قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (631)
مثلما اهتز ضمير المصريين إزاء بشاعة تفجيري أحد السعف في كنيسة مارجرجس بطنطا, ومن بعده في كنيسة مارمرقس بالإسكندرية… انتفضت الدولة المصرية لتتخذ من التدابير ما يتكفل بإطلاق يد الردع والضرب بصرامة علي مؤامرات الإرهاب الذي يستهدف الأقباط وكنائسهم أولا ومن بعدهم تماسك الشعب والشرطة والجيش ومن بعدهم كرامة الدولة وسيادتها.
في تحرك سياسي يعكس استشعار فداحة الحدث يدعو رئيس الجمهورية مجلس الدفاع الوطني لاجتماع طارئ يتقرر علي أثره إعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر, وتشكيل المجلس الأعلي لمكافحة الإرهاب والتطرف في مصر المناط به إقرار السياسات ومتابعتها من أجل ضبط الانفلات الإرهابي والتطرف علي كافة الأصعدة الدينية أو التعليمية أو الإعلامية أو القانونية.
ولم تكد تمضي 24 ساعة حتي وافق مجلس النواب علي قرار رئيس الجمهورية رقم 157 لسنة 2017 بفرض حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد من الساعة الواحدة بعد ظهر الاثنين 10 أبريل ولمدة ثلاثة أشهر ليتمم بذلك الاستحقاق الدستوري, ويطلق يد أجهزة الدولة في اتخاذ ما تراه ضروريا لتعقب الإرهاب وفرض الأمن… وعلي رأسها انتشار القوات المسلحة في المدن والمناطق العمرانية للتنسيق مع قوات الشرطة في فرض صولجان القانون واستتباب الأمن ومنع الجريمة والقضاء علي الإرهاب.
استرعي انتباهي في قراءة لتقرير اللجنة العامة بمجلس النواب المرفوع للمجلس بشأن إعلان حالة الطوارئ عدد من الملاحظات توقفت عندها:
** في ضوء الأحداث الإرهابية التي شهدتها البلاد يوم الأحد الموافق 9 أبريل 2017 والمتمثلة في التفجيرين الواقعين بكنيسة مارجرجس بطنطا وكنيسة مارمرقس بالإسكندرية وما أسفرا عنه من وقوع ضحايا في صفوف المواطنين الأبرياء وقوات الأمن, بالإضافة إلي الإصابات… وفي ضوء ما تموج به المنطقة من أحداث ومشكلات دولية, فضلا عن محاولات بعض القوي الإقليمية التدخل في الشأن المصري وظهور تنظيمات وخلايا تعمل لصالح هذه القوي في الداخل المصري مهددة الأمن والأمان… فلا سبيل لمواجهة هذه الموجات الإرهابية المنظمة إلا بأدوات خاصة رادعة. ولا يسعني في هذا الصدد إلا أن أكرر أنني علي ثقة من أن أجهزة الدولة المصرية تعرف وتستطيع تحديد كل القوي التي تتآمر علي بلادنا وشعبنا سواء كانت جماعات إرهابية أو دولا خارجية أو دويلات متاخمة لحدودنا الشمالية الشرقية, كما أثق أن تحديد كيفية وتوقيت التعامل مع تلك القوي الشريرة أمر تحدده اعتبارات الأمن القومي المصري وحدها.
** تري اللجنة أن عمل قوات الأمن في ظل قانون الطوارئ سيمكنها من تفكيك العديد من التنظيمات الإرهابية وتجفيف منابعها ومصادر تمويلها وكشف خطوط اتصالها بالخارج, ودرء مخاطرها قبل وقوعها… ويتضح جليا من هذه الديباجة أن هناك حاجة ماسة إلي سد ثغرات كانت في الأحوال العادية -قبل حالة الطوارئ – تغل يد الأجهزة المسئولة عن سرعة الرصد والتعقب والتدخل للتعامل مع حالات الاشتباه, الأمر الذي طالما حرمها من التدخل الاستباقي لقطع الطريق علي الإرهاب والجريمة وحصرها في إطار رد الفعل.
** نظم قانون الطوارئ -القانون رقم 162 لسنة 1958- في مواده العديد من الضمانات القضائية التي تحول دون أن تكون التدابير المتاحة لمجابهة الإرهاب ودرء مخاطره سيوفا مسلطة علي حقوق المواطنين وحرياتهم بذريعة مواجهة الإرهاب, فحريات المواطنين مصونة دستوريا… وقد شعرت بارتياح لحرص اللجنة علي التأكيد علي ذلك ردا علي حملات التشكيك التي أثيرت فور الإعلان عن فرض حالة الطوارئ من سائر التيارات التي تندفع للتعبير عن قلقها علي حقوق وحريات المواطن المصري والذود عنها, بينما هي لا تقلق أبدا علي حقوق وحريات المواطن المصري التي تمتهن وتستباح وتغتصب علي يد الإرهاب في شتي صوره داخليا وخارجيا… الإرهاب الديني… والإرهاب التعليمي… والإرهاب الإعلامي… والإرهاب المسلح العابر للحدود والأنفاق… وتلك هي المهمة الوطنية الملقاة علي عاتق المجلس الأعلي لمكافحة الإرهاب والتطرف.