أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والسياسة الداخلية
1976/8/22
لا تعش في عزلة.. إن الذين يعتزلون الحياة يبتعدون عن الواقع, ويعيشون في دنيا الأوهام والأحلام, يقبعون في الظلام, وغيرهم يحيا في النور, يلفهم سكون القبور في عالم يموج بالحركة والحياة والنشاط..
ولا تتقوقع, إن الذين تقوقعوا انكمشوا علي ذواتهم, فلم يعد أحد يحس بوجودهم.. لا صوت لهم, ولا كيان, ولا مكان..
خد مكانك في بناء وطنك.. خذه من الآن.. إن لوطنك عليك حقا, وهو يقتضيك أن تشارك في أنشطته, وأن تكون علي مقربة من مجريات الأمور فيه, تسهم في صنعها بالصورة التي تحبها لوطنك.. قد لا ترضي عن موقف معين, أو عن وضع بالذات, ولكن ليست العزلة هي الطريقة المثلي للتعبير عن عدم الرضاء, وليس النأي أو الابتعاد هو السبيل إلي التقويم, وإنما الاقتراب والمشاركة بالرأي والفكر والعمل.
* * *
حملني علي هذا التقديم لموضوع اليوم, ما ألمحه من روح السلبية والتقوقع بين فئات مختلفة من الشعب.. صحيح أنه مرت بمصر فترة من الكبت والعنت والإرهاب, أدت إلي نمو الشعور بالسلبية والابتعاد عن الحياة العامة وتركها للحاكم المسيطر علي كل شيء..
هكذا كان الحال إلي أن جاء يوم 15 مايو, وقامت ثورة التصحيح, وتمت تصفية مراكز القوي التي كان يسيطر عليها الطغاة, وبدأنا عهدا جديدا, قوامه الحرية وسيادة القانون.. وبدأ المواطنون يستروحون نسمات الحرية وينطلقون لإبداء الرأي.. وبالرغم من أننا بدأنا نمارس الحرية في جوانب متعددة من حياتنا.. فإنه مازالت هناك فئات عديدة مختلفة تلوذ بالسلبية.
ليس من ينكر أن هناك الكثير من المشكلات التي تحيط بحياة الفرد, سواء من بيروقراطية متأصلة عنيفة, أو من خدمات سيئة, ولكن ليس هناك من ينكر أيضا أن للحكومة عذرها في عدم تمكنها من القضاء عليها.. وقد آلت إليها تركة مثقلة بما تخلف من عهود جعلتها مكبلة بالأغلال والقيود.
لقد كان من رأيي أن المنابر التي الفت أخيرا هي الخطوة الأولي في طريق الأحزاب, وجاءت تصريحات المسئولين مؤيدة لهذا الرأي, وتعتبر هذه الخطوة منفرجا لإبداء الآراء الجماعية في حرية, سواء كانت لحكم البلاد أو للمعارضة السليمة.. وكان منتظرا أن تسارع فئات الشعب إلي الانضمام إلي هذه المنابر, كل فيما يراه مناسبا لآرائه ومعتقداته.. ولكن مما يدعو إلي الدهشة, والأسف الشديد, أن كثيرين من فئات الشعب أحجموا عن الانضمام إلي هذه المنابر.
لقد اجتمعت بالكثيرين من هؤلاء, وناقشتهم في ذلك الموقف السلبي, وكان تبريرهم له أنهم يئسوا من حل المشكلات التي يعانون منها, والتي كثرت الكتابة عنها بلا جدوي.. وحقيقة أن كثيرين يضيقون بتلك المشكلات, ولكننا لا ننسي أن جهودا تبذل لحلها, وقد تخفق الجهود أو تتعطل أو تتعثر, ولكنها تبذل, ولو أدركنا ما تضطلع به الحكومة من مسئوليات جسام, وما تعانيه من عجز كبير في الناحية المالية, لالتمسنا لها بعض العذر, لا كله, ومع ذلك أليس الأجدي والأوفق أن ينضم الجميع إلي هذه المنابر لإعلان شكواهم وإبداء آرائهم ومقترحاتهم..؟ إن أصواتهم, حينئذ ستصل إلي الأسماع, سواء كانوا في المنبر الحاكم أو في منابر المعارضة, وسيكون لها صداها وأثرها في حل المشكلات.. أليس هذا أفضل من بقائهم بعيدين عن التنظيمات السياسية, يجترون همومهم, ويطوون صدورهم علي الألم الكظيم بدون جدوي..؟
إن كلا منا مطالب بأن يؤدي دوره في حكم وطنه, سواء كان مشتركا في المنبر الحاكم, أو معارضا له.. إنه واجبه نحو وطنه وأهله, بل هو واجبه نحو نفسه, إذ هو قطعة من هذا الوطن, ثم هو استجابة لما يمليه عليه ضمير الإنسان الحر..