*ما ينقص الفيلم المسيحي هو أن يكون “فيلمًا”.. فكل مايقدم هو تحت مفهوم الدراما المسيحية
* نسر البرية تجربة ناجحة و%90 من صناعُه مسلمين
* البابا كيرلس اعتمد على العمل السرائري بالكنيسة …والبابا شنودة قائد عصر
فنان له من اسمه نصيب..فهو فريد من نوعه فى قدرته على تجسيد أدوار متنوعه فى الأفلام المسيحية..فريد فى أدواره فاستطاع تجسيد أشخاص البطاركة والقديسين..فريد فى إلمامه بأدوات التمثيل حتى استطاع أن يكون من كوادر تدريس التمثيل..فريد فى تفكيره ليستطيع استغلال قدراته التمثيلية أن يجعل منها رسالة إنسانية من خلال قناته على اليوتيوب..فهو الفنان الدكتور فريد النقراشى..
ليس من المبالغة أن نشير بهذا المنطق الفريد للتعرف على أحد أهم الفنانين المؤثرين في مجال فن التمثيل ذو الشخصية المتميزة ، هو الفنان صاحب الرسالة، لما قدمه من أدوار قديسين وشهداء جسد شخصياتهم بمنتهى الشفافية والإتقان. ولأننا نحتفل في شهر مارس من كل عام بعدد من القديسين المعاصرين وهم البابا كيرلس السادس والبابا شنودة الثالث والراهب فلتاؤس السرياني والقمص ميخائيل إبراهيم والقمص بيشوي كامل، لذلك حرصت “وطني” أن تقدم شخصية بطل أفلام هؤلاء القديسين الدكتور فريد النقراشي الذي تلامس مباشرة مع فضائلهم وصراعاتهم وإيمانهم وإنتصارهم.. وإلى نص الحوار….
* نعلم بعض الشئ عن شخصية دكتور فريد النقراشي الممثل والشاعر والخادم والمحاضر ولكن نريد أن نتعرف منك من هو “فريد النقراشي”؟
قال داود النبي أن الله “المقيم المسكين من التراب ليجلسه مع رؤساء شعبه” هذا ما ينطبق عليَّ، فأنا بنعمة الله العاملة في حياتي صرت كما وصفتني في سؤالك، اسمي فريد النقراشي، نشأت في سوهاج وأفخر بجذوري الصعيدية وأشعر بأني امتداد لأسلافي القديسين الذين وُلدوا هناك مثل أبونا يسّى ميخائيل وغيرهم من الآباء العظام، ثم انتقلت للعيش في أحد أحياء القاهرة الحيوية بمنطقة شبرا، وتدرجت في المراحل التعليمية الأساسية حتى التحقت بكلية الأداب قسم علوم المسرح بجامعة حلوان واستكملت دراستي حتى حصلت على درجة الماجستير والدكتوراه، وحاليًا أعمل استاذ في جامعة حلوان – كلية الآداب قسم علوم المسرح، شعبة تمثيل وإخراج.
*من أكثر الشخصيات المؤثرة في حياة فريد النقراشي؟
ضاحكًا بثقة قائلا: زوجتي ندى.. رفيقة دربي، هي المشجعة الأولى لي وأولادي يوسف وطوني مصدر إلهامي وسعادتي، هذا بالطبع إلى جانب دور بعض الشخصيات الروحية الكنسية والفنية العملية والذين أدين لكل منهم التقدير والإحترام ولا استطيع ذكر أسماء كل واحد منهم لئلا أسهو عن أحدم ولكني أثق أنهم يعلمون تقديري لهم جيدًا.
*”نسر البرية” هو الفيلم الذي جسد حياة القديس المعاصر أبونا فلتاؤس السرياني كيف وقع عليك اختيار تمثيل هذا الدور؟
رشحني صديقي المخرج جوزيف نبيل لهذا الدور ولكن كان الشكل والشخصية بعيدة كل البعد عن تكويني ولكن كنت أسمع عن أبونا فلتاؤس بعض القصص، ولكن طلبت ان أقرأ سيرته في البداية من خلال الكتب لأني لا اعتمد في معرفة سيرةالقديس من خلال السيناريو فقط، وبعد التمعن في القراءة لم أقتنع بشكل كامل أن أقدم شخصيته. وبعد مدة طويلة من التحضيرات والتدريب، بدأنا تصوير وفي أول يوم كنت أود الاعتذار عن الفيلم لكني التزمت بإتفاقي مع الجهات الإنتاجية والفنية. وطلبت بإيمان أن يساعدني الله في إلهامي روح هذا القديس الجبار وعندما دارت الكاميرا وجدت نعمة غير عادية جذبتني إلى شخصية أبونا فلتاؤس وانعكست على تجسد الشخصية إلى هذا الحد، حتى لا أنا ولا صُناع الفيلم كنا نتوقع قوة رجع الصدي التى حصل عليها الفيلم فيما بعد.
*بما تفسر ردود الفعل الإيجابية والقوية على الفيلم؟
يرجع إلى أبونا فلتاؤس شخصيًا.. بنعمة الله العاملة في هذا القديس، والذي لا أخفيه عنك أن الفيلم بالرغم من النجاح غير المتوقع منا كصُناع الفيلم لأنه لم يُلم بكل جوانب حياة هذا القديس العظيم بالشكل الذي يليق بسيرة مثل هذا الرجل السماوي، وأبونا فلتاؤس هو شخص روحاني حقيقييعيش في حرية تامة وهو غير متكلف أو متصنع تقوى، وكان يتميز بخفة ظله ونقاوة روحه في محبة وخدمة كل من يراه ولا يميز بين دين أو جنس أو عرق فهو يحب بقلب نقي حقيقي الجميع، وهذا ما ظهر في بعض مشاهد الفيلم التي رصدت أفعال ابونا فلتاؤس التلقائية العفوية مثل رغبته ان يأكل بطيخ بارد، أو أن يمزح مع الرهبان وهو يقول لهم “اعزموني على حاجة ساقعة” حتى كان بسيط جدَا لدرجة انه كان لا يخفى عنهم الروحيات السماوية التي كان يعيش فيها لكونه صار من السواح.. فهو بسيط جدًا لهذا تلامس مع الانسانية البسيطة غير المتكلفة وصار شفيعًا لملايين من الناس، وحاليًا أنا بصدد إصدار كتاب عن مذكراتي مع أبونا فلتاؤس.
*قمت بتجسيد شخصية قداسة البابا كيرلس السادس وقداسة البابا شنودة الثالث في فيلم تماف إيريني بجانب الأدوار التي قمت ببطولتها في فيلم أبونا بيشوي كامل وأبونا ميخائيل إبراهيم وكل هؤلاء القديسين تحتفل الكنيسة بذكراهم في شهر مارس فكيف تقضي وقتك في مناسبات تذكارهم جميعًا في شهر مارس؟
لأول مرة يلفت انتباهي لهذا الربط وبكل الحق أنا لا أستطيع ان أعيش بدونهم بمعني وجودهم في حياتي هم وأسرتي، وأخص بالذكر البابا كيرلس وأبونا فلتاؤس مثل البطين الأيمن والأيسر في قلبي مع تقديري ومحبتي لباقي الأباء الكرام جدًا ولكل منهم علامة تأثرت بهم..رأيت في البابا شنودة رجل التعليم والاستنارة الروحية، وفي أبونا بيشوي كامل وابونا ميخائيل ابراهيم جسدت أدوار ثانوية في أفلامهم فكنت ابن لأبونا ميخائيل ابراهيم وتذوقت معنى الأبوة منه، وفي فيلم أبونا بيشوي كامل جسدت نظير جيد وهو البابا شنودة قبل الرهبنة وهذا جعلني أرى منظور أخر من جانب حياته، فهذه نعمة تباركت بها.
*من وجهة نظرك كمحاضر أكاديمي ماذا تلاحظ فيما ينقص الفيلم المسيحي؟
ينقصه أن يكون “فيلم”، فما يُقدم هو تحت مفهوم الدراما المسيحية، لأن بالمعنى الأكاديمي؛ لا معني لمصطلح فيلم مسيحي أو غير مسيحي، لأن الفن هو كيان منفصل عن الدين تمامًا، وما يحدث هو محاوله صبغته بالدين، وهذا ما يفقده ثقله الفني ويقيد حرية الإبداع والإبتكار. فالأفلام السينمائية لها معايير فنية من حيث كتابة السيناريو ودراسة أبعاد كل شخصية بتفاصيلها واستخدام كافة التقنيات في التصوير والإنتاج والإخراج لا تعتمد على التميز الديني..
والجدير بالذكر أن نسبة 90% من العاملين في صناعة فيلم أبونا فلتاؤس السرياني “نسر البرية” كانوا من أخوتي المسلمين وبجانب العوامل الإبداعية مثل الإخراج والتصوير أدى إلى نجاح الفيلم بالشكل المقبول.والفيلم تمت مراجعته من قبل نيافة الأنبا متاؤس أسقف الدير والمعروف بنزاهة تفكيره وقوة علمه اللاهوتي والعقيدي.
*كيف تؤثر لجنة مصنفات أفلام الدراما المسيحية في عملية الإبداع؟
أحياناً تكون لجنة المصنفات مُعطّلة لدور الفن في توصيل سير القديسين بالشكل المنطقي المقبول لذهن المتلقي، فليس بالضرورة أن يكون القديس طوال الوقت يطير ويصنع معجزات وبالتالى تضمحل ملامح شخصيته الواقعية وفضائله أو ضعفاته الأرضية، وهذا ينقل للمتلقي أن القديس ليس إنسان عادي مثلنا ولا يمكن لنا الجهاد والوصول لنفس قامته الروحية، ومن هنا نحن نناقد الهدف المعني منه رسائل الفيلم الدرامي المسيحي وهو جعل هذا القديس قدوة نتمثل بها في الجهاد الروحي والإنتصار على الضعفات والتجارب الأرضية.
*كيف ترى دور الكنيسة في تشجيع المواهب الفنية في مجال التمثيل بشكل احترافي؟
اكتشفت، من خلال عملي كمحاضر أكاديمي، أن موهبة التمثيل أكبر خدعة وقعنا فيها، فالتمثيل هو قدرة المحاكاه عند البشر، وكل الناس عندها القدرة على المحاكاه حسب التكوين الإنساني لمخ الإنسان الذي يوجد به مركز التأثر بالإيحاء وهو المسئول عن الإنفعالات الإنسانية كالضحك والبكاء ومشاعر الغضب من خلال التوحد والتقرب مع الإنسان أو التجربة التي يشاهدها.. وهنا النقطة الفارقة التي يستطيع أي إنسان أن يقوم بالتمثيل من خلالها، وهذا لا يسمى موهبة تمثيل إنما يطلق عليه التأثر بالإيحاء.
ومع أن الكنيسة تبذل مجهود جبار في تربية أبناءها وتحاول إحاطتهم بكل الوسائط التي تكشف ثمار مواهبهم المتعددة، إلا أن “فن التمثيل” يندرج في الكنيسة تحت مُسمى “نشاط” وليس دراسة. لكن على الكنيسة أن تشجع من اكتشف في نفسه الموهبة أن يخرج إلى مرحلة الاحتراف وهذا من شأن الجهات المعنية لتدريس أساسيات الموهبة.
والاحتراف في التمثيل يحتاج إلى أساسيات ثلاثة وهم منهج حرفية التمثيل الذي يمكن الممثل على حرفية وسائط التمثيل إذا كان مسرح أو تليفزيون او إذاعةوبالتالي يحتاج الممثل إلى هذا المنهج الذي يعلمه حرفة التمثيل، ثانيًا لابد أن يكون الشخص لديه الرغبة في التطوير وذلك بناء على المنهج العلمي الذي يتدرج من نقطة إلى آخرى تلزم قابلية التغير، وثالثًا القدرة على بذل المجهود في التطوير الذاتي للممثل وإذا اجتمعت كل هذه العناصر تؤهل الشخص إلى أن يكون ممثل مهني محترف
*أهم مؤلفات الدكتور فريد النقراشي؟
نعم لديّ العديد من المؤلفات في مجال فن التمثيل ومؤخرًا أصدرت كتاب “الجسد المقدس” ويتناول فيه جسد الممثل الذي يوضح أنه كالمحراب المقدس الذي يتقمص الشخصيات ويجسدها من خلال اتصاقه بها.
*بماذا تنصح الشباب المسيحي الذين لديه الرغبة في التمثيل؟
مع تحفظي على مبدأ العنصرية الدينية وعقدة الإضطهاد الديني الذي يشعر بها أغلبية الأقباط وهذا عكس الواقع فلدينا العديد من الأقباط يطولون مناصب عُليا نظرًا لكفائتهم، مع ذلك أنصح الشباب للتوجه فورًا إلى الجهات الرسمية المعنية في الدولة بهذا المجال، فيوجد في مصر عدد من المعاهد العُليا للتمثيل والكليات الفنية ويتقدم في امتحانات القبول مرة واثنين حتى يقبلوه. فأنا شخصياً تم رفضي ثلاث مرات قبل دخولي المعهد ولكن لم احبط بل كان مبرري أنهم لا يحتاجون طبيعة شخصيتي في هذا التوقيت،وسعيت حتى بلغت هدفي واحترفت فيه، وليس بالضروري لكوني مسيحي رفضوني، فقد رفضت اللجنة وقتها الكثير من أخوتي المسلمين أيضًا.
*قالت وسائل إعلامية أن فنان قبطي “يؤم” المسيحيين للصلاة من أجل ضحايا مسجد الروضة بالعريش وكنت أنت المعني بهذا الفعل، فقل لنا ماالذي حدث؟
اتذكر جيدًا هذا اليوم كنت في إتجاهي لخدمة في أحد الكنائس البسيطة في منطقة عشوائية وعندما وصلني نبأ استشهاد أربعين شخص بسبب هجوم إرهابي على مسجد الروضة حزنت بشدة، ولذلك فور وصولي للكنيسة صليت من الله من أجل شهداء مصر وأسرهم ومن أجل رفع بطش الإرهاب الذي تفشي بغباء أعمى، لا يفرق بين دين أو طائفة.
والجدير بالذكر أن الذي قام بالتقاط الصورة اخذها من زاوية جسدت المشهد وكأننا نقف في جامع نصلي وكأن الله يقصد من هذا المشهد أن يؤكد أننا كيان واحد ونسيج واحد نعيش في مجتمع كبير نتألم معا ونفرح سويًا بالحق من قلوبنا.. واكره شئ يثير استفزازي هو لفظ “عندي وعندك”هذا شيء مرفوض لأن كل منا تربي وهو يحمل في تراثه أصول مسيحية وإسلامية وعلينا أن نعيش من هذا المنطلق وليس بمنطلق “احنا اخوات” و”اللي في القلب في القلب ياكنيسة”..فنحن شعب واحد لرب واحد.
*بما انك جسدت شخصيتين من باباوات الكنيسة القبطية وهم البابا كيرلس السادس والبابا شنودة الثالث وحاليًا تشهد عصر البابا تواضروس كيف تلاحظ سمات كل عصر منهم؟
* أعتقد ان البابا كيرلس كان يرتكز على الليتورجية والعمل السرائري في الكنيسة حتى ان الكنيسة أصطبغت بهذه السمات لأن الشعب كان بسيطًاً. وبعد بدء ظهور العصر التكنولوجي والصراعات الإيمانية واللاهوتية كان بالضرورة ان يوجد رجل مثل قداسة البابا شنودة الثالث وهنا حصل تحول في سمات الكنيسة وأصبحت تتعلم وتبحث وهذا جاء على حساب الروحيات والإيمان لان ممارسة الإيمان شيء والحديث عن الإيمان والعقيدة شيء آخر..
أما عن عصر قداسة البابا تواضروس الثاني اعتبره أنا عصر الحروب الكبرى لأنه، للأسف، عصر يشهد إنفلات إخلاقي ليس لديه منطق الكبير ويوجد شبكات التواصل الاجتماعي التي تتجاوز في حق الاشخاص فتظهر الإهانة وتعلو التجاوزات في حقوق الآخرين بلا رقيب.. والبابا كرئيس أساقفة وراعي إقامه السيد المسيح ليخلص شعبه من براسن الموت المحيط بها من الثقافة السائدة بهذا العنف والإنحطاط الاخلاقي، يجعلني ان أشفق عليه من هذا الزمن وإن كان عندي يقين أنه يبذل مجهود كبير في الإصلاح، لأنه يوجد صراعات شرسة من الداخل والخارج، ويوميًا نسمع هجوم ضده على الرغم أنه رجل في منتهى الإحترام والكياسة والإتزان النفسي ولا يفضل الصمت لأنه يعلم أن “الرب يدافع عنكم وانت صامتون”.. فلنصلي من أجله جميعًا.
من خلال خدمتك للشباب ممكن توجه لهم رسالة عن كيفيةالوصولللهدف وتحقيق الذات؟
الشاب إذا وحد إرادته سيحقق هدف، وتوحيد الإرادة يتطلب عمل إلهي ونعمة خاصة من الله ثم عمل بشرى من خلال معرفة نفسه جيدًا.. ومشكلة الشباب هو أنه لا يعرف ذاته وبعضهم لا يحب ذاته من خلال تكريس فكرة جحد الذات بزعم أن الانسان التقي لابد أن يكره نفسه.. في الحقيقة أن هذا كلام أبائي وضع للنساك الذين نالوا مكانة روحية عالية فيكون بمثابة توازن بين النعمة المعطاه لهم وبين تعاملهم مع الناس، بينما نحن نحتاج إلى تشجيع لأننا لم نصل بعد لهذه المكانة الروحية فلذلك نحتاج أن نحب أنفسنا ونشجعها، وإن لم تحب نفسك فانت لاتحب الله لأنك انت صورة الله، فكيف اكره صورة الله واحب الله هل هذه شيزوفرينيا! فبالتالي عندما احب نفسي أطور منها وأعرف ما امتلكه من إيجابيات وما افتقده هذا الفحص هو الذي يؤهلني إلى اتجاه تحقيق الهدف بارشاد العظيم الذي يسكن فينا وهو الروح المحيي – الروح القدس الذي يرشدنا ويعلمنا، ومن هنا أتوجه نحو النمو الروحي والنمو المادي والاقتصادي.