“انها ليست مجرد آثار صماء… ليست أحجار أبنية أو شواهد قبور، وليست مجرد نقوش أو صور وأيقونات، إنها روح وحياة. لأنها تجمع بين التراث الأثرى والفنى وبين القيمة الروحية، إن الذين يأتون لارتيادها لا يتفرجون على معالمها فحسب، وإنما يقفون أمامها خاشعين متعبدين يتنسمون عطر تلك السنين الخوالى، ويتحسسون ملامس الأيدى التي بذلت العطاء إلى حد الفداء، ويتشوقون قبساً يزودهم بطاقة من الإيمان”… هكذا كتب مسعد صادق في تحقيقات وطنى عن ضرورة الأهتمام بالآثار القبطية محلياً ودوليا وعلى رأسهم مسار رحلة العائلة المقدسة إلى مصر. وكان لجريدة وطنى دورا بازراً طيلة نصف قرن في توجيه الاهتمام بضرورة المحافظة على الآثار القبطية عموما ومسار العائلة المقدسة” العذراء مريم ويوسف النجار والطفل يسوع ” على وجه الأخص، فمصر التي هيأ الله لها أن تستحوذ على النصيب الأوفر من السياحة الدينية وجاءت اليها العائلة المقدسة حاملة بركة قدومها الآية التي تقول” مبارك شعبى مصر” أجدر من غيرها بإستغلال تلك المناسبة المهمة ويجب عليها أن تعد البرامج الخاصة المناسبة للإحتفالية مع تمهيد الطرق المؤدية إلى مواقع الأديرة والكنائس.
وتحت عنوان”علامات على مسيرة العائلة المقدسة إلى مصر” كتب مسعد صادق في وصف الرحلة…
كانت رحلة معجزية تلك التي قطعتها العائلة المقدسة عند قدومها إلى مصر هرباً من هيرودس الملك فلقد لحظتها عناية السماء في الترحال، لقد تغربت من موطنها بفلسطين إلى بلد تطرقه لأول مرة دون أن تعرف لغة اهله… كيف شقت طريقها وسط الصحارى والوديان؟ وكيف حلت بالمغائر وسفوح الجبال دون أن تدنو لها الوحوش؟
بعدما أجتازت العائلة المقدسة منطقة “تل الفرما” حيث مدخل القوافل إلى مصر، أتجهت إلى القنطرة شرق، ومرت في طريقها بعدة مناطق شيدت بها كنائس في القرون الأولى للميلاد وخاصة في القرن الرابع الميلادى وما تلاه، ومنها وادى السيسبان ببرارى بلقاس حيث أنشئ دير الشهيدة دميانة، ثم تل بسطا بالشرقية، ومنطقة القلالي بالبحيرة التي عمرت بعد ذلك بمئات الصوامع، وإيبار التي شيد بها دير باسم القديس مينا، ومنها إلى مشارف وادى النطرون الذى عمر بالأديرة، بعدها عبرت العائلة المقدسة كفر الدوار وسمنود ثم الى ميت دمسيس ومسطرد. وبعد أن غادرت العائلة المقدسة مدينة سخا أستمرت في رحلتها وعبرت البر الغربي للنيل “فرع رشيد” واتجهت الى الصحراء الغربية وبلغت وادى النطرون.
وبارك يسوع الوادى فعمر بالأديرة التي امتلاءت بالرهبان وبلغ عددها 50 ديراً لم يبق منها غير أربعة أديرة عامرة بالرهبان ويجرى الآن البحث والتتنقيب عن مواقع الأديرة المتناثرة وكان الأمير عمر طوسون تحدث عنها في كتابه ” اديرة وادى النطرون” وحدد مواقع بعضها
ومرت العائلة المقدسة بمنطقة حارة زويلة بالقاهرة حيث أقيم فيها ديران للراهبات أحداهما باسم العذراء والآخر باسم مارجرجس كما أنشئت بالمنطقة عدة كنائس، ومرت العائلة المقدسة بمنطقة وسط القاهرة حيث باركتها وأقيم فيها دير السريان فيما بعد الكنيسة المعروفة بالعزباوية وهى تضم ايقونة قديمة للعذراء مريم وهى تحمل الطفل يسوع على ركبتيها ويظهر فيها يوحنا المعمدان راكعا يقبل قدميه الطاهرتين وتعرف هذه الايقونة باسم “ايقونة العجائب”.
جدير بالذكر أنه لم يكن هناك خط مرسوم واضح لطريق المسيرة فقد كانت تمضي بارشاد روحى. ولو كانت قد مضت في طريق واحد ممتد قدماً، لما أتيح لتلك المساحة الكبيرة من المناطق أن تنعم بحلولها بها، فعند مشارف القاهرة مرت العائلة المقدسة بضاحية عين شمس حيث أستظلت بشجرة مازالت معروفة باسم شجرة العذراء، ومنها إلى مصر القديمة وآوت بالموضع الذى عرف بعد ذلك بمغارة كنيسة ابى سرجة، ومرت بالمعادى وطموه، ثم عبرت إلى الوجه القبلي مروراً بناحية بياض، وسدمنت الجبل بمحافظة بنى سويف، وجبل الطير بسمالوط والاشمونين بملوي ومنها إلى أسيوط.
والاديرة والكنائس التي شيدت في طريق المسيرة، مرت بعدة مراحل، فلم تبن فور قدوم العائلط المقدسة إلى مصر، وإنما بعدها بأجيال متفاوتة، حينما كان أبناء تلك الأجيال يتناقلون أنباء المسيرة جيلاً بعد آخر، ولم تبق على حالها من بدء انشائها، وإنما تناولها الترميم ومعظمها أعيد بناؤه على أنقاض المباني القديمة. وما كشف عن معالم تلك المسيرة قليل بالنسبة إلى حجمها وأتساعها ، فقد شملت المسافة من وادى الفارما إلى صعيد مصر ، وإذا لم يكشف عن كنائس ذلك الوادى فلا شك ان الأيام سوف تكشف عن مواقع آخرى فيما بعد .
وأشادت وطنى بدور مثلث الرحمات انبا شنودة الثالث في تكوين اللجنة البابوية للعناية بالكنائس القديمة والتي كانت تضم نخبة من أساتذة التاريخ والاثار القبطية ، كما ساهم المقر البابوى بالقاهرة تاريخيا في إعداد خارطة موثقة بالمناطق والبلاد التي مرت بها العائلة المقدسة وقدمها البابا شنودة لوزارة السياحة للاسترشاد بها وذلك في الاحتفال باستقبال الالفية الثالثة لميلاد السيد المسيح وتعد تلك الخطوة هي العلامة المهمة في توثيق مسيرة رحلة العائلة المقدسة لتدخل في مرحلة ضرورة الاهتمام المحلى والدولى وكتبت وطنى العديد من الموضوعات في هذا الصدد.
هل من قطاع للآثار القبطية؟
وشن مسعد صادق هجوما على صفحات جريدة وطنى بعنوان … هل من قطاع خاص للآثار القبطية؟ وذلك في غضون أصدار وزير الثقافة قراراً بتقسيم هيئة الآثار المصرية إلى قطاعات ولم يكن بينهما قطاع خاص بالآثار القبطية.. فدار التساؤل لماذا نضاءل من حجم وأهمية الآثار القبطية ؟؟؟.. ويستطرد صادق في مقاله: “…لسنا نقول هذا خشية أن ينتقض الإغفال من أهمية أو قدر تلك الآثار، فأهميتها معترف بها على المستوى العالمى، وقدرها محفوظ وماثل فيما خلفه من معالم روحية يفخر بها الوطن، ويزهو بقيمتها على سائر الأوطان، إنما الخشية من أن يسوق الإغفال إلى الأذهان ما يهون من شأن كل ما ينتسب إلى تلك النوعية من الآثار(القبطية) في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى أزالة بواعث التفرقة والتمييز، فلا نقدم عصراً على آخر ونميزه على غيره… فالأولوية تاريخيا وفنيا للعصر القبطى.
ولعل ما حاق بالاثار القبطية من تدهور وأٍستهداف ناجم عن هذا الأهمال ففي أخميم المدينة العريقة بسوهاج معالم أثرية عديدة أعتدى على بعضها وكاد ينهار البعض الآخر لحاجته الماسة إلى الترميم.. وبعد عدة تحقيقات موسعة على صفحات جريدة وطنى عن الأديرة والكنائس القديمة المحتاجة إلى ترميم وعن الشروط التعسفية ضد الكنائس والكهنة في حين الأجدر توجيه الأهتمام بترميم المناطق القبطية الأثرية والتي هي منبراً للسياحة في مصر… أستجابت هيئة الآثار المصرية والتي شكلت لجنة مشتركة من بعض رجال الهيئة ومن أعضاء اللجنة البابوية للعناية بالكنائس القديمة وصرح الوزير وقتها بأنه يقدر الاثار القبطية ويدرك أهميتها وانه شكل هذه اللجنة استجابة لدعوة وطنى لمتابعة أعمال الترميم وقدمت اللجنة قائمة بالأديرة والكنائس المحتاجة إلى ترميم وعناية .. وظل مسعد صادق يكتب ويتابع سنوات عدة عن الاديرة المحتاجة عناية وترميم
وفى آخر التحقيق كتب صادق: نرجو ألا يطول تحول تصريحات رئيس هيئة الآثار المصرية إلى واقع عملى سريع، فقد طال الأمد بإجراءات ودراسات سابقة بلا جدوى ولعله يخصص قطاع للآثار القبطية ليأخذ مكانه المستحق بين سائر القطاعات الأخرى.
تحت عنوان “تل بسطا” المدينة التي مرت بها العائلة المقدسة كتب مسعد صادق عن الآثار الملقاة في العراء منذ أكثر من نصف قرن وأن ترك الآثار ولاسيما القبطية على هذا الحال سوف يفقد السياحة مورداً مهما فلبى المجلس الشعبي لمحافظة الشرقية النداء وكشف عن المواقع الأثرية وما تعانيه من أهمال وكان هذا بمثابة دليل على صدق الدعوة التي افردت لها وطنى مساحات من أعدادها المتتالية على مدار سنوات متعاقبة بأعتبارها ركيزة مهمة في خارطة السياحة الدينية والتي تجتذب اليها كثيرين من أنحاء العالم ، وتل بسطا أحدى المدن التي مرت بها العائلة المقدسة عند قدومها إلى مصر ثم أنتقلت منها إلى بلبيس ومضت في رحلتها إلى أن أنتهى المطاف بها عند أسيوط حيث حلت بالمغائر الأثرية التي شيدت قبالتها دير العذراء بجبل أسيوط، وكانت وطنى كتبت عن متحف تل بسطا والذى تحول إلى مخزن تتكدس فيه 40 الف قطعة أثرية ملقاة في أهمال.
دير أسيوط… متابعة وتغطية
دير العذراء بجبل أسيوط الذى أنتهت إليه مسيرة العائلة المقدسة عند قدومها إلى مصر، قطع في خلال نصف القرن الأخير شوطاً لم يقطعه على مدى مئات السنين منذ أن حلت العائلة المقدسة بمغاراته فقد كادت تضيع معالم تلك المغارات بعد أن سدت فتحاتها بركام الأحجار المتساقطة من أعلى الجبل، وبعد أن علتها كتل أخرى توشك عل السقوط وظلت مغارات دير العذراء بجبل أسيوط على تلك الحال إلى أن أتاح لها الله من ينقذها فأختارت العناية الإلهية انبا ميخائيل مطراناً لأسيوط الذى لم يحتفل طليلة حياته وكان همه الشاغل هو أن تستعيد الإيبارشية العتيدة وجهتها المضيئة وأن يسترد دير العذراء بجبل أسيوط المكانة الجديرة بها وبحلول العائلة المقدسة في مغاراته…. هكذا شرح صادق حال دير العذراء بأسيوط والذى تحول بإرادة إلى عمل فنى يليق بختام رحلة العائلة المقدسة فإن ما يبنى على الصخر يثبت ولا يتزعزع يغالب الأيام ويصمد في وجه الأعاصير، هكذا عاش دير العذراء باسيوط ودير العذراء بجبل الطير الذى ساهمت في انشائه الأمبراطورة هيلانة والتي نحتته وسط الصخور وكان أيسر بها أن تبينيه بالأحجار على وجه الأرض ولكنها فضلت أن تعمق بناؤه في جوف الصخر.
وهكذا كان لوطنى دورا مهما منذ تأسيسها بالتوعية بضرورة الحفاظ على المواقع الأثرية القبطية والتشديد على ترميمها على أسس سليمة والتحذير من أهمال الركن القبطى لأنه ركيزة مهمة ليس في خارطة السياحة الدينية في العالم فحسب ولكنه يعزز من الأنتماء الوطنى وضرورة المسأواة ككل … وهكذا مع ذكرى قدوم العائلة المقدسة إلى مصر ستظل مسيرتها علامات على الطريق إلى بلادنا تقتفيها شعوب الأرض وتحج اليها جيلاً بعد جيل.