على مدار الأشهر الماضية، أصبحنا نفاجئ كل يوم تقريبًا بمهزلة جديدة يطلقها البعض حول تعديل بعض القوانين التي تتعلق بالمرأة ومن ضمنها مواد داخل قوانين الأحوال الشخصية، مثل ما شاهدناه من تعديل على سن الحضانة والاستضافة، ومؤخرًا كان آخر ما جاء في الصحف هو تصريحات النائب/ أحمد سميح عضو مجلس النواب حول تقديمه مقترح لتخفيض سن زواج الفتيات بحيث يبدأ من سن 16 عاماً بدلاً من 18عام، مبرراً أن هذا التعديل يأتي في إطار إنشاء قاعدة بيانات صحيحة حول الزواج، نتيحة قيام بعض الطبقات بإيجاد طرق بديلة وبعيدة عن القانون لتوقيع الزواج لصغر سن الفتاة، حتى لا تضع الأسرة نفسها تحت طائلة القانون كأن يتم الاعلان عن الزواج واشهاره ويتم توثيقه عندما تتم الزوجة السن القانوني هذا على حد قوله!
لذا أعلنت جمعية نهوض وتنمية المرأة نرفض هذه التصريحات وما تحمله من أفكار، ونؤكد أن هذه الأفكار بمثابة إفتراء على حقوق فتيات مصر، ورفضنا كجمعية نهوض وتنمية المرأة ليس كلامًا مرسلًا بل هو مبنيًا على أساس خبرة ميدانية في العمل مع الأسر والفتيات في مختلف مناطق مصر لمدة تزيد عن 30 عامًا مع 375 ألف أسرة مصرية، بالإضافة إلى تعاملنا المباشر مع أكثر من 16 ألف فتاة كانت معرضة للزواج المبكر من سن 16 عامًا وأقل، واستطعنا من خلال برامجنا التنموية تغيير أفكارهنّ وذويهنّ تجاه الزواج المبكر، وبالتالي نجد أن تقليل سن الزواج ووضع إطار قانوني له ليس حلًا للحد من الطرق البديلة والبعيدة عن القانون لتوقيع الزواج التي يلجأ لها بعض الأهالي.
وأعربت جمعية نهوض وتنمية المرأة عن استنكارها بإنشغال “بعض” أعضاء مجلس النواب بتغيير قوانين تحمي أطفال مصر، فمن مصلحة من تزويج فتاة صغيرة لم تكمل تعليمها بدلًا من العمل على أن الزوجة والأم المستقبلية تكون متعلمة؟!، من مصلحة من هذه المحاولات التي يقوم بها البعض لتعطيل تقدم الشعب على الرغم من وجود موضوعات ذات أولوية وأهمية خطيرة في هذه الفترة الحرجة التي نمر بها الآن؟!، ولماذا يتم شغل المواطنين بقضايا ليست أولوية في فترة أمننا بخطر؟!
وتشدد على أن تزويج القاصرات يندرج تحت جريمة الإتجار بالبشر ويمثل تمييزا ضد الطفلة وانتهاكاً لأبسط الحقوق التي يقتضي أن تتمتع بها الفتاة، وله تأثيرات سيئة متعددة تطال مختلف جوانب حياتهنّ كأطفال، فقد أثبتت العديد من الدراسات المحلية والعالمية أن زواج الفتاة قبل الثامنة عشرة يجعلهن عرضة للإصابة بعدد من الأمراض حيث قد يعرضها الحمل المبكر إلى الإجهاض المتكرر أو الحمل خارج الرحم أو حتى العقم، كما أنه يؤثر سلبًا علي صحة الأبناء حيث يكون الجهاز التناسلي للنساء غير مكتمل والرحم في بداية نموه، مما يؤثر سلبا علي صحة المواليد ويصيبهم بالتخلف العقلي أو موتهم أو عدم اكتمال نموه.
كما أن الزواج المبكر للفتاة له تأثيره السلبي على العلاقات الأسرية لاحتمالية وقوع الطلاق، نتيجة تعدد المشاكل الأسرية الناجمة عن عدم نضج ووعي الفتاة، أو نتيجة الفرق الكبير في السن بين الرجل والفتاة أو لاحتمال حدوث الخيانة الزوجية.
وقد نصت الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة التي تطبقها مصر، بضرورة تحديد سن أدنى للزواج، نظرا لأهمية وخطورة الآثار المترتبة على سن الزواج، فالمادة الثانية من اتفاقية الرضى بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج نصت على أنه: “تقوم الدول الأطراف في هذه الاتفاقيات باتخاذ التدابير اللازمة لتعيين حد أدنى لسن الزواج، ولا ينعقد قانونا زواج من هم دون هذا السن”.
وتبدي جمعية نهوض وتنمية المرأة قلقها إزاء هذه الأفكار والتي من شأنها العودة بمصر إلى العصور الظلامية والجاهلية، وليس للنهضة التي ينشدها المهتمون بصالح البلاد، ونرى أنه من واجبنا كحكومة ومؤسسات وجمعيات أهلية تنموية نسوية القيام بجملة من السياسات والتدابير لضمان تمتع الطفلة بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية تمتعا كاملا ومتساويا، واتخاذ إجراءات فعالة ضد انتهاكات هذه حقوق وحريات فتياتنا.