قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (638)
ابتليت مصر بالإرهاب وها هي تشن معركة مصير لدحره والخلاص منه, معركة تقودها مصر وحدها داخل أراضيها وتدفعها الأحداث لأن تقودها وحدها أيضا خارج أراضيها, وبينما يتعالي صوت القيادة المصرية في سائر المحافل الدولية لحشد تحالف دولي لمحاربة الإرهاب يظل رد الفعل الصادر عن أمريكا والمجموعة الأوروبية أسير التصريحات يشوبه التلكؤ والعجز ويثير الريبة في صدق النوايا وتوفر الإرادة السياسية… هذا بالرغم من تكرار تعرض تلك الدول لضربات إرهابية خطيرة في عقر ديارها, لكن الغريب أن ما كان يتبع هذه الضربات من تهديدات بالخلاص من الإرهاب والقضاء علي معاقله لم يتجاوز حدود التصريحات السياسية ولم يتبلور عن أفعال, والدليل استمرار سطوة الإرهاب وتوالي ضرباته.
أتأمل تنظيم داعش الإرهابي والحرب الضروس الجارية لإزاحته من العراق وسوريا, وبالرغم من الأنباء التي تتحدث عن قرب الخلاص منه إلا أن التقدم الحثيث الذي يتحقق علي الأرض في كلا البلدين يعزي إلي الجيشين العراقي والسوري ولا يتناسب أبدا مع ما يقال عن الحشد الدولي المؤازر لهما… وتظل هناك علامات استفهام وتعجب حول دور ذلك الحشد الدولي ولماذا يفشل في القضاء علي داعش بالرغم من قدراته العسكرية الفائقة… هذا باستثناء دور القوة العسكرية الروسية في سوريا والتي يبدو أنه يسير وحده عكس التيار!!… فقد استرعي انتباهي خلال الأسبوعين الماضيين ما تواتر من أخبار عن اقتراب ساعة الخلاص من داعش في سوريا, لكن بقدر الارتياح الذي خلفته كانت هناك توجسات لا يمكن إغفالها بين السطور.
** بتاريخ 27 مايو الماضي نقلت وكالات الأنباء خبرا بعنوان القوات الجوية الروسية تدمر قافلة لداعش متوجهة من الرقة إلي تدمر… وجاء في ثنايا الخبر أن الطائرات الروسية قصفت قافلة لتنظيم داعش مؤلفة من 39 شاحنة محملة بالأسلحة ودمرتها, بالإضافة إلي تصفية أكثر من 120 إرهابيا كانوا علي متنها, وذلك بعد أن رصدت مصادر المعلومات الروسية في سوريا موافقة قيادة القوات الكردية علي فتح ممر آمن عبر مناطق سيطرتها للسماح لقوات داعش بالخروج من الرقة الواقعة تحت حصار وضربات الجيش السوري والهروب إلي تدمر. ويبقي السؤال الخطير: كيف تسمح القيادة الكردية التي طالما عانت من ويلات داعش ولم ينقذها سوي التحالف الغربي بفتح ثغرة ليفلت منها داعش إلا إذا كان ذلك بأوامر من التحالف الغربي نفسه؟!!… ولعل هذا ما يفسر انقضاض الطيران الروسي علي الثغرة وتدمير قوات داعش حيث لا يخفي علي المتابع لمجريات الأحداث في سوريا مدي التنافر بين روسيا ودول التحالف الغربي… روسيا عاقدة العزم علي التصدي لداعش والتحالف الغربي يتفرج!!!
** في 31 مايو الماضي نقلت وكالات الأنباء خبرا عن قيام القوات الروسية بإطلاق عدة صواريخ من غواصة وفرقاطة تابعتين لها في البحر المتوسط بالقرب من السواحل السورية علي أهداف محددة لتنظيم داعش في تدمر عبارة عن ملاجئ بها تجهيزات عسكرية ثقيلة وتجمع للمقاتلين الفارين من الرقة… وتضمن الخبر تصريح وزارة الدفاع الروسية أنها أخطرت كلا من القيادة الأمريكية والتركية والإسرائيلية بتلك الضربات. وأعود وأقول: ها هي القوات الروسية تتدخل لتقويض قدرة داعش ومطاردتها وضربها بينما أمريكا وحلفاؤها يتفرجون!!!
*** في أول يونيو الجاري حملت وكالات الأنباء أخبارا نقلا عن وزارة الدفاع الروسية حول استمرار الطيران الروسي في سوريا في رصد وقصف وتدمير أي محاولات من جانب داعش للفرار من مدينة الرقة نحو محافظتي حمص وحماة, وأسفر القصف عن تدمير 36 سيارة و17 شاحنة و8 صهاريج وقود علاوة علي مقتل 80 مسلحا تابعين لتنظيم داعش الإرهابي. أما الملفت في الخبر فهو تصريح وزارة الدفاع الروسية بأن مسلحي داعش يخرجون من الرقة ويعبرون نهر الفرات بالرغم من أنهم محاصرون من قبل قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الغربي وقوات أمريكية وفرنسية وبريطانية خاصة!!!… هل تريدون مفارقة صارخة أكثر من ذلك؟… القوات الروسية تتعقب فلول داعش الفارة من المنطقة المحاصرة بقوات خاصة جدا سورية وأمريكية وفرنسية وبريطانية!!!
*** إلي كل من يشاركني التوجسات التي تنتابني من متابعة تمدد وتوحش تنظيم داعش الإرهابي والوقت الطويل جدا الذي مضي علي معارك محاربته للقضاء عليه والتساؤلات المثارة حول الأهداف الخفية والنوايا المبيتة والمقاصد الحقيقية وراء وجوده واستفحاله… أرجو الرجوع إلي مقالي المنشور في هذا المكان بتاريخ 2016/2/7 عن الدور الخفي لأمريكا وحلفائها وراء تنظيم داعش والذي جاء تحت عنوان: هما بيستهبلونا واللا إيه؟!!… والذي لم أجد أفضل منه ليعود ويتصدر هذا المقال.