قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (636)
للمرة الثانية خلال فترة رئاسته يختص الرئيس عبدالفتاح السيسي رؤساء تحرير الصحف القومية -الأهرام والأخبار والجمهورية- بحديث موسع يتناول شتي القضايا التي تشغل الرأي العام علي الساحتين الداخلية والخارجية… قام الرئيس بالرد علي حشد مهم من الأسئلة وجاءت إجاباته تتسم بالمصارحة والشجاعة علاوة علي تصدير الطمأنينة والأمل للمواطن المصري.
استرعت انتباهي مجموعة من الأمور التي تضمنتها إجابات الرئيس بالإضافة إلي بعض التصريحات التي توقفت عندها راغبا في التعقيب عليها… وأبدأ أولا بما استرعي انتباهي وهو كما يلي:
** أنفقنا مائة مليار جنيه خلال ثلاث سنوات في مجال تنمية البنية الأساسية, وهذا عمل ضخم شمل إنشاء سبعة آلاف كيلومتر من الطرق القومية عبر خريطة مصر وشاركت فيه وزارات الدفاع والإسكان والنقل… ولو لم تكن القوات المسلحة طرفا أصيلا في مجابهة التحديات وعمليات البناء ربما لم نكن استطعنا تحقيق ما أنجزناه.
** مازلنا في مرحلة تثبيت أركان الدولة المخطط لها مدة أربع سنوات تنتهي بنهاية فترة الرئاسة الحالية, وتتضمن خطوات استعادة هيبة الدولة وترسيخ دولة المؤسسات والقانون… هناك ملفات عديدة انتهينا منها, وسوف أقدم في يناير أو فبراير من العام القادم كشف حساب للشعب أقول فيه: هذه مصر عندما تسلمت الأمانة وهذه مصر التي أقدمها عند انتهاء فترة رئاستي ليتسلمها من تختارونه للرئاسة.
** نسعي لبناء كوادر شبابية يتم تأهيلها لتولي مناصب قيادية في المستقبل, ويكون منها محافظون ووزراء ورئيس مجلس وزراء.
** خروج فتاوي غير مسئولة بتكفير مواطنين مصريين من أناس كان يفترض فيهم الوعي والتحلي بالمسئولية يؤكد أن تخلف الفهم الديني مازال هو التحدي الذي يتحتم مواجهته, فنحن نريد أن نعيش ونمارس إيماننا باعتدال وسماحة ودون هوس.
** دعوت أكثر من مرة إلي اندماجات بين الأحزاب المتشابهة في برامجها وتوجهاتها السياسية من أجل خلق أكثر من حزب قوي لتسهم الخريطة الحزبية في تفريخ الكوادر المؤهلة لتداول السلطة… وأتمني أن نري الأحزاب ذات الأيديولوجيات المتشابهة تسعي نحو التنسيق فيما بينها تمهيدا للاندماج.
أما عن التصريحات التي توقفت عندها راغبا في التعقيب عليها فهي كما يلي:
** يقول الرئيس: لن أتقدم للترشح لفترة رئاسة ثانية إلا بإرادة شعبية ولن أستمر في منصبي إلا برغبة الشعب… وقد توقفت أمام هذا التصريح مدركا أنه ما جاء إلا ردا علي تساؤل طرح عليه في مؤتمر الإسماعيلية الشهر الماضي, يقول: هل لو جاءت نتائج الانتخابات في غير مصلحتك ستستمر في منصبك؟ (!!)… وبالفعل أنا تعجبت من السؤال ومن الإجابة لأننا في ظل الدستور الذي أقره الشعب عام 2014 لم نعد في حاجة لذلك… فكيف يوجه مثل هذا السؤال للرئيس وما حاجة الرئيس لتقديم تلك الإجابة؟… إن الدستور في المادة (140) ينص علي: ينتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية, تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه, ولا يجوز إعادة انتخابه إلا مرة واحدة…… كما يحدد الدستور في المادة (142) كيفية استيفاء الإرادة الشعبية لأي مرشح كالآتي: يشترط لقبول الترشح لرئاسة الجمهورية أن يزكي المترشح عشرون عضوا علي الأقل من أعضاء مجلس النواب, أو أن يؤيده ما لا يقل عن خمسة وعشرين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في خمس عشرة محافظة علي الأقل وبحد أدني ألف مؤيد من كل محافظة منها, وفي جميع الأحوال لا يجوز (لأي مواطن) تأييد أكثر من مترشح وذلك علي النحو الذي ينظمه القانون.
حرصت علي أن أسجل ذلك حتي أؤكد أن البقاء في السلطة رغما عن نتائج الانتخابات هو أمر مستحيل بموجب الدستور, كما أن الاحتكام للإرادة الشعبية قبل الترشح للرئاسة هو أيضا أمر ينظمه الدستور بكل وضوح. ودعوني قبل أن أترك تلك النقطة, ولتجنيب سائر المقولات الانفعالية المقترنة بها مثل الدعوي لتعديل الدستور لمد فترات الرئاسة, أن أحيل القارئ إلي المادة (226) من الدستور والتي تتناول آليات تعديل أي مادة من مواده حيث تنص في نهاية ديباجتها علي: … وفي جميع الأحوال, لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية, أو بمبادئ الحرية, أو المساواة, ما لم يكن التعديل متعلقا بمزيد من الضمانات.
** يقول الرئيس: أريد أن يكون انتقال السلطة في المستقبل سلسا وحضاريا.. إنني لا أنسي مشهد الرئيس الفرنسي أولاند وهو يشير مودعا الرئيس الجديد ماكرون بكل اللطف والأمان علي أبواب مقر الرئاسة وأتمني أن أري هذا المشهد في مصر… ودعوني أعقب علي هذا الكلام بكل ارتياح وفخر أننا يجب ألا ننسي أنه بجانب ترسيخ الدستور لتلك الآليات والضمانات للتداول السلمي للسلطة, فإن الذاكرة الوطنية تذكر باعتزاز جلسة حلف اليمين الذي أداه الرئيس السيسي إبان فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2014 أمام المحكمة الدستورية العليا -كما ينص الدستور في حالة عدم وجود مجلس للنواب- وكيف كان الرئيس عدلي منصور المنتهية ولايته مرافقا للرئيس السيسي ومباركا له ومسلما له السلطة بكل اللطف والأمان… حرصت علي هذا التعقيب لأؤكد أننا نعيش حاليا في ظل دستور يرتب ويرسخ ويؤمن جميع سبل التداول السياسي للسلطة والانتقال السلمي لها.