انتهت المرحلة الأولي من انتخابات مجلس الشعب وبدأت محافظات المرحلة الثانية في العد التنازلي لبدء الانتخابات فيها.الجميع مستغرقون في تحليل أحداث ونتائج المرحلة الأولي والتي جاءت حافلة بالإيجابيات والسلبيات,لكن قبل الخوض في ذلك يلزم الاعتراف بالقفزة غير المسبوقة في إقبال المصريين علي صناديق الانتخاب بحيث ارتفعت النسبة متخطية العشرين في المائة التي كانت معهودة-ومخجلة-قبل ثورة 25يناير إلي اثنين وخمسين في المائة, وهي نسبة مشرفة تعكس حماس الناخبين وثقتهم في أن صوتهم أصبح له قيمة.
والأمل كل الأمل ألا تتراجع هذه النسبة في المراحل التالية بل أن تزداد,فمصر الجديدة تستحق أكثر من ذلك وتنتظر منا جميعا أن نشارك في صنع مستقبلها,لذلك أقول لسائر المصريين المعتدلين دعاة الدولة المدنية الديموقراطية إن التحدي مازال قائما لإنقاذ مصر من براثن الدولة الدينية,فلايصح اعتبار نتائج المرحلة الأولي التي أسفرت عن حصول أحزاب تيارات الإخوان المسلمين والسلفيين علي نسبة ملفتة من الأصوات أنها مؤشر علي ضياع المنافسة أو خسارة السباق…أقول ذلك لأني لمست لدي البعض إحباطا وامتعاضا من تلك النتائج وتسرعا في الحكم علي مصير الانتخابات برمتها,لكن مايزال الوقت مبكرا علي استقراء النهاية,والنتائج المحققة تدعو للمزيد من الإصرار علي المشاركة حتي النهاية.
أما إذا استعرضنا الممارسات التي صاحبت انتخابات المرحلة الأولي فبالقطع سوف نتوقف أمام الكثير من الظواهر الإيجابية والأخري السلبية, ولا ينبغي أن نتوهم أن الانتخابات خلت من السلبيات بل الأفضل الاعتراف بها لتحقيق الشفافية والعدالة وأيضا للعمل علي تلافيها في المرحلتين المقبلتين…وإذا بدأنا بالإيجابيات يجب أن نسجل انحسار مظاهر العنف والاشتباكات والإرهاب من المشهد وهي المظاهر البغيضة التي طالما ارتبطت بها الانتخابات وساهمت في إقصاء الناخبين عن المشاركة,فكان اصطفاف الطوابير الطويلة للناخبين بشكل هادئ أمام اللجان تغييرا إيجابيا ملموسا زاد من ورنقه مشاركة المرأة وكبار السن,كذلك صبر أولئك الناخبين علي بعض التجاوزات مثل تأخر فتح اللجنة لعدم حضور القضاة في الموعد المحدد أو للقصور في استمارات التصويت أو غير ذلك عكس إصرار الناخبين علي المشاركة وعدم إفساد العملية الانتخابية….ولعل هذا هو أحد الأسباب وراء امتداد طوابير الناخبين لمئات الأمتار ولساعات طويلة جدا امتدت حتي التاسعة مساء بعد سماح اللجنة العليا للانتخابات باستمرار فتح اللجان إلي تلك الساعة.
الممارسات السلبية التي شابت العملية الانتخابية كثيرة ولا يقلل من تأثيرها السلبي في الإضرار بمصالح بعض المرشحين وتعكير صفو بعض اللجان أن نقول إنها محدودة وأنه لم يكن لها تأثير شامل علي انتخابات المرحلة الأولي بكاملها, فالتجاوزات سواء كانت من جانب القضاة المسئولين عن اللجان أو من جانب مندوبي المرشحين وممثلي التحالفات الحزبية حدثت وتم تحرير المحاضر الخاصة بتسجيلها وإثباتها وجار حاليا ملاحقة مرتكبيها قضائيا,لكن الملفت في هذا المشهد السلبية والليونة وعدم الحسم التي شابت رد فعل اللجنة العليا للانتخابات إزاء كل ذلك…وهذا لم يكن متوقعا علي الإطلاق وأفرز هواجس خطيرة لدي الكثيرين أنه قد يفضي إلي المزيد من التجاوزات والمخالفات طالما شعر الجميع بضعف اللجنة وفقدان سيطرتها علي العملية الانتخابية.
فحتي الآن لم نسمع عن أية قرارات للجنة العليا للانتخابات في شأن قضاة لم يقوموا بختم وتوقيع استمارات التصويت وقالوا:إللي مش عاجبه ماينتخبش!!…حتي الآن لم نسمع عن أية قرارات بشأن تفشي الدعاية الانتخابية خارج اللجان صباح يوم الانتخاب,وماشاب تلك الدعاية من نعرة دينية لاستمالة الناخبين لجانب التحالفات الإسلامية ونعت التحالفات الأخري بالكفر وبالخروج عن الإسلام!!…حتي الآن لم نسمع عن أية قرارات بشأن ظاهرة النقاب وإصرار من ترتديه علي عدم الكشف عن شخصيتها وخضوع بعض القضاة لذلك!!…
الأمثلة علي التجاوزات التي تقاعست اللجنة العليا للانتخابات عن علاجها بصرامة كثيرة,لكن قمة الفوضي وعدم الانضباط كانت في مرحلتي نقل الصناديق إلي اللجان العامة وأثناء عملية فرز الأصوات…القصص التي يتداولها من حضروا ذلك مقلقة وخطيرة لأنها تولد شكوكا في جدية العملية ونزاهتها ومصداقية النتائج التي أفضت إليها,كما أن ذلك يضع مسئولية ضخمة علي عاتق اللجنة العليا للانتخابات لأنه يعكس قصورا تنظيميا واضحا علي واحدة من أهم مراحل العملية الانتخابية وهي فرز الأصوات…مرحلة شابتها عشوائية وتخبط وصخب وفوضي وكل ذلك يزرع شكوكا وهواجس إزاء ما أفضت إليه من نتائج.
هناك الكثير الواجب عمله من جانب اللجنة العليا للانتخابات لتخليص المرحلتين المتبقيتين من انتخابات مجلس الشعب مما شاب المرحلة الأولي من تجاوزات,من أجل الحفاظ علي قوة الدفع التي أخرجت الأغلبية الصامتة من عزلتها ودفعت بها لصناديق الانتخاب…لا أتصور أن الحكمة تسمح بإحباط تلك الأغلبية وإرجاعها لحالة التقوقع والعزوف عن المشاركة,بل أهيب بالشرائح الكبيرة التي تنتمي إلي تلك الأغلبية ألا تيأس وأن تواصل الخروج لأداء دورها الوطني لأنه يبدو أنه مايزال هناك من يزعجه خروجها ويعمل علي إبعادها.