في ظل احتفالنا اليوم، بنياحة أيوب الصديق والبار في جيله وفي عصره، الذي شهد عنه الكتاب أنه “ليس مثله في الأرض رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشر” (أي 1)، فحسده الشيطان وطلب من الله أن يمكنه منه ومن كل ماله، فسمح له الله بذلك ليعلمه بصبر أيوب وأنه سيكون مثالاً ونموذجاً لمن يأتي بعده.
كما يقول الكتاب عنه في (يع 5 : 11): “قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب”.
ففي يوم واحد، فقد أيوب بنيه وبناته ومواشيه وجميع ماله، وليس ذلك فقط بل ضربه أيضا العدو في جسده بالجذام من رأسه إلى قدميه وكان في ذلك جميعه شاكراً لله ولم يتذمر قط ولم يجدف على خالقه.
وهذا كل ما قاله “ليته هلك اليوم الذي ولدت فيه “(أي 3 :3).
وقال عن فقده أولاده : ” الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركاً”، وفي كل هذا لم يخطيء أيوب ولم ينسب لله جهالة ” (آي 1 : 21 و 22).
إن هذه الشخصية تُبهر جميع أجيال جنس البشر في صبره واحتماله بالرغم من كثرة آلامه وتجربته المريرة، لذلك تقوم بعض الكنائس برسم أيقونة لهذا البار؛ كتذكار له لكي نتشبه بإيمانه واحتماله لأتعاب الدنيا وشدائدها.
ومن هذا المنطلق تحدثنا مع الفنان التشكيلي المبدع “مايكل يعقوب”، الذي قام برسم العديد من الكنائس منها جداريات وأيقونات كنيسة مارمينا والملاك سوريال بالعمرانيه التابعة للإيبارشية الجيزة، حيث قام الفنان برسم جدارية للبار “أيوب الصديق” التي رسمها على أحد بلكونات الكنيسة.
وشرح لنا الفنان مايكل سبب اختياره لرسم أيقونة أيوب البار قائلاً: “إنني قمت برسم الكنيسة في 2015، حيث كان بها مساحات واسعة، فقمت برسم بانوراما لأحداث وشخصيات العهد القديم، المحفورة قصصهم في أذهاننا، ودائما أقوم برسم إبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى وداود وغيرهم العديد من الشخصيات البارزة، لكن لكبر حجم مساحة تلك الكنيسة، فقد قمت برسم أيقونتين لبعض الشخصيات السابقة كما آضفت أيقونة “أيوب البار” مع رسومات البانوراما.
الفنان مايكل يعقوب يشرح لـ”وطني” تفاصيل الأيقونة، وأهمها:
– لماذا لا نجد صور لأيوب في الكنائس إلا نادراً؟!
= لأن الفنان يركز اكثر على رسم الأنبياء المشهورين بالعهد القديم، معتمداً على معرفة الناس لهم من خلال صورهم التي اعتادوا على رؤيتها.
أما أيوب فبالرغم من أن الكثير يعلم قصته، لكنهم لم يعتادوا على رؤيته في أيقونات، ويخشى الفنان رسم صورة لأيوب لكي لا تكون النتيجة هو عدم معرفة الناس للشخصية المرسومة بداخل الأيقونة، لذلك لا يرسمه الكثير من الفنانين في الكنائس إلا نادراً جداً.
– حدثنا عن الأيقونة وما الدافع من رسمها؟
=إن ما دفعني لرسم الأيقونة هو إنني وجدت تلك الصورة ذات طابع قوي ويدل على مدى تعب أيوب وصبره، ويسهل معرفة شخصية أيوب بالرغم من بساطتها، وقد لفت نظري شخصية أيوب وجسمه الكاهل، فقررت رسمها على الفور، وذلك فرصة لنتذكر شخصية هذا البار لنقتضي به في حياتنا.
– اشرح لنا مراحل رسم الأيقونة ومساحتها.
=لقد قمت برسمها أولاً على القماش، ثم قمت باختيار ألوانها لكي تتماشى وتتناسق مع الوان الأيقونات الأخرى من بانوراما العهد القديم، ثم قمت بشد الأيقونة على جدار البلكون، وتبلغ مساحتها 2.5 × 1.5 متراً.
-صف لنا الصورة وما تحويها من رسومات وتعبيرات فنية تعكس حياة أيوب البار.
=إن الصورة تضم أربعة أشخاص، وهم : “أيوب وامرأته وثلاثة من أصدقائه”.
ويظهر أيوب بجسم نحيل، بالكاد يقدر على الحركة، كما يظهر وهو مجرد من الملابس وتستره قماشة بيضاء بدلاً من ملابسه الفخمة التى كان يرتديها من قبل الضيقات التي مر بها في حياته، وذلك يعبر عن أنه فقد كل شيء حتى ملابسه الفاخرة.
كما تظهر في الصورة أيضاً “امرأته” التي كانت تجلس في خلفية الصورة، وهي تنظر إليه بعدم اقتناع عن شكره لله بالرغم من ضيقاته وأتعابه الكثيرة.
أما أصدقاء أيوب فيظهر منهم من ينظر إليه بنظرة الشفقة. ومن بينهم الأصدقاء الذين يرتدون ملابس فاخرة ويتهامسون عليه وينظرون إليه بشيء من السخرية.
-هل ستقوم برسم تلك الأيقونة في أي كنيسة مرة أخرى؟
=بالطبع نعم ولكن سأقوم ببعض التغيرات في رسمها، ويرجع ذلك لأنها كانت أول صورة أقوم برسمها عن أيوب، ولم أضيف إليها سوى بعض التغيرات في الألوان لتتماشي مع بقية الجداريات.
وسأقوم برسمها بأسلوب حديث لتظهر امرأة أيوب وأصدقاءه بهيئات مختلفة، أما أيوب فهو معبراً جداً عن شخصيته في الأيقونة.
-ما الذي يجذبك في شخصية أيوب؟
=إن ما يجذبني في شخصية أيوب هو صبره واحتماله على كل هذه التجارب والضيقات، خاصة أنه كان ذو شأن كبير في المجتمع، ومهما تخيلنا كم الشقاء الذي واجهه في تلك الفترة من حياته، فلا أعتقد أن أحد سيتحمل ما تحمله هذا البار، ومهما قابل الشخص من ضيقات في حياته؛ فهذه لا تقارن أبداً بضيقات أيوب “سواء فقدان الأبناء أوالثروة أو الابتلاء بمرض معين”. فهذا الرجل مر بجميع أنواع الآلم والضيقات العظيمة.
واحتملها بكل صبر وشكر، وكان يملك إيمان قوي وعجيب بأن كل ما يحدث له هو لحكمة من الله وبالفعل كشف الله للشيطان مدى إيمان وبر أيوب، وقد عوضه الله أضعاف ما فقده.
إن شخصية أيوب تعلمنا الصبر على ضيقات وأوجاع العالم، ويجب أن نتحلى بصفاته في الاحتمال وخير ما اختتم به هذا الموضوع هو كلمات أيوب البار أثنار حديثه مع الله في نهاية الآلم قائلاً : “قد علمت أنك تستطيع كل شيء ولا يعسر عليك أمر. فمن ذا الذي يُخفي القضاء بلا معرفةٍ! ولكني قد نطقت بما لم أفهم. بعجائب فوقي لم أعرفها. أسمع الآن وأنا أتكلم. أسألك فتعلمني. بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن رأتك عيني.” (أيوب42: 2ـ 5).
ويقول الكتاب المقدس في (أيوب 42 :10 ، 12، 16): ورد الرب سبي أيوب لما صلى لأجل أصحابه وزاد الرب على كل ما كان لأيوب ضعفاً. وبارك الرب آخرة أيوب أكثر من أولاهُ. وعاش أيوب بعد هذا مئة وأربعين سنة ورأى بنيه وبني بنيه إلى أربعة أجيال .
Discussion about this post