إنَّ مريم العذراء تحتل مقاماً رفيعاً في حياتنا الروحيّة لأنها حواء الجديدة القائمة قرب آدم الجديد.
وكما انفتحت أولى صفحات العهد القديم بذكر سقوط المرأة ومعها البشرية كلها، هكذا انفتحت أولى صفحات العهد الجديد بذكر مريم، حواء الخلاص، التي دعاها موفد السماء الملاك جبرائيل : ” الممتلئة نعمة “( لوقا ١ : ٢٨ ) ، اذ بشخصها بدأ عهد النعمة والقداسة .
إنَّ أمومتها الإلهية، ومساهمتها في خلاص البشرية، رفعاها إلى مكانة مثالية سامية.
وعندما قالت للملاك: ” انا أَمَةُ الرَّب ، فليكُن لي بِحَسَبِ كقولك ” ( لوقا ١ : ٣٨ ) ، قدّمت ذاتها وقرنت تقدمتها بتقدمة إبنها يسوع .
وفي مجرى حياتها أعطت أرفع المثل وأسماها في البساطة والتواضعِ والصلاة وخدمة القريب، فدعت المؤمنين كافةً، والنساء والآنسات بنوع أخص للاقتداء بها والتمرس على فضائلها في حياتهن.
فهي كأمرأة أصبحت مثال المرأة الأعلى في الإيمان والتواضع والطهارة، والتضحية ونكران الذات والمحبة المتفانية.
تفتخر كنيسة الله بعدد كبير من بناتها اللواتي سرن على خطى مريم العذراء فوصلن إلى كمال السيرة والقداسة واصبحن مثال حيٍّ للمؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها.
منهن من اخترن حياة الرهبانية فاعتكفن في الأديرة، ومنهن من مارسن الفضائل الانجيلية السامية في حياة العالم وكلهن وصلن إلى الهدف المقدس وهو الإقتداء بمريم في أسمى درجات القداسة.
ففي شرقنا العزيز، نقرأ في سير الشهداء و القديسين أسماء عدد كبير من العذارى والنساء اللواتي استمدين من مريم العذراء القوة والشجاعة وفضلّن الموت من أجل العقيدة المقدسة على الحياة.
وتتلألأ في الغرب اسماء قديسات كثيرات، مثل تريزيا الكبيرة التي مارست اقسى مظاهر التقشف لتكون مثالا للراهبات بعد أن قررت إصلاح الحياة الرهبانية. وكاترينا السيانية، وكلارا، والقديسة ريتا التي سمَت في حياة القداسة في الأسرة ثم في الدير، وبرناديت التي تشرّفت برؤية العذراء في لورد، وماريا غوريتي الفتاة التي دافعت عن عفافها حتى الاستشهاد.
إنَّهُنَّ دُرر كريمة تسطع في إكليل مريم العذراء، ومثل سامية للمؤمنين عامةً وللنساءِ والآنساتِ المسيحيات بصورة خاصة.
فكم على النساء والآنسات أن يَقتدينَ بها، ويسرن على خُطاها، لتُبارِكَهُنَّ من علياء السماء، و تسكب عليهنَّ وعلى عائلاتهنَّ النعم الوافرة والبركات السماويّة .