إن العذراء الطوباوية التي اختيرت أُمّاً للمسيح منذ الأزل، فحملته وولدته وغَذَته وأخيراً تألمت معه، قد إشتركت بطريقة فريدة في عمل المُخلّص بطاعتِها الكاملة وإيمانِها العميق ورجائها الوطيد ومحبّتها الحارة، وكانت غايتها ان ترد للنفوس الحياة الفائقة الطبيعية التي أهدرتها الخطيئة الأصلية. لذا غدت مريم أماً لنا في تدبير النعمة.
وتستمرُ هذه الامومة بلا إنقطاع منذُ اللحظةِ التي أعلنت رِضاها للملاك جبرائيل يوم البشارة : ” أَنَا أمةُ الرّبّ ، فليكُن لي بحَسَبِ قولِكَ ” ( لوقا ١ : ٣٨ )، هذا الرضى الذي حافظت عليه بلا تردد طيلة حياتها إلى ساعة وقوفها تحت الصليب، وإلى أن يبلغ جميع المختارين إلى المجد السرمدي.
ولم تتخلى عن هذه المهمة الخلاصية يوم إنتقالها إلى السماء، بل تواصل شفاعتها لتنال لنا نعم الخلاص الأبدي وتسهر بمحبةِ الأُمّ على إخوة إبنها المغتربين على الأرض الفانية وسط المخاطر والضيقات حتى يصلوا إلى الوطن السعيد عند الله أبيهم في الملكوت السماويّ .
فمريم أُمّ الكنيسة بكل حقٍّ .
ولقد إختبَرَت الكنيسة وأبناؤها شفاعة مريم القديرة عبر الاجيال فزادَ تعلّقهم بها وعظُمَ حُبَّهُم لها.
وما أكثر ما اختبرنا نحن ايضاً حنوّها الوالدي في مِحنِنا وشدائدنا.
فلنُجَدّد حُبّنا لها في هذا الشهر المريمي المبارك خاصةً وفِي كلِّ شهور السنة عامةً.