روايات تحكى بالدموع عن رحلة معاناة أقباط العريش، لكل أسرة تاريخ بمدينة عاشوا فيها أجمل أيام العمر، ولكن كل شىء يتبخر فى أيام قليلة ويتحدد مصيرهم بيد جماعات إرهابية ،لم تخيرهم سوى بالرحيل أو الموت، دموع وبكاء وحسرة ومستقبل مجهول للأسر المهجرة التي هربت بعد استهداف الأقباط ،وقتل 7 بطريقة وحشية في أسبوعين.
اكثر من 180 أسرة تعيش في مساكن إيواء ببيوت شباب وشقق سكنية بشكل مؤقت، بمحافظتي الإسماعيلية وبورسعيد، فضلاً عن الأسر التي لجأت إلى محافظات أخرى لدى أقاربهم، ينتظرون ماذا ستسفر الأيام المقبلة التي ستحدد مستقبلهم..
موت وخراب ديار
لم تكن “أنجيل جرجس عطية” 65 عاما سوى سيدة كتب عليها ان تحمل احزان لا تقدر فقد فقدت زوجها” الشهيد عطية شحاته عطية”، متقاعد بسلاح المشاة، في حادث تفجير منزلهم، ليلة العيد في يناير الماضي.
فيقع منزلها بجوار كمين المطافئ والذى كان يتعرض للاعتداءات وكان زوجها يرفض مغادرة منزله ، ولكن فى الوقت الذى يستعد فيه الجميع لفرحة العيد استقبلت “أنجيل ” العيد بصراخ عندما سمعت صوت انفجار شديد، وكانت داخل الحمام لتخرج وتجد الانفجار طال منزلها وزوجها ملقي على الارض غارق فى الدماء وهى تقول “”ملحقناش نعيد ولا نفرح”.
بعد الحادث انتقلت السيدة “أنجيل” للعيش مع ابنتها الكبرى أيضا بالعريش ،ولكن كتب عليها ان تغادر المدنية بعد ان غادر زوجها الحياة وتقول أنجيل : الارهابين معاهم قايمة فيها أسماء كل الاسر الميسحية في العريش، وكان يتم التخطيط ومراقبة الاقباط ومكنش فى أمن داخل المدنية ،لانهم كانوا بيستهدفوا الشرطة والجيش ،ولكن أحنا بندفع ثمن حبنا لبلدنا وهم كانوا دائما يقولوا لنا مش أنتوا انتخبتوا السيسى ،والنتيجة النهائية اننا بنتهجر غصب عننا من بيوتنا وأراضينا.
أرحلوا ولا قطعت رقبتكم
وفى بيت التضامن التكوين المهنى جلست “لورنس أنيس” وبجوارها زوجها “عماد الدين شحاتة” ، وهى تروى لحظات الرعب وهم يعيشون بمنطقة المساعيد وتقول : عشنا طول حياتنا بالعريش فى عز الحرب مع اسرائيل، أحنا فضلنا قاعدين لان كان حرب جيوش لكن دلوقت الحرب مع عدو وجماعات زى الاشباح ، ولهم خطط كبيرة فى مراقبة الكمائن والمنازل ،وكانوا بيدخلوا على الناس وهم بيلبسوا ملابس الجيش علشان كده الناس مش بتعرفهم وبيكونوا ملثمين ، وبعد قتل 7 اقباط مكنش عندناحل غير أننا نهرب من الموت .
وتابعت “لورنس ” ان الارهابين توجهوا للاقباط بعد أن قام الجيش بمحاصرتهم فى جبل الحلال، فلم يكن امامهم سوى ضرب الاقباط .
وكشف زوجها انه بعد مقتل “كامل رءوف” قامت الجماعات الارهابية بتوزيع منشورات على منازل الاقباط كتبت فيها ” أرحلوا غدا أو ستعلق رقبتكم على المنزل يا صليبى “،و وهم بعد رحيل الاقباط وقفوا سيارة مدرسات وهددوهم بالقتل اذا لم يرتدوا النقاب ، وعلشان كده ناس الوادى الي جايين من الصعيد بيقولوا ” خلصوا على المسيحيين والدور علينا” ، فالعريش غير أمنة الان .
حبس داخل المنازل
“متى معوض “موظف بالشباب والرياضة ولديه محل إصلاح أحذية قال : بعد قتل أستاذ جمال توفيق شعرنا ان الدور قادم علينا ، فلم اخرج من المنزل لمدة 5 ايام ،وظلينا قاعدين نسهر طول الليل ،ونراقب الشارع ومش عارفين نشغل الاضاءة علشان محدش ياخد باله أننا موجودين ، ولكن مكنش عندى حل غيرأن أنزل افتح المحل علشان لقمة العيش ، ولكن مكملتش ساعتين وقفلته تانى بعد ما شوفت سيارة فيرنا سوداء تقف وتراقبنى ،فقلت عمرنا مش رخيص ورجعت البيت تانى ، لحد ما قتل “سعد حكيم” وابنه وبعده “كامل رؤوف “فمكنش قدمنا حل غير الهروب لحماية اولادى ، وأحنا عايشين فى بيت التضامن وبنشكر المسئولين لاستقبالنا ، لكن مهما يقدم لنا مش هيكون زى بيتنا ،وأحنا نفسيتنا تعبانه ومش قادرين ننسى اللى حصل لنا من مهانة .
الطيور هتموت
زوجة “عادل المنياوى ” تعيش فى حى “الصفا” ولديها 4 فتيات وولدين ، جلست بالكنيسة الانجيلية وهى تبكى لاسيما بعد أن سمعت أخبار غير مؤكده عن بدء سرقة منازلهم بالصفا ، وظلت تتحدث : أحنا عايشين فى عذاب من يوم الثورة ،كل يوم نسمع عن موت مسيحى ،وخطف أخر وبقينا خايفين على بناتنا ،فخليت بنتى الكبيرة تسافر تقعد فى مصر ،واللى معايا محدش كان بيخرج ، لحد ما قتلوا 7 أقباط سبنا كل حاجة وهربنا .
الزوجة تعود لتبكى وتقول : أنا كنت بربى طيور فى البيت سبتها ومعرفش أزاى هتفضل حية ومفيش حد هيراعها ، وخايفة على البيت انه يتسرق وفيه جهاز بنتى ، وكل شقى عمرهم ، وأحنا مش عارفين هنرجع أمتي وعايشين مشردين ومش عارفين ليه بيحصل فينا كده ، كل يوم حتى الكنيسة عندنا مكناش عارفين نروح نصلى فيها ، وانا خايفة يحرقوا الكنيسة عندنا لان مفيش حراسة عليها .
تهديد للسائقين
يسير “نظمى” البالغ من العمر 70 عاما وهو كفيف ويمسك به ابنه وهو يجلس يتحدث عن اهمالهم ويقول : مكنتش هستنى لحد ما أبنى يتقتل علشان كده هربنا بعدما أصبح الاقباط هدفهم ، وكانت التهديدات الأول عبارة عن رسم صليب على أبواب البيوت، لحد اللي وصلنا له ، وبقى القتل على “عينك يا تاجر”، حتى أنهم هددوا السواقين بالموت لو ركبوا اى مسيحي معاهم .
ذبح الاقباط
يجلس “عادل شكرى” وهو مدرس بالتربية والتعليم ويقارن ما كان يسمعه عن سوريا والعراق بما تعرضوا له من عمليات تهجير ، فهو يعيش فى حى “الصفا” يتحدث بغضب شديد قائلا :قتل الاقباط أصبح حلال ومباح لهم ، خاصة بعد توجيه الجيش لضربات للارهابين بجبل الحلال ،فلم يجدوا سوى الاقباط وهم الفصيل الضعيف لاستهدافهم .
وتابع “عادل” ان العريش ظهر به شخصيات كثيرة ليست مصرية سواء فى الشكل أو اللهجة ، وبعضهم فلسطينيين وسوريين .
وقال “عادل البباوي ” أحد تجار بالعريش أن اسمه كان على قوائم الموت التي أعلنتها الجماعات الإرهابية ، وتضم 40 قبطيا وأسرهم، ولكن لأنه يوجد بجوار كمين للجيش فلم يتمكن الإرهابيون من قتله، مشيرا إلى أن جاره المسلم رفض أن يتركه، فقرر أن يسير معه من العريش حتى الإسماعيلية، لكي يدافع عنهم إذا اعترض طريقهم الجماعات الإرهابية.
الاطفال : مش عازين نرجع
أصيب الاطفال بحالة من الذعر رافضين العودة للعريش فالطفلة” مريم ” 10 سنوات ترى ان ما شاهدته من رعب وقتل جعلها لا تخرج من المنزل وتسمع طوال الوقت طلقات نارية، حتى أنها تقوم مفزوعة وأنها لا تريد أن تعود للعريش مرة اخرى ، وترى انه أذا عادوا سوف يتم قتلهم .
لماذا نقتل
أما “قدري فارس” 70 عاما وقف بنبرة قوية يتحدث ويتسائل لماذا يقتل الاقباط ؟! فنحن لم نتعرض لمثل هذة الاحداث من قبل، ويتسائل هل يدفع الاقباط الثمن ويقتلون لمجرد أنهم يدعمون الرئيس السيسي في الانتخابات؟!، مضيقًا أنه لا يصدق أن بعد 70 عاما يعيش في سيناء في أمان يأتي الوقت الذي يهرب فيه من أرضه وبيته خائفا مطاردا من الإرهابيين.
وتابع ان الارهاب ليس وليد اللحظة ولكن نتيجة اهمال لسنوات طويلة لسيناء ، فضلا ان فتح معبر رفح يأتى دائما بكوارث وعندما نعلم بفتح المعبر نعلم أن هناك كارثة قادمة ، وتسائل بكل حسرة هل بعد هذه السنوات نترك العريش بهذة الطريقة؟!
قتل وحرق مشهد لا يوصف
“عبير سعد” فقدت اثنين من أعز الناس لديها، شقيقها ووالدها، اللذين قُتلا بدم بارد أمام عينيها وعيني والدتها، واضطرت إلى الفرار من جحيم الجماعات المسلحة ليستقر بها الحال في نُزل الشباب بالإسماعيلية، مع أسر أخرى تحمل نفس المآسي.
تقول “سعد” يوم الثلاثاء قبل الماضى كان كل شيء يسير عاديا قبل أن نسمع طرقًا على الباب، وعندما فتح شقيقي فوجئنا بعدد من الإرهابيين ملثمين يحملون الأسلحة الآلية والطبنجات يقتحمون المنزل
وتابعت: لن أستطيع أن أصف حجم الرعب الذي انتابنا، فقد قاموا بتقييد شقيقي ثم قتلوه دون أن يهتز لهم جفن، وعندما خرج والدي على صوت الرصاص قتلوه هو الآخر دون رحمة، وقاموا بسرقة محتويات المنزل من أموال وذهب.
لن تسنى السيدة “نبيلة فؤاد” ، ما شاهدته امام عينيها عندما قتل الارهابيون زوجها وابنها ، وحرقوا جثتهما والمنزل ، فتقول أن الجماعات الإرهابية تمنع دفن أي قبطي في العريش، ووزعت منشورات على أهالي المدينة تفيد بذلك، كما أن التنظيمات الإرهابية هدمت المقابر الخاصة بالأقباط، وهو ما جعل السيدة أن تلجأ لدفن زوجها في مدينة السويس قبل نزوحها إلى الاسماعيلية ،وظلت السيدة تبكى وتروى لحظات الرعب وكيفية هجرة الاسرة جميعها وهي مكونة من 20 فرد وكيف أصبح الامر لديهم كابوس.
انفجار دائم
قال “رضا أنيس عبدوس”، البالغ من العمر 65 عامًا، يعمل مدير عام بالشئون الاجتماعية، إنه يسكن هو وأسرته بجانب كمين الحلفاء بالعريش، الذي يشهد وقوع انفجارات يوميًا، وأن هذا آثر عليه وعلى أولاده بشكل سلبي.
وأضاف : أحنا طول الليل مش بنام من صوت الانفجارات، عيالي بيصحوا كل يوم مفزوعين ويفضلوا يصرخوا، وفي مرة زجاج الشبابيك وقع ، والعيال صحيوا من نومهم يصرخوا وعلى لسانهم يا بابا أحنا هنموت.
” رضاأنيس ” يرى ان عودتهم للعريش مستحيلة لانه يعلم أن الاوضاع لن تستقر فمنذ ثورة يناير والارهاب مازال منتشر بالمدنية ، وانه حزين لترك حياته وكنيسته ولكن يرى انه لا شىء يعوض عن الابناء رغم انه غير قادرعلي التأقلم على الوضع الحالى ولكن هذا هو قدرنا علي حد تعبيره .
وأكد أن قتل الأقباط في العريش لم يكن بالجديد ولكن تلك المرة عنيفة عن كل ما سبق، حيث أن 7 منهم استشهدوا في اسبوع واحد، وطريقة القتل اختلفت عن قبل، حيث بدأوا يهجمون على المنازل ويقتلون من بها ويحرقونها فيما بعد، قائلًا : طول الاسبوع الي فات انا صاحي 24 ساعة مبنامش عشان احرص عيالي ، ولكن نحن الان فى مصير المجهول ،وأتمنى ان يقضى الجيش على الارهاب لان ما حدث ضربة للوطن .
أسرة بالمحلة
اما “شوقى يونان ” مدير عام بمصلحة الضرائب بالعريش لديه ابنان متزوجان وعندما بدأ استهداف الاقباط خرج مع ابنائه ، ويعيش الان عند اقاربه بمحافظة المنوفية ،بينما يعيش أحد ابنائه بمدنية المحلة لدى حماته ، و يعيش شوقي عند قريبه فى شقة بها 9 افراد ، وأوضح انه لا يمكنه الانتظار طويلا فى هذا الوضع ، أو يثقل على غيره ولكنه لا يعلم كيف يتصرف اذا ما امتدت لفترة لوقت طويل.
عائلة الشهيد عادل شوقي
وتعيش عائلة الشهيد “عادل شوقى “المكونة من ثلاثة أسر فى معسكر القرش بالاسماعيلية، ويتحدث”عطية عادل شوقى ” أن حياتهم كانت مستقرة بالعريش حتى تم قتل والدهم ، فغادروا الى محافظة أسيوط واقاموا فترة لدى بعض الاقارب ،ولكن لم يستطيعوا الاكمال لاسيما ان لديهم ابنائهم بالمدارس فتوجهوا للاسماعيلية ، لبحث حل ازمتهم ، مشيرا أن أسرته تعانى من متاعب نفسية بسبب ما تعرضوا له ، وأبن شقيقه يمر بحالة نفسية سيئة حتى انه يجلس لوحده بالمعسكر ،ويرفض الحديث مع أي شخص ،ويظل طوال الوقت فى حالة صمت .
والدة الشهيد وائل يوسف
تجلس والدة الشهيد “وائل يوسف” واسرتها داخل الكنيسة الانجيلية ،ورغم ما تعرضت له من تجربة قاسية لقتل ابنها دخل متجره باطلاق النيران عليه ، فهي تمتلىء بالايمان وتثق انه فى السماء .
وتعود لتقول : لا استطيع أتصور ما نتعرض له وقتل أبنى من قبل الملثمين ،والذيين بعدما قتلوه قاموا بشرب المياه الغازية والشيبسى ،ولم يتحرك أحد للتصدى لهم ، فالوضع فى العريش أصبح خارج السيطرة لجماعات لا تعرف شىء سواء الدماء .
عزيزي القارئ شاهد معنا المزيد من شهادات الأقباط على رابط الفيديو
[T-video embed=”Neaa2SxniD8″]