في عام 2007 قام مبرمج ياباني إسمه ساتوشى ناكاموتو بالعمل على ورقة بحثية تخيل فيها نظام مالي عالمي جديد قائم على سياسة الإنتقال الحر لرؤوس الأموال بعيدًا عن سلطة البنوك المركزية للدول، لم يكن ساتوشى هو أول من فكر بهذا الشأن لكن فكرته هى من وجدت الحاضنة الشعبية لها، فقد إخترع شيئاً قد يغير المفاهيم المالية العالمية مستقبلاً .. ساتوشى إخترع “بيتكوين “Bitcoin
أراد ساتوشي إختراع نقود لكن بدون مواصفات النقود التقليدية فهى نقود غير ملموسة و لا توجد بنوك مركزية تحكم إصدارها ولا تحظى بالقبول العام حتى إن وقت إصدارها لم يكن لها أى قبول نهائياً بين الناس فما الذى سيغريهم لإمتلاكها ؟
وكيف سيقنعهم بإقتناء تلك العملة و ماذا سيفعلوا بها بعد إقتنائها ؟ فقد لعب ساتوشى على نقطة مهمة ترفع من سعر أى سلعة فى العالم وهي الندرة.
صمم ساتوشى النظام الإليكترونى لبيتكوين بأن يسمح له بإنتاج 21 مليون وحدة فقط وبعدها سيتم إيقاف الإنتاج أو إيقاف التعدين كما هو متعارف عليه وهو يجعل العملة محدودة العدد وبالتالى قيمتها مرتفعة فى حالة الإقبال عليها، وإرتكن ساتوشى أيضاً إلى تقديم حوافز للأشخاص الذين يقومون بالتعدين فى بيتكوين وهو ما مثل بوابة سحرية لمن يريد الثراء السريع كل ما عليك هو أن تكون أحد المعدنين فى البرنامج.
وبعد عام تقريبًا تم إطلاق عملة بيتكوين رسميًا وتمت دعوة الناس لإمتلاكها و تسوية معاملتهم المالية عن طريقها و بدأت فى الإنتشار تدريجياً و فى 2 مايو 2010 تمت أول معاملة حقيقية بالبيتكوين حين اشترى رجلاً قطعتى بيتزا Papa Jones مقابل 10000 وحدة بيتكوين،وكانت صفقة رابحة من وجهة نظر هذا الرجل الجائع لكنه بالتأكيد سيعض أصابع الندم حين يرى أن سعر البيتكوين الآن يقارب ال 1000 دولار و هو ما يعنى أن قطعتى البيتزا اللاتى أكلهن قبل سنوات قليلة يساووا الآن 10 ملايين دولار أمريكى.
وإنتشار البيتكوين جعل صاحب الفكرة يفكر فى الظهور علناً و هو ما حدث حين أجرى مقابلة مع وكالات BBC و The Economist و GQ Magazine عندها تأكد للجميع أن مبتكر البيتكوين لم يكن هو ساتوشى.
حتى إنه لم يكن يابانياً من الأساس، لقد كان رجل الأعمال الأسترالى كريج ستيفن رايت و الذى أثبت بالأدلة الإليكترونية الدامغة أنه هو مبتكر الفكرة و صاحب الموقع الأصلى لبيتكوين.
-البيتكوين..إنتاجه وكيفية الحصول عليه:-
بيتكوين هى عملة إفتراضية مشفرة Cryptocurrency يتم تداولها إليكترونيًا عبر الإنترنت دون وجود فيزيائى لها على أرض الواقع و بالطبع يمكنك الحصول عليها إما بمشاركتك فى عملية إنتاجها أو عن طريق شراءها من أحد المواقع المتخصصة فى بيعها أو عن طريق تبادلها مباشرة مع الأشخاص الآخرين.
يتم إنتاج البيتكوين عن طريق عملية تسمى التعدين فى حقيقة الأمر البيتكوين عملة إليكترونية كما ذكرنا و بالتالى ليس لها وجود مادى فكيف يتم تعدينها ؟
بداية إختيار كلمة تعدين كان فى غاية الذكاء والتوفيق من مبتكر البيتكوين لأنه إستخدم العامل النفسى الذى يميل أكثر لكلمة مثل التعدين لإرتباطها بالمعادن الثمينة مثل الذهب و الفضة وربط بينها و بين عملته الغير مادية لترغيب الناس بها.
وعن عملية التعدين تتم عن طريق برامج مجانية متوفرة على الإنترنت فبعد تحميلها على جهازك تستطيع بدء عملية التعدين و لكن مثلما تتطلب عملية التعدين الحقيقية معدات وآلات و تكاليف كثيرة فهنا الأمر متشابه فلكى تستطيع إتمام عملية التعدين بنجاح فأنت تحتاج جهاز كمبيوتر متطور و أيضاً مصدر كهربائى مستديم و هو ما يرفع تكاليف عملية التعدين بالتأكيد ،تلك الشروط أجبرت المعدنين الباحثين عن البيتكوين على الإشتراك معاً فيما يسمى ب مسبح التعدين Minning Pool لتقليل التكاليف و تحقيق أكبر إستفادة ممكنة بعد إستخراجه.
عملية التعدين هنا ليست كالعملية الطبيعية بالتأكيد حيث أنها تعتمد على نظام فك شفرات معقدة لأقصى درجة و لتوضيح الصورة أكثر فالأمر يتم كالآتى :
عندما يرغب ( شخص 1 ) بتحويل عدد 1 بيتكوين مثلاً إلى ( شخص 2 ) فالأمر يتم ترجمته إلى تنازل عن ملكية بيتكوين من ( عنوان 1 ) إلى ( عنوان 2 ) وكل عنوان فيهم له مفتاح تشفير خاص به و صاحب هذا المفتاح هو القادر على المصادقة على عملية التحويل و فى وقت التحويل هنا يأتى دور أجهزة المعدنين التى تقوم بالتحقق من توقيع المحول ومن رصيده الشخصى ومن سجل معاملاته السابقة وأن رصيده يكفى للتحويل وأنه لم يتم إستخدام تلك العملية لأكثر من متلقى منعاً لإزدواج المعاملة وبالتالى النصب بطريقة أو بأخرى.
بهذا يكون برنامج بيتكوين مكافىء لأى بنك مركزى فى العالم وأجهزة المعدنين مكافئة للصرافين فى البنوك والعاملين على إتمام عملية التحويل عن طريق التأكد من سجلات المتعاملين ولتجنيد هؤلاء المعدنين كان لابد من وجود جائزة ما ؛مراجعة تلك الشفرات تمنح المعدنين جائزة قيمتها 25 بيتكوين عن كل عملية ناجحة ،تلك الجائزة يتم تخفيضها إلى النصف كل 4 سنوات حتى الوصول إلى إنتاج أخر وحدة بيتكوين والتى من المتوقع لها عام 2140.
جدير بالذكر أن عملية مطابقة مفاتيح التشفير و المصادقة عليها ليست سهلة إطلاقاً وإن لم يكن جهاز الحاسب سريع ومتطور فإحتمالية نجاحه فى فك تلك الشفرات شبه مستحيل.
-نظرة العالم للبيتكوين ووضعه الحالى:
ألمانيا هى الدولة الوحيدة فى العالم التى إعترفت بالبيتكوين وبهذا هى تخضع عمليات التبادل به للضريبة وتستفيد من تداول تلك العملة على أراضيها فى المقابل فهناك تفاوت كبير بين موقف ألمانيا وباقى دول العالم حيث يوجد 42 دولة تتساهل فى تداول البيتكوين على أراضيها وخمسة دول تتشدد فى تداولها دون رفضها رفضاً قاطعاً ودولتين ترفض تداولها تماماً هما روسيا وأيسلندا وباقى دول العالم لم تحدد موقفها رسمياً وإن كانت بنوكها المركزية تحذر من التعامل بها.
أما بالنسبة لسعرها فمنذ إصدارها فى 2009 و حتى الآن شهد سعرها إرتفاعاً كبيراً و المنحنى السعرى لها صاعد و إن كان يتسم بالتذبذب الشديد فمنذ بداية طرحها بالسوق كان سعرها لا يتجاوز عده سنتات حتى وصلت إلى 1108 دولار فى ديسمبر 2013 ثم إنتكاسه كبرى لها و وصولها إلى 203 دولار فى يناير 2015 ثم الإرتفاع مجدداً فى مارس 2017 ووصولها إلى 1280 دولار ما جعل سعرها يتخطى سعر أوقية الذهب لأول مرة أما عن سعرها وقت كتابة هذه السطور فهو 940 دولار للوحدة مع توقعات مستقبلية إيجابية أعلنها Saxo Bank “وهو بنك إستثمارى إلكترونى” بوصول العملة إلى 2100 دولار خلال 2017 بسبب سياسات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
-مميزات عملة بيتكوين وعيوبها:
*مميزاتها :
– سهولة حملها .
– سهولة تداولها خصوصاً بعد إنتشار الأماكن التى تقبل التعامل بها .
– إنخفاض تكاليف تحويلها مقارنة بالمصاريف البنكية العادية .
– سرعة وصول التحويل مقارنة بالتحويلات البنكية العادية .
*عيوبها :
– عدم سيطرة البنوك المركزية يجعلها عرضه لمخاطر أعلى مستقبلاً .
– بعدها عن الرقابة جعلها أسهل وسيلة لغسيل الأموال و تجارة المخدرات .
– الإشتباه دوماً فيها كوسيلة لتمويل المنظمات الإرهابية .
– عدم الإعتراف الرسمى بها من كل دول العالم ما عدا ألمانيا يجعلها تخسر جزء كبير من قيمتها مع أى خبر سلبى بخصوصها .
– إعتمادها على برنامج إليكترونى محكم لم يساعد أصحاب الحسابات حين تم السطو على موقع MT Gox اليابانى أشهر موقع لتداول البيتكوين وسرقة محتويات الكثير من الحسابات المسجلة فيه ما دعا أصحاب الموقع إلى تقديم طلب لإعلان إفلاسهم وحمايتهم من أصحاب الحسابات.
-مستقبل البيتكوين:
قد يظن البعض أن التطور الطبيعى سيجبر البنوك المركزية فى العالم على القبول بعملة إفتراضية مثل بيتكوين أو غيرها وهو إحتمال لا يزال قائم لكن ذلك لن يكون بالسهولة المتوقعة وهو ما تم ترجمته مؤخراً بقرار هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية التى رفضت إنشاء صندوق إستثمارى لتداول البيتكوين وهو ما مثل ضربة لأحلام المتعاملين فى تلك العملة.
يجب أن يعلم هؤلاء المتداولين أن الولايات المتحدة كقوة عظمى ستحاول منع أى وسيلة من شأنها التأثيرعلى هيمنة الدولار كعملة أولى للتبادل التجارى العالمى وإن كان البيتكوين بعيد جداً عن ذلك التأثير ولكنها تحتاط لكل شيىء قد يضرها مستقبلاً وإن لم تجد الولايات المتحدة آلية قانونية لربط البيتكوين بعملتها فلن يتم إقرار أى شكل قانونى من شأنه دعم البيتكوين سواء هى أو مثيلاتها مثل لايت كوين أو دوج كوين أو فيرت كوين أو ألترا كوين، كل تلك العملات مصيرها ومستقبلها مهدد طالما لا توجد آلية تخضعها لسيطرة بنك الإحتياطى الفيدرالى الأمريكى ومن وراءه البنوك المركزية فى العالم كله.
وقد حذر الباحث الاقتصادي أحمد كامل المتخصص كل المتعاملين فى تلك العملة الإفتراضية وعدم الإعتماد عليها كإستثمار آمن بأى شكل من الأشكال ويكفى ما حدث مع بنك ليبرتى ريزيرف – Liberty reserve الإلكترونى عام 2013 وهو البنك الذى كان يتعامل معه ملايين البشر حول العالم بعدما انتهى أمره بإلقاء القبض على صاحبه ومؤسسة آرثر بودوفيسكى بلانشوك الأوكرانى الأصل والكوستاريكى الجنسية والحكم عليه بالسجن 20 عاماً لتسهيله تحويلات تخص عمليات غسيل أموال ودعارة وإتجار بالبشر.
مؤكدًا أن ليبرتى ريسيرف وكل من هو على شاكلته لهم حدود معينة لايجب أن يتخطوها وإلا إذا صار خطرهم أكبر من قدرة الدول على التحمل وحينها فالإغلاق سيكون حتمياً وسيكون المستقبل لبنوك إلكترونية مرخصة ومعتمدة دولياً مثل Pay Pal و Skrill و Paiza حيث يمكن للبنوك المركزية مراقبة تحويلاتها و معرفة توجهتها.