير من المشاكل وخوف الفتيات وعدم شعورهن بالأمان من شباب بلدهم الذي من المفترض أن يتحلي بالنخوة والرجولة ولا يتلفظ بالبذاءات علي العابرين، مشيرًا إلى أن الدراما والإعلام قد صبغوا الشباب الصغير بالكثير من العادات السيئة والتصرفات الحمقاء وافقدتهم الاحترام والقدوة والمبادئ القويمة التي تربي عليها جيله والاجيال التى تليه، لافتًا إلي أنه لابد من تقنين الأمور وعدم السماح للمقاهي بإفتراش الشوارع بالمقاعد ومضايقة العامة ،كذلك لابد من المسئولين في الأحياء المختلفة نوجيه النظر لما يحدث وكذلك توجيه النظر للكهرباء التي تستخدمها هذذه المقاهي ولاسيما تلك التى تفترش الشوارع وتقتطع الأرصفة والطرقات علي المارة.
فيما قال “عاطف الصيرفي” 52 عام مدير مدرسة ثانوية ومدرس أول لغة عربية:” إن عدم توافر فرص عمل للشباب، وكذلك شهور الإجازة الصيفية الطويلة والذي غالباً ما تترك فيها الأسرة ابنائها للشارع أو للتلفاز دون رقابة حقيقية عليهم ولا سيما بعد تكبد الاسرة عناء الدروس الخصوصية والمصاريف طوال العام والمشادات مع الأبناء لحثهم علي استذكار دروسهم، ساهمت بشكل كبير في ازدياد تواجد الشباب على المقاهي، لافتاً إلي أنه لابد من توجيه الشباب لرياضات مفيدة وإعادة إحياء التراث الثقافي والقراءة والكتابة واستكشاف مواهب الأبناء بدلًا من تركهم فريسة للشارع والتعاليم التي يتلقونها منه.
واستطرد حديثه قائلًا أنه لابد من إعمال دور المدرسة والدورات الرياضية الصيفية للشباب بمختلف أعمارهم، كذلك للمسجد والكنيسة دور هام في النشاطات الصيفية والبرامج الصيفية التى يساهموا من خلالها في جذب الشباب ،مقترحًا اقامة رحلات للأماكن الآثرية لتعريف الشباب بمعالم بلده الآثرية وحث انتمائهم الوطني.
-خبراء التربية: “لا غنى عن دور الأسرة في اجتذاب الابناء من مصيدة التيه في الساحات الاجتماعية المجهولة”:
وقد قالت “د.هالة منصور” أستاذ علم النفس والاجتماع :” إن المقاهي لها بعض الايجابيات فهي وسيلة للتواصل الاجتماعي والتزود بالخبرات والاستفادة من هذا التواصل في المعرفة ،إلا أنها سلاح ذو حدين فهي تحمل العديد من المخاطر وتشكل خليط يعلم الشباب الكثير من السلوكيات السلبية والخاطئة وتساهم في ابتعاده عن اسرته ومسئولياته تجاهها وكذلك تؤثر علي عمله وفي اختلاطه بعائلته ،كما انها تشتت افكاره بالمعلومات المنقوصة والمغلوطة أيضاً التي يناقشها مع أصدقائه ،فقد تكون مواضيع لا تتناسب مع عمر وبيئة االشاب، وبالتالي عدم التوازن النفسي والانحراف،كما أن المقاهي فرصة للدخول إلي المواقع المشبوهة والاباحية دون رقابة من الاسرة، وفي حقيقة الأمر فإن المقهى هو ظاهرة خطيرة علي الشباب صغير السن.
ولذا لابد من تحميل الجهات المعنية المسؤولية الكاملة ،كذلك تفعيل دور العائلة للتصدي لهذه الظاهرة السلبية التي تؤثر علي ابنائنا، والحد من آثارها السلبية، ونشر التوعية بين الشباب وتأمين فرص عمل لهم وبرامج تدريبية وتعليمية ومهنية،لصقل قدراتهم في رسم أهدافهم ومسار حياتهم،وتزويدهم بالمهارات الحقيقية التي يحتاجونها في سوق العمل.
ورأت “توتة هاني” أستاذة الفلسفة والمواطنة وحقوق الانسان أن : “المقاهي ليست بالأمر السئ علي الاطلاق بل وتعتبر نوع من النشاط الاجتماعي في ظل غياب النوادي وارتفاع اسعارها، كما أن الشباب لديهم متسع من الوقت ولا سيما وقت الاجازة الصيفية ،وليس من المنطقي أبدًا منعهم بل علي العكس ولا سيما مع هذا السن من الشباب، ولا أحاول نزع أية عادة لهم إلا في حال قمت بتوفير البدائل المناسبة لهم، أو توفير شروط وظروف مناسبة للعادة ذاتها، مقترحة أن يتم تجميع الشباب في مجموعات قريبة من بعض في الشغل والثقافة والمستوي الفكرى والعمري وغرس القيم والمبادئ الاخلاقية فيهم وعقد حلقات للنقاش بينهم، مضيفة إلي أنه لابد من نشر ثقافة الكتاب والنشرات الاخبارية وغيرها بداخل المقاهي وتوفير أماكن للقراءة أو الاستذكار، مشيرة الي أننا يمكننا تقديم هذه الافكار للمجتمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيكون لدينا مقاهي القراءة ومقاهي الاستذكار التي يمكن أن يساعد فيها الاصدقاء بعضهم البعض في موادهم الدراسية، لتصبح المقاهي مكان للنفع ونسعي لأن نرتقي بها لتكون مكان آمن لأبنائنا، فتتحول العادة الي قيمة طيبة ،لكن ليس من الصواب أن نعمل علي نزعها من الفرد كعادة فلا شك أن الامر سيبوء بالفشل والعناد من قبل هذا السن الصغير من الشباب، في الوقت ذاته الذي نسعي فيه لكسبهم وكسب ثقتهم ،مؤكدة علي ضرورة توعية الابناء وحثهم علي اختيار المكان اللائق بأن يذهبوا إليه والصحبة الطيبة لهم.
أكد “د.أحمد عكاشة” استاذ علم الاجتماع بجامعة طنطا أن هناك أسباب جوهرية لهروب الشباب من المنزل والبحث عن ملذات أخري لشغل فراغهم ربما تكون ظاهرة تواجدهم في الكافيهات في الفترة الاخيرة من اهم هذه الملذات والاماكن المرغوبة وذلك يرجع لأسباب أسرية وتربوية لعل أهمها انشغال الأب والأم بكثير من اهتمامات الحياة الأخري كتلبية الاحتياجات المادية أو انشغال رب الاسرة بالجلوس علي الكافيهات ايضًا فمن هنا يتأكد لنا أن عودة الترابط الاجتماعي والحوار الأسري وخلق نوع من التناغم بين نسيج أفراد الاسرة الصغيرة يعالج جزء هام من هذه القضية ،الشق الثاني أن هذه الاماكن دائما تسعى للتطوير وسبل البحث عن تلبية رغبات الباب من خلال استقطاب أنواع مختلفة من المدخنات مثل معسلات الأطعمة بكل أنواعها وكذلك جزء كبير من هذه الكافيهات يقدم يقدم ما يعرف بالباند وهي فترة غنائية موسيقية راقصة مما يضفي جو من البهجة داخل الكافيه يساهم بشكل كبير في استقطاب هذه النوعية من الشباب خاصة ما يعرف بالكابلز بالاضافة الي الحرية التامة في الجلوس والحركة والكلام وهذا ما يفتقر له الكثير من الشباب في البيت المصري.
تقول دكتورة “آيات العشري” خبيرة السلوكيات : الوضع في البيت المصري أصبح يرثى له الأب يعمل عدد كبير من الساعات، وأحيانًا الأم أيضًا وهما علي اعتقاد تام بأن ما يحتاجه ابنائهم هو تلبية احتياجاتهم المادية ومصروفاتهم وهو خطأ شائع وجب لنا التنبيه بشدة من خلال برامج توعية عبر التلفاز والاذاعة وكافة وسائل الاعلام، وغيرها من المؤتمرات والحلقات النقاشية لبحث سبل كيفية إعادة كنز التربية والتواصل الذي سرقته الظروف الاجتماعية والاحوال الاقتصادية الصعبة وكذلك العدو اللدود الذي يسمى مواقع التواصل الجتماعي وحث القنوات الاعلامية بكافة أطافيها عي انتهاج رسالة اعلامية واختيار مواد درامية من شأنها غرس القيم والاسس والمبادئ التى فقدها البيت المصري.
يقول الدكتور “محمد مزيد” أستاذ علم النفس بجامعة المنوفية: ” في البداية لابد أن نوضح أن هناك حرب قائمة علي جيل الشباب تبنتها القنوات الفضائية لعرضها مواد هابطة وكذلك مقاهي الانترنت وما يعرف بالكافيهات كأخر تطور لأشكال المقاهي وهي أيضًا جزء من الأزمة اللاقتصادية الحالية في الاسرة المصرية ،فنجد الابناء يحصلون بشكل أو بآخر علي مبالغ نقدية تمثل حمل علي كاهل الاسرة ثم يرتادون هذه الأماكن وسرعان ما تتبدد هذه الاموال وبشكل عملي متوسط سعر حجر الشيشة 20 الي 25 جنيها للأطعمة ، وبالنسبة للحجر العادي من 5: 20 جنيها، ناهيك عن المشروبات الساخن منها والبارد وكذلك المقبلات فنجد في النهاية أن ساعة علي الكافية تساوي و تتجاوز من 20 الي 50 جنيها كأقل تقدير ، أما عن الشق المتعلق بمراقبة الابناء وسلوكياتهم فهنا نبحث عن أضلاع المثلث الذهبي ألا وهي الأسرة، المدرسة، الكنيسة والمسجد، فلكل ضلع دور هام في غرس و تنمية القيم والمثل والسلوكيات والمبادئ بشكل منفرد وبشكل متصل، من خلال التعاليم والكتب والحلقات النقاشية وكلك نؤكد على أهمية التنسيق بين الجهات الثلاث ، فالابناء هم عتاد الايام الصعبة، والنهضة التي ننتظرها وخط المستقبل.