الحياة الرهبنية حياة لها مذاق خاص داخل الكنيسة وتتعدد أشكال الحياة الرهبنية من كنيسة لاخرى، ولمعرفة شكل الرهبنة داخل الكنيسة الكاثوليكية كان لنا هذا التقرير.
فأوضح الأب هاني باخوم المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الكاثوليكية في كتاب المتوحّدون وسائر الرهبان وأعضاء مؤسّسات الحياة المكرّسة الأخرى، وبالتحديد في الباب الثاني عشر مفهوم الحياة الرهبانية والقوانين التي تتبعها الكنيسة الكاثوليكية في الرهبنة، وبدأ الباب بمقدمة تاريخية الرهبنة وجاء فيها:
مقدمة تاريخية:
نشأت الحياة الرهبانية او الحياة المكرسة، وان لم تكن بالشكل المعروف الان، منذ القدم. عديد من الاشخاص فردياً او جماعياً كانوا يبحثوا عن العزلة ليتقابلوا مع الله بعيداً عن العالم. لكن بشكلها المعروف الان، وان تطورت، بدءت الحياة الرهبانية مع القديس أنطونيوس الكبير بمصر، في نهاية القرن الثالث وبداية الرابع.
في ذلك الوقت بدءت تنعم الكنيسة بالسلام وعدم الاضطهاد الخارجي وهذا بفضل الامبراطور غاليان، عام 260، الذي منح للمسيحين حرية الديانة والعبادة. ايضاً قسطنطين من بعده الذي جعل من المسيحية ديانة الامبراطورية حوالي عام 313. فتوقفت اذاً الشهادة بالدم: توقف الاستشهاد. ورغبة في استمرار الحياة الجذرية للايمان الهم الروح نوع اخر من الشهادة الحية: ترك كل شىء واتباع المسيح حيث يرغب هو.
مع الوقت نمت العديد من المدارس الرهبانية:
1. النمط المصري مع القديس انطونيوس الكبير +356 في التوحد والفردية والقديس باخوميوس +346 في الديرية والجماعية، فكانوا يجتمعون مرتين بالسنة؛
2. النمط السرياني وكان لديه البعدين (التوحدي، والجماعي) مع القديس مارون وتلاميذه؛
3. النمط الباسيلي نسبة الى القديس باسيليوس الكبير +379 وكان يقوم على انشاء اديرة مستقلة.
من هولاء المدارس نمت العديد من انواع الحياة الرهبانية والمكرسة التي نجدها اليوم.
مجموعة القوانين والحياة الرهبانية:
في البداية من مهم توضيح أن القانون الشرقي يعتبر الحياة الرهبانية هي حالة في وضع ذاتها من الثلاث حالات الكنسية: علمانية، اكليريكية؛ ورهبانية، في حين ان القانون الغربي يذكر فقط اثنين: علمانية واكليريكية. بحيث ان اذا كان المؤمن راهب حصل على الرسامة المقدسة فينضم للاكليريكية والا يبقى في الحالة العلمانية.
مجموعة القوانين ارتكزت في تشريعها الجديد على وثائق مجمعية اساسية منها: “نور الامم” وهو دستور عقائدي في الكنيسة (الفصل السادس)؛ “المحبة الكاملة” وهو قرار مجمعي بكامله عن الحياة المكرسة بالمشورات الانجيلية؛ “المسيح الرب” وهي وثيقة حول مهمة الاساقفة الرعوية في الكنيسة (العدد 33- 35): “الكنيسة المقدسة” وهي إرادة رسولية أصدرها البابا بولس السادس 1966 وهدفها وضع الخطوط العريضة والاساسية والعملية لتطبيق قرارات المجمع الفاتيكاني الثاني بشأن الرهبان.
سنستعرض الان ملخص لقوانين الباب الثاني عشر اخذين في الاعتبار اهم العناصر اللاهوتية لها.
1. الحالة الرهبانية:
القانون 410 هو قانون اساسي لوصف الحالة الرهبانية. فينص القانون على ان:”الحالـة الـرهـبانـيـّة هـي طـريـقـة حيـاة مشـتركة ثابتة في إحدى المؤسّسات التي تعتمدها الكنيسة، يتبع فيها المؤمنون عن كثب السيد المسيح المعلّم ومثال القداسة، بدافع من الروح القدس، فيُـكـرِّسون أنفسهم بصفة جديدة وخاصّة بنذور علنيّة، أي الطاعة والعفّة والفقر، ويحافظون عليها وفقا للائحة الداخليّة، تحت ]رعاية [رئيس شرعي، زاهدين في العالم وناذرين أنفسهم كلّيا للبلوغ إلى كمال المحبّة في خدمة ملكوت الله، لبناء الكنيسة وخلاص العالم، كآيات تـُنبئ بالمجد السماوي”.
نلاحظ أن هذا القانون يحدد وبشكل دقيق الحالة الرهبانية فيحتوي على عناصر لاهوتيّة وأخرى قانونية للحياة المكرسة: كمثال على العناصر اللاهوتية، نجد ان الحالة الرهبانية هي حالة اتباع للمسيح عن قرب؛ بدافع من الروح القدس؛ تكريس كامل لله؛ بواسطة المشورات الانجيلية؛ لخدمة ملكوت الله؛ كعلامة تنبىء بالمجد السماوي.
العناصر القانونية:
– الحالـة الـرهـبانـيـّة هـي طـريـقـة حيـاة مشـتركة ثابتة. هذا هو اول عنصر قانوني لتعريف الحياة الرهبانية وبدونه لا تكون حالة رهبانية: الثبات وهو يشكل عنصراً اساسياً و من طبيعة تلك الحالة. فهي كالكهنوت او كالزواج لا يمكن الرجوع عنهما.
– في إحدى المؤسّسات التي تعتمدها الكنيسة. اي الانشاء القانوني من قبل السلطة ذات الصلاحية. فالكنيسة تؤكد ان لا حياة رهبانية الا ضمن مؤسسة شرعية تاسسها هي. لذا النساك لا يُطبق عليهم بالمعني الحصري والقانوني تسمية “رهبان”. المقصود بالمؤسسة كل من: الدير؛ منظمة رهبانية ordine؛ جمعية رهبانية congregazione . فالاعتراف الكنسي اذاً هو اساسي وضروري. المقصود بالسلطة الكنسية هو البابا، البطريرك، والاسقف الايبارشي.
– يتبع فيها المؤمنون: العنصر القانوني الثالث هو الاعضاء. المؤمن هو حر لاختيار تلك الحالة كما ايضاً المؤسسة حرة لقبوله او رفضه. هناك بعض القوانين التي تحدد شروط القبول في احد المؤسسات الرهبانية وهي 488، 450، 452، 517. نستطيع تلخيصها كالاتي: ان يكون كاثوليكياً؛ ان لا تمنعه موانع يقررها الشرع؛ نية حسنة للترهب؛ لديه الكفاءة للقيام بتحمل اعباء تلك الحالة ومسؤولياتها (نستطيع ان نطلق على هذا الشرط الدعوة)
– فيُـكـرِّسون أنفسهم بصفة جديدة وخاصّة بنذور علنيّة، أي الطاعة والعفّة والفقر: بجانب الوصايا العامة لكل المؤمنيّين يُفرض للحالة الرهبانية اعتناق المشورات الانجيلية والتي هي طريقه للكمال المرغوب والمدعو اليه. فهي جزء لا يتجزء من الحياة الرهبانية. يوجد العديد من النذور الاخرى ولكن الكنيسة لا تفرضها كعنصر لتعريف الحالة الرهبانية (كنذر التواضع، نذر خاص باللبس او الطعام…).
اتباع المشورات الانجيلية يتم خلال النذور (462- 470) او من خلال روابط مقدسة اخرى (526- 535) وتختلف تسمياتها باختلاف المؤسسات.
ويكون النذر علني: ينص القانون 889 بند 4 ان النذور العلني، العمومي، هو الذي يستقبل بأسم الكنيسة من الرئيس الكنسي الشرعي والا يعتبر هذا النذر خصوصي. للحالة الرهبانية يُلزم بالنذر العمومي هذا. فلذا كل المؤسسات التي يتم فيها النذر بطريقة خصوصية لا تعتبر حسب القانون مؤسسات رهبانية بالمعنى الحصري.
– حياة مشتركة: هذا ايضاً عنصر قانوني للحياة الرهبانية؛ الحياة المشتركة اي المعيشة سوياً بطريقة واضحة امام المجتمع ايضاً.
– رئيس شرعي …بحسب الفرائض: لكل مؤسسة رهبانية رئيس شرعي ونظام داخلي يثبت وينظم الحياة الداخلية وقواعد المعيشة. هذه الانظمة تكون معترف بها من السلطة الكنسية: فاذا كانت معترف بها من الاسقف الايبرشي تكون المؤسسة ذات حق ايبارشي؛ من البطريرك ذات حق بطريركي؛ من الكرسي الرسولي فتكون ذات حق حبري.
2. ارتباط الرهبان بالأسقف الايبارشي والبطريرك والكرسي الرسولي:
هذا الموضوع الهام تعالجه القوانين (412- 417) من المجموعة. فالقانون 412 في بنده الاول يحدد ارتباط الرهبان بالحبر الروماني: فجميع الرهبان يخضعوا له كرئيس اعلى بواجب فرض الطاعة. انه مبدء عام يُلزم كل المؤسسات الرهبانية و كل الرهبان بمعزل عن الدعوة الخاصة والوضع القانوني لكل مؤسسة.
اما البند الثاني يقدم اسباب “العصمة البابوية” وهي تعني ان مؤسسة ما تخرج من سلطة الاسقف الايبارشي وتخضع للحبر الروماني فقط او من لسلطة اخرى معينة منه. هذا يتمم لاسباب معينة: خير المؤسسات؛ احتياجات العمل الرسولي (التبشير)؛ المنفعة العامة.