بدأ الأمر حين قررت البحث عما إذا كان هناك مدارس للرقص العلاجي Dance therapy في مصر أم لا، وذلك بعد ترجمتي لمقال عن أهمية الرقص العلاجي
في اليوم العالمي للرقص .. كيف يجدد الرقص عقلك وبدنك؟
قادني بحثي لورشة العلاج بالحركة، تنظمها مؤسسة الرخاوي للصحة النفسية وتقدمها الطبيبة رضوى العطار، فاشتركت في الورشة واختبرت التجربة بنفسي.
كان الأمر مثيرًا للاهتمام وخاصة لمعرفتي المسبقة بتأثير الرقص إيجابيًا على الشخص.
قابلت الطبيبة رضوى العطار، خلال الورشة والتي كانت معظمها تعتمد على حركات نستخدمها في حياتنا اليومية، قالت د.رضوى: مررت بتجربة شخصية عانيت خلالها من صعوبات حاولت التخلص منها بأساليب عدة منها الأدوية.
كنت حينها أقوم بممارسة عملي ودراستي لكني لم أكن أشعر إني حية، وفي الفترة ما بين 2009 و2010 ،اشتركت في ورش رقص في مركز الرقص المعاصر عندما كان داخل دار الأوبرا، وكنت حينها لا أفقه شيئًا عن الرقص أو حتى أعرفه، كانت الورش تتضمنن دروس باليه ورقص معاصر وجاز، وبعد عدة شهور، شعرت بشيء مختلف يدب في داخلي، بالرغم إني لم أشعر بتغيير في مزاجي العام، لكن أصبح هناك تغييرًا في حياتي وظهر ذلك في حركتي بشكل عفوي وغير مقصود، ويمكن أن أقول إن هناك شيئًا تم إحياؤه في داخلي.
تابعت قائلة: استمريت لسنتين وإن كان مع بعض الانقطاعات، وحاولت تعلم رقصات مختلفة. ثم تسائلت هل هناك من يستخدم الرقص في العلاج؟ وكان هناك تغييرًا مستمرًا داخلي للأفضل. وفجأة ومن دون أي معرفة عن هذا الأمر-قررت البحث عبر الانترنت عما إذا كان هناك أنواع من الرقص تستخدم في العلاج النفسي، فعرفت بوجود مايسمى بالرقص العلاجي Dance therapy والمعروف في الولايات المتحدة باسم العلاج بالحركة والرقص dance movement therapy وهو أسلوب العلاج الذي أسسته الراقصة ماريان تشيس Marian Chace.
فعندما أسست ماريان مدرسة رقص، بدأ يتوافد عليها الكثيرين ممن لم ينووا التخصص في الرقص أو تقديم عروض، بل كانوا يطمحون فقط ليكونوا في حال أحسن، كما لاحظت إن الرقص يساعد الكثيرين في تجاوز مشاكل لديهم، الأمر الذي انتشر فدفع العديد من الأطباء النفسيين لإرسال مرضاهم لماريان تشيس لتساعدهم في تجاوز مشاكلهم النفسية. وبعد ذلك بدأت ماريان تشيس في دراسة علم النفس، وأطلقت في الأربعينات أسلوب العلاج بالرقص المؤسسة الأمريكية للعلاج بالرقصAmerican Dance Therapy Association.
منذ الستينات هناك وظيفة معالج بالرقص في المستشفيات بالولايات المتحدة وأوروبا، فبحثت في مصر، وجدت هناك ورش عمل مشابهة لكن ليست للرقص العلاجي ذاته، وكنت أحب إيطاليا والثقافة الإيطالية، فقررت أن يكون دراستي للرقص العلاجي في إيطاليا وتحديدًا في جنوبها حيث تتقارب ثقافتها بالثقافة المصرية، وكان لي زميل يدعى سيلفادوري من خلاله عرفت بالمركز الذي يعلم الرقص العلاجي في جنوب إيطاليا.
من خلال الدعم الماضي من والدي وأختي ومؤسسة الرخاوي، استطعت السفر إلى كاتانيا Catania بجنوب إيطاليا ودرست الرقص العلاجي، لذا أشعر أن كل من والدتي وسيلفادوري وأيضًا مؤسسة الرخاوي لهم الفضل عليّ في هذا المجال، ولهذا أحاول أن أقيم معظم ورشي مع مؤسسة الرخاوي عرفانا مني بجميلهم.
لجأت إلى محركات البحث فعرفت من ويكيبديا أن ماريان تشيس درست الرقص الحديث والكاريوجرافي “تصميم الحركات” مع تيد شون Ted Shawn أحد اوائل الرواد في الرقص الأمريكي الحديث وروث دينيس Ruth Saint Denis من رواد الرقص الحديث وقدمت الأفكار الشرقية إلى الرقص، وكانت تؤمن بتأثر العقل والجسم بعضهم بالبعض. وتأثرت بأبحاث كارل يونغ عالم النفس السويسري ومؤسس علم النفس التحليلي. وبعد اكتشافها لتأثير الرقص على طلابها، وتأثيره على المرضى النفسييين ، بدأت في دراسة الطب النفسي في مدرسة واشنطن للطب النفسي Washington School of Psychiatry.
أوضحت العطار أنها بدأت في تأسيس مجموعات للعلاج بالرقص في مارس 2016، كاشفةً عن نيرغبتها ها في الحصول على دعم من جهة معتمدة في مصر ليلجأ إليها طالبي تعلم أسلوب العلاج بالرقص، ليدرسوا فيها، ملمحة إلى أن الرقص العلاجي كسائر أساليب العلاج النفسي يحتاج لدعم من شخص أكثر خبرة، فالمعالجين النفسيين بشر أيضًا لذا يحتاجون من حين لآخر –على حد قولها- رأي شخص آخر في الحالات التي يتم معالجتها، مضيفة إن المعالج في بداية مشواره المهني يحتاج لمشورة المشرف على فترات متقاربة، لتبتعد أوقات المشورة بعد ذلك مع مرور الوقت وزيادة خبرة المعالج.
من خلال الورش تعلم العديد منا كيفية التعبير من خلال جسده، الأمر الذي يذكرني بثقافتنا كشرق أوسطيين، فنحن في مصر، والإيطاليين أيضًا يستخدمون أياديهم بكثرة عند الحديث، وهو مقارب لما فعلناه في تلك الورشة، ففيها استخدمنا أيدينا، وزدنا عليها أقدامنا ورؤوسنا، بل وجذوعنا أيضًا للتعبير عن أفكار ومشاعر بداخلنا.
أكدت د. رضوى العطار على صحة النظرية القائلة بتواصل العقل والجسم يتأثر كل منهم في الآخر، مشيرة إلى أن الرقص العلاجي يعتمد على مثلث العلاقة بين الجسم والعقل، والتواصل الغير لفظي بالحركه فقط، متطرقة إلى مقولة أن الإنسان عبارة عن روح يسكن جسد مؤقت ليغادره بعد الموت، مفسرة: “نحن نعالج الإنسان في هذا العالم ولا علاقة لنا بالعالم الآخر، ولأن الجسد يؤثر في عقل الإنسان وروحه فنحن نعالج من خلاله.”
أفادت أن الرقص موصوم لدى الكثير من شعوب العالم، بل من بعض المعالجين أيضًا، متابعة: يعتبر الرقص نوعًا من الحركة مثل المشي وحركة اليدين عند الحديث، فلو قلنا إن الرقص عيبًا فبنفس المنطق يعتبر المشي وحركة اليدين ضربًا من العيب أيضًا. ونحن هنا نستخدم الرقص في شيء مفيد، وهو ليس للمرضى النفسيين فقط بل لأي شخص أيضًا يريد تعزيز علاقته بجسده، وشرحت د.رضوى إن تعزيز علاقة الإنسان بجسده مفيد في زيادة الثقة بالنفس، وتعزيز التواصل مع الناس. وعي الشخص بجسده من خلال تواصله بجسده بأجساد الناس، ذاكرة جملة ماريان تشيس الشهيرة حول هذا الأمر “جسد وسط بقية أجساد”.
وعن قدرة الرقص العلاجي في الشفاء من الأمراض والمشاكل النفسية، أوضحت، إن الرقص العلاجي هو علاج مكمل وليس بديل للعلاج بالأدوية أو العلاج النفسي التقليدي، وهو ينتهج مبدأ علاقة الجسم بالعقل، أي التأثير على العقل باستخدام الجسم، وهو المختلف عن مبدأ العلاج بالأدوية أو العلاج النفسي التقليدي الذي يعتمد على التأثير على الجسم من خلال العقل، بمبدأ علاقة العقل بالجسم.
خلال الورشة، التي اشتركت في يومين منها ومن المقرر أن تستمر ثلاثة أيام، لم يكن الأمر بالنسبة لنا مجرد تعبير عن مشاعر وأفكار، بل كانت حركاتنا تحدث تفاعلات داخلنا وتخرج الكثير من المشاعر المدفونة والأفكار المنسية عن الذات. الأمر فعلًا يستحق التجربة.