قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (615)
منذ أسس أنطون سيدهم وطني في ديسمبر 1958- وينقضي هذا الشهر 58 عاما علي عمرها الصحفي- كانت وستظل منبرا إعلاميا وتنويريا تحمل رسالة تجاه الوطن والأقباط.. لم تكن وطني مشروعا تجاريا خاضعا لاعتبارات الربح والخسارة بل تجاوزت ذلك وجاهدت عبر ستة عقود لخدمة رسالتها متخطية تحديات كثيرة ومعتمدة علي محبة وثقة قرائها في مساندتها علاوة علي التزامها بسياسات متوازنة بين الإيرادات والمصروفات لضمان الاستمرار وعدم التعثر.
وكأي مؤسسة صحفية لم تنج وطني خلال السنوات الماضية من تبعات الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالسوق وأدت إلي الارتباك والانكماش في معظم قطاعات الإنتاج والأعمال مما كان له نتائجه السلبية علي نسبة النمو وانحسار حجم الإعلانات التي تشكل العمود الفقري لموارد أي صحيفة بجانب إيرادات التوزيع.
ولأن وطني تعلي رسالتها فوق اعتبارات الربح والخسارة لم تلجأ إلي معالجة انكماش الإيرادات بالاستغناء عن جزء من مواردها البشرية بغية تخفيض الأجور والمصروفات, بل جاهدت طويلا لامتصاص الخسائر المتتالية والمتراكمة في ميزانياتها عبر أكثر من خمس سنوات مضت.. ولعل من سبق له أن اطلع علي ميزانيات وطني لم يفته ملاحظة أن البندين المؤرقين المتصدرين عناصر المصروفات هما بندا الأجور وتكاليف طباعة الجريدة.. علما بأن وطني مثلها مثل كثير من الصحف تتم طباعتها لدي مؤسسة الأهرام -وذلك منذ ظهورها عام 1958- وتربطها بالأهرام علاقات حميمة متميزة طوال تلك الفترة.
وبطبيعة الحال كانت اعتبارات السوق وارتفاع أسعار ورق الصحف ومستلزمات الطباعة تفرض تطبيق الأهرام نسبة زيادة شبه سنوية علي أسعار الطباعة تراوحت بين 10% و15% واستطاعت وطني استيعاب هذه الزيادات المتتالية بامتصاصها حينا وبزيادة موارد الإعلان حينا آخر وباستئذان القارئ في رفع سعر بيع الجريدة علي فترات متباعدة.. لكن ما عايشناه جميعا خلال العامين الماضيين من طفرات متعاقبة في سعر الجنيه مقابل الدولار ألقي بظلاله المقلقة علي جميع مناحي الحياة ومصادر الإنتاج والصناعة والخدمات, وآخرها ما حدث في بداية نوفمبر الماضي عقب تحرير أسعار الصرف ووصول قيمة الدولار إلي معدلات غير مسبوقة.. ووقفنا في وطني متوجسين من انعكاس ذلك علي تكاليف طباعة الجريدة, وهي التي تعتمد في جانبها الأعظم علي المواد والخامات والماكينات والأنظمة المستوردة من الخارج.. وانتظرنا مجئ يوم الصدمة بالنسبة لأسعار الطباعة.. وها هو قد جاء!!
فبعدما تعودنا -كما أسلفت- علي زيادات شبه سنوية لا تتجاوز 15% من أسعار الطباعة, ورد إلينا كتاب الإدارة العامة للمطابع بمؤسسة الأهرام في 24 نوفمبر الماضي ونصه كالآتي:
بالإشارة إلي العلاقة الوطيدة بين جريدة وطني ومؤسسة الأهرام والمتمثل أحد جوانبها في استمرار واستقرار الطباعة لجريدتكم الموقرة, ونظرا لما طرأ من تطور في سعر العملة الحرة منذ 2014/12/1 حيث كان سعر الدولار 7.18 جنيها بينما تجاوز سعره اليوم 17.50 جنيها (بزيادة نسبتها 140%) -علما بأن آخر زيادة في أسعار الطباعة بيننا كانت في 2016/4/1 بنسبة 12%- وما يمثله ذلك من قوة ضاغطة علي عناصر التكلفة وما ترتب عليها من زيادة في تكاليف الطباعة من لوازم إنتاج ممثلة في خامات وقطع غيار يتم استيرادها من الخارج, فضلا عن توالي الزيادات السنوية في أسعار الطاقة الكهربائية, بالإضافة إلي ارتفاع تكلفة القوي العاملة بصفة مستمرة.. ونظرا لكل هذه الظروف القهرية التي طالت وأثقلت علينا, فإننا نطلب مشاركتكم في تحمل قدر من تلك التكاليف الإضافية بزيادة قيمة تعاقدكم معنا لطباعة جريدتكم بنسبة 80% (ثمانون في المائة) حتي نتمكن من الوفاء بالتزاماتنا تجاهكم من حيث الاستمرار في الطباعة, وذلك بدءا من إصدار 2016/12/18, مع التكرم بموافاتنا بموافقتكم علي ذلك قبل الموعد المحدد.
وبالرغم من توقعنا وتفهمنا لمحتوي الخطاب إلا أنه طبقا لجميع الحسابات يتحتم علينا إعادة النظر في الأعباء المترتبة عليه- فوق الأعباء التي تثقل كاهل وطني أصلا- وذلك دون المساس بسعر بيع النسخة حتي لا يتأثر القارئ من جرائها. وبناء عليه أستأذن القراء في أن وطني التي تصدر في 16 صفحة حتي هذا العدد ستقوم بمراجعة عدد صفحاتها بما يتواءم مع تكاليف الطباعة بعد الزيادة المقررة, لكن دون المساس بأبوابها الصحفية أو الخدمية أو ملاحقها التي تمثل جزءا مهما من شخصيتها ورسالتها وهي وطني الدولي ووطني إنترناشيونال باللغة الإنجليزية, ووطني فرانكوفون باللغة الفرنسية.. أملا في العودة لمزيد من الصفحات والتطوير فور استقرار الأوضاع في سوق الصرف وهو الأمر الذي يتوقعه المصرفيون.