-أيام من الخوف والرعب ونيران الموت كانت سبب رحيلهم من العريش
-أهالي العريش : نرغب في العودة لمحافظتنا ولكن من سيضمن لنا الأمن والاستقرار
استقبلت الإسكندرية الأحد الماضي، عشر أسر قادمة من العريش تاركين، منازلهم، ممتلكاتهم، وظائفهم، مناصبهم، ذكرياتهم، وأحلامهم في مدينتهم.
كان الرحيل هو الخيار لوحيد أمامهم، فمُر التشرد أهون من مُر الفقد، ومشهد الدماء المبعثرة على حبات رمال أرضهم المقدسة، التي اغتالتها الجماعات المتطرفة، مستهدفة الشرطة والجيش والأقباط.
التقت “وطني” ببعض الأسر النازحة، إلى الأسكندرية، وفي البداية سرد “ج.ع”، مدير عام بالتربية والتعليم، على المعاش، حكايته قائلًا :”عشت في مدينة رفح منذ 1982 حتى تعرضت لعملية خطف عام 2012 من قبل تكفيريين، وقد أنقذتني العناية الإلهية من أيديهم أنا وابني، وبعد ذلك تلقيت عدة تهديدات بمغادرة المكان. وكان لدى تجارة و محل بقالة برفح، فقررت الرحيل إلى مدينة العريش، وذلك عام 2013 أنا وأسرتي المكونة من زوجتي وأولادي الثلاث.
وكانت الحياة مستقرة بالعريش وهادئة وكان لدي محل للأجهزة الكهربائية، وبيت، و قطعة أرض، وعلاقاتي بجيراني المسلمين هناك طيبة، وكنا نعيش في سلام إلى أن ظهرت الجماعات التكفيرية في الشهور الأخيرة واستهدفهم الأقباط”.
وتابع :”عشنا أيام من الفزع والخوف والقلق، ولم نخرج من منازلنا ولم يستطع أبنائي الذهاب إلى وظائفهم، فأصبحت الحياة غير آمنة، ننتظر الموت في أي لحظة، فقمت بتصفية تجارتي وتركت منزلي وأرضي؛ خوفا على حياة أبنائي وجئت إلى الإسكندرية، حيث أن لدي بعض الأقارب هنا، آملًأ في العودة مرة أخرى إلى منزلي وأرضي بالعريش”.
كما سرد “ر.ح”، مدرس بالتربية والتعليم في العريش، حكايته قائلًأ :”أعيش بمدنية العريش منذ طفولتي، فقضيت 34 عامًا، كونت منزلًا وتزوجت وأنجبت”.
وتابع:”العريش قبل ثورة يناير 2011، كانت مدنية رائعة هادئة، والمسلمون والأقباط هناك يعيشون في سلام ومحبة، وبدأت شعلة الموجات الإرهابية هناك منذ حريق كنيسة رفح في يناير2011.. وبدأ حال المدينة يتغير، فهذه ليس العريش التي نعرفها منذ طفولتنا، فضلا عن أن الشهور الماضية بدأت موجات الإرهاب التي استهدفت الأقباط.
ووصف مشهدًأ كان الأكثر تأثيرًا بالنسبة له، حيث قال:”بعد أن شاهدنا قتل أبونا مينا عبود، الذي كان يقود سيارته، واستوقفه الإرهابيون خلف مطافي المساعيد بالعريش شمال سيناء، و قتلوه، وألقوا بجسمانه على الأرض. والقس رافائيل موسى، الذي اغتالته يد الإرهاب بالعريش بالرصاص، بعد خروجه من الكنيسة.
وكان ذلك هو بداية استهداف الأقباط في العريش، فعشنا أيام من الفزع والخوف، فقد كنا نتساءل كل صباح، هل سنعود إلى أولادنا مرة أخرى؛ لذا قررنا الرحيل من العريش تاركين منزلنا بأمتعته آملين في العودة مرة أخرى”.
وقال إنهم الآن يعيشون بسكن مؤقت، قامت محافظة الإسكندرية بتأجيره لهم.
وتكمل زوجته “ن. ف”، حكاية رحيلهم عن وطنهم، قائلة :”كنت أعمل محاسبة بالإدارة التعليمية بالتربية والتعليم والعريش. فأنا ولدت بالعريش ولم أخرج منها من قبل إلا في فترة الدراسة الجامعية فقط”.
وتابعت :”اغتالت يد الإرهاب عمي وابن عمي، من هنا بدأ الرعب يقذف في قلوبنا، كنا نخاف الذهاب إلى العمل، خاصة وأن أغلب التكفيريين بسيناء، يعملون كسائقي تاكسي، فضلًأ عن أنه كانت هناك أخبار متداولة في العريش تقون إن التكفيريين لديهم قائمة بأسماء الأقباط وبياناتهم وأماكنهم لتصفيتهم، فلم نكن نتوقع أن الأمر سيتأزم إلى هذه الدرجة، فلم يكن لي خيار أنا وزوجي وأطفالي إلا الرحيل، أنا لا أفكر في العودة مرة أخرى، فمن الذي يضمن لي حياة آمنة، من يمكث بالعريش عليه أن يمكث على مسؤوليته”.
ويقول “م. ن” موظف بإحدى الجهات الحكومية بالعريش :”عشت طفولتي وتزوجت بالعريش، ولكن الوضع الآن غير آمن إطلاقا.. كيف أستطيع أن أترك زوجتي وأذهب إلى عملي في ظل هذه الأجواء، فبعد أن شاهدنا اغتيالات أصدقاءنا ومعارفنا دون أي ذنب، والدكتور بهجت الطبيب البيطري الذي تم اغتياله تاركا أسرة وراءه”.
وتابع :”بعد أن انتشرت الجماعات التكفيرية المسلحة في العريش، تبدلت الأحوال وأصبحنا ننام ونستيقظ على أصوات التفجيرات ونشم رائحة الدماء بالشوارع، وتحولت البلدة من مدينة هادئة مستقرة إلى مدينة للخوف والرعب.. جئت إلى الأسكندرية أنا وزوجتي بعد أنا أذت أجازة من عملي عند أهل زوجتي، ولكن هذه إقامة مؤقتة فلم نعرف ما هو مصيرنا وهل نعود إلى العريش مرة أخرى ومن يضمن لنا سلامتنا واستقرار الأحوال هناك ونحن الآن نقيم عند أهل زوجتي بصفة مؤقتة.
وفي سياق متصل كلف محافظ الإسكندرية الدكتور محمد سلطان الدكتورة سعاد الخولي نائب محافظ الإسكندرية، بالالتقاء بالأسر المسيحية؛ لتلبية كافة مطالبهم والعمل على تذليل كافة العقبات التي تواجههم وتيسير حصولهم على جميع الخدمات، التي تكفل لهم حياة كريمة.
ومن جانبها، استقبلت الخولي الأسر الأحد الماضي واستمعت إلى كافة مطالبهم، مؤكدة على أن جميع تنفيذي المحافظة على أتم استعداد لتسهيل كافة إجراءاتهم ومتطلباتهم.
وعلى الفور، وجهت مديري مديريات التموين والصحة والمرور والتعليم والمعاشات والتضامن الاجتماعي بسرعة تنفيذ توجيهات المحافظ بتقديم الخدمات المطلوبة لهم وإنهاء كافة مشكلاتهم في أسرع وقت، وكذا حل المشكلات المتعلقة بجهات عملهم بالعريش.