الحياة فى كندا حياة جميلة سعيدة، لولا طقس الشتاء البارد المثلج، والرعد المرعب، فى الواقع انت تعيش فى مجتمع متحضر، يحترم الانسان،شوارع واسعة نظيفة، مرور منظم يجعلك تطمئن على نفسك، ومن معك، لافتات المرور واشاراته الكثيرة والعلامات على الارض، تجعل من قيادة السيارة متعة ما بعدها متعة، قانون المرور الصارم يجبر الجميع على احترامه.
هناك بجانب المخالفة المادية مجموعة نقاط على رخصة القيادة تصل الى 12 نقطة، هذه النقاط اخطر واصعب من الغرامة المادية الفورية، لان كل مخالفة تخصم بعض هذه النقاط حسب اهمية المخالفة، وعندما تنتهى هذه النقاط من الرخصة، تسحب الرخصة من قائد السيارة، وعليه ان يتقدم إلى إدارة المرور مرة ثانية ليستخرج رخصة قيادة جديدة من البداية وكأنه لم يملك رخصة قبل ذلك، وهى عملية صعبة تحتاج لمال ووقت، والوقت هنا فى كندا مهم جدا. من تعاليم المرور التى اعجبتنى انك لا تستطيع ان تخرج من تقاطع الشارع إلى شارع اخر دون ان تتوقف عجلة القيادة تماما لتفادى التصادم بين السيارات وغرامة هذا الخطأ هو ان تدفع سيادتك 165 دولارا، وانت لا تستطيع ان تخرج من سيارتك لتتحدث مع رجل المرور، فهذا ممنوع، هو يقف على باب سيارتك وانت من داخلها تعطيه الرخصة وتعرف الخطا، وفى ادب واحترام يقترب منك رجل المرور فجأة ويقول لك: بنجور صباح الخير وترد له التحية وتدفع المخالفة.. منتهى التحضر والتعامل الانسانى.
انت فى كندا فى مجتمع متحضر يحترم الانسان و انسانيته، كان من الضرورى ان احقن بالدواء الذى اتناوله فى العلاج، وكانت الحقنة 5 سم لكن الطبيبة رفضت ان تحقنى الحقنة كاملة 5 س، لان هذا يمكن ان يسبب خطورة لى، واضطررى ان تحقنى ثلاث مرات 2+2+1س، يحدث هذا فى كندا مع اننى اتناول هذه الحقنة 5س مرة واحدة فى مصر دون اى خوف!.
الناس هنا تعيش فى حرية تامة، وتخرج فى الصيف لتمتع بهذه الحرية وتنطلق بعد البيات الشتوى المثلج فى الشتاء، ينطلق الكنديون بالملابس الخفيفة، الشورت والتى شيرت للرجال، اما النساء فهن يغطين مناطق قليلة جدا من اجسادهن فتشعر انهن عاريات، لكنهن يتحلين بالاخلاق والاحترام، لا احد ينظر اليهن، وكل منهن تقوم بعملها او تمشى فى الشارع بكل احترام، فالعرى هنا ليس عيبا!
شعرت وانا فى شوارع كندا، فى مونتريال باهمية الساندوتش، فكل الناس تتناول الساندويش حتى تتفرغ لعملها، فهو اسرع وجبة تتيح للانسان الوقت المناسب لعمله، وهذه بداية الساندوتش تاريخيا، وهناك قصة طريفة عنه، يقال ان احد المدمنين للعب القمار فى امريكا، كان يفضل بدلا من الوجبات الغذائية التى تأخذ كثيرا من الوقت ان يأتيه مساعدة برغيف محشو بالطعام حتى يتناوله سريعا، وكان اسم هذا المقامر:
مستر ساندويتش، ومن هنا انتشر هذا الطعام وعرفه رجال الاعمال وكل الناس تحت نفس الاسم: ساندويتش.
الطعام مهم جدا هنا فى كندا، والطعام ضرورى للانسان، لكن هنا فى كندا توجد مطاعم كثيرة مختلفة الاشكال والالوان والاحجام، تبدأ بالكافتيريات الصغيرة مثل (تيم هورتون) ((TimHortons المنتشرة فى كل مكان الى المطاعم الكبيرة فى ( المولات) وفى اكبر الشوارع واهمها، ثم هناك مطاعم متخصصة فى الاسماك والبيتزا والساندوتش وغيرها والكنديون يأكلون ويشربون القهوة- النسكافيه- وغيرها بشراهة وبحب، وهذا مظهر حيوى صحى لهم.
دعانى صديقى الدكتور عادل حبيب وعائلتى الى تناول الطعام معه فى المطعم الذى اختاره، ولانى لا اعرف المطاعم جيدا تركت لابنتى نورا اختيار المطعم، وتركت هى لابنيهااختيار المطعم، وعلى الفور اختارا مطعم قصر السوشى.
وتقبلت اقتراحهم، مع انى لست معجبا بحكاية السوشى هذا، السوشى طعام يابانى اساسا، وقد انتشر فى شرق اسيا فى الصين وتايلاند واندونيسيا وباكستان وغيرها، وهو عبارة عن نوع من انواع جلود الاسماك محشو بالارز والسمك والجمبرى والكافيار المتنوع الاسود والاحمر والاخضر، يقدم على هيئة شرائح صغيرة، تماما مثل الممبار عندنا فى مصر، لكنه يقدم شرائح صغيرة وليس كاملا طويلا مثل الممبار. هذا السوشى له معجبين وهواه ومجانين به، وقد تناولته فى القاهرة، بخاصة فى حفلات سفارات اليابان والصين واندونيسيا، واتناوله كنوع من الطعام، لا اعجابا وجنونا به مثل احفادى.
دخلنا قصر السوشى، وهناك طريقة للطلب فى هذا المطعم، هو ان تطلب ما تريده على ورق، والمطعم به اطعمة اخرى بجانب السوشىSushi فهو يقدم الدجاج واللحوم واطعمة اخرى، لكن السوشى هو الاساس، وانت تستطيع ان تطلب كل الاطعمة بنفس رسم الدخول الذى يصل الى ثلاثين دولارا، وهو يعتبر من اغلى مطاعم مونتريال، كتبنا طلباتنا على الورق، وبعد عشر دقائق بدأ الطعام فى الوصول، الدجاج، واللحم والارز بالجمبرى ثم السوشى، وتستطيع ان تطلب مرة ثانية وثالثة بنفس رسم الدخول، لكن هناك شرط بالنسبة لطعام السوشى فقط، هو الا تترك واحدة فقط بعد انتهاء الطعام، فاذا تركت مجموعة من السوشى فان هناك غرامة ان تدفع على كل واحدة دولارا، اى انك لو اخذت تطلب ع الورق، ونسيت نفسك، وفى النهاية لم تأكله فالغرامة كبيرة، ولن تستطع وضع السوشى المتبقى فى حقيبتك، او فى اى مكان، بل ستدفع الغرمة بكل بساطة.
الحقيقة اعجبتنى هذه الفكرة، فهى تجبر رواد المطعم ان يطلبوا ما سيأكلونه فعلا، حتى لا يتبقى الطعام الطازج الشهى ويكون مصيره صندوق الزبالة، فحرام ان نتعامل مع الطعام بهذه الطريقة، تمنيت ان يفعل كل اصحاب مطاعم الاوبن بوفيه، المطاعم التى تقدم البوفيه المفتوح هذه الفكرة، او اى فكرة من شأنها الحفاظ على الطعام واحترامه وعدم وضعه فى صندوق القمامة.
وتمنيت ان اجد ذلك فى مصر، ونحن نعرف ماذا يحدث فى مطاعم البوفيه المفتوح والحفلات والافراح والليالى الملاح؟
فهذا الذى يحدث من اهمال الطعام الطازج الشهى المرتفع الثمن حرام والله حرام، ونحن دولة يعانى 40% من السكان من الفقر.
فى اسفارى احب ان اجلس فى الكافتيريات او المقاهى واتأمل حركة المجتمع واتقرب واتعرف على الشعب الذى ازوره، كما قلت لكم فأننى معجب بكندا شوارعها وشعبها المحب للحياة النشط، والهدوء الذى يسود كل مكان، وتعامل الانسان فى كل مكان تعامل ينم عن تحضر واحترام، لكنى لاحظت ظاهرة غريبة هذه الزيارة، فبينما كنت اجلس فى احد الكافيتريات جاءت سيدة عجوز، ترتدى ملابس انيقة وعلى وجهها لمحات ماكياج تجملها، جلست هذه السيدة برهة قليلة معى لا اعرف لماذا؟ ثم تركتنى لتذهب إلى صندوق الفضلات، واخذت تجمع بقايا علب الكوكا الفارغة، وتأملتها حتى جمعت عشرين علبة، ثم ذهبت بعد ذلك لصندوق اخر لتفعل نفس الشئ، وهنا فى كندا لا يستغنون عن شئ، فالعلب الفارغة المستهلكة يعيدون تدويرها ليستخدموها مرة ثانية، ولا بأس فى ذلك، بل هى طريقة لتحقيق نظافة الشوارع والاستفادة من الاشياء القديمة التى قد توفر مالا للناس والدولة.
والفكرة اساسا نبعت فى الصين، كما اتذكر، وهى الاستفادة من بقايا كل شئ، وهذه فكرة طيبة جدا لو استعنا بها فى مصر. بقى ان اقول لكم ان السيدة التى تجمع علب الكولا المستخدمة الفارغة تعيدها فى مكان معين وتحصل على خمس سنتات عن العلبة الواحد، اى انها تحصل على دولارا واحدا عن كل عشرين علبة.