بصلاة القداس الالهي أتمت الرهبنة اليسوعية بمصر والعاملون والطلبة بمدارس العائلة المقدسة صباح اليوم ٢٤ مارس، احتفالات مرور ١٤٠ سنة على تأسيس مدارسهم بمصر. .حرص كل من الأب خوسيه ألبرتو ميسا سكرتير التعليم للرهبة اليسوعية في العالم، والأب داني يونس الرئيس الإقليمي للرهبنة ، والأب فيكتور أسود نائب الرئيس العام بالإضافة الى الآباء اليسوعيين المقيمين بمصر على المشاركة في القداس الإلهي وفي فاعليات الاحتفال. ولم تقتصر الاحتفالات على قداس اليوم، بل استمرت ثلاثة أيام بدءاً من يوم الجمعة الماضي بمهرجان ترفيهي كبير بالمدرسة الابتدائية بمصر الجديدة، حيث شارك فيه طلاب مدارس العائلة المقدسة “الجزويت” مع عائلاتهم وأصدقائهم والعاملين بالمدارس وأجيال عديدة من الخريجين.
كما نظمت المدرسة بالفجالة أمس يوم مفتوح للخريجين، زاروا فيه مدرستهم بمصاحبة الطلبة الحاليين للصف الثالث الثانوي. مشى الخريجون بالأروقة ودخلوا الفصول والمكتبة التي طالما قضوا فيها أحلى أوقات صباهم. وكان يوم الخريجين فرصة لتلاقي زملاء الدراسة والمدرسين القدامى التي حرصت إدارة المدرسة على دعوتهم للمشاركة في هذا اليوم المهم في تاريخ المدرسة. في نهاية الجولات، تجمع المشاركون لالتقاط صورة تذكارية جمعت كل الحضور. هذا الى جانب حرص الخريجين على التقاط صور شخصية وجماعية في المدرسة.
استضافت المدرسة في احتفالها الأستاذ الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم الذي حرص على الحضور والمشاركة، واستهل زيارته بجولة اصطحبه فيها الأب نادر ميشيل مدير المدارس وفريق من إدارة المدرسة، تعرف خلالها على تاريخ المدرسة ورسالتها. وأثناء جولته توقف “شوقي” أمام لوحة تاريخية تسرد أسماء وصور كل مديرين المدرسة منذ تأسيسها عام ١٨٧٩ وحتى اليوم.
تجول الوزير أيضًا عبر معرضًا للصور يحكي تاريخ المدرسة، فقد تأسست مدرسة العائلة المقدسة “الجزويت” على يد ثلاث آباء يسوعيين جاءوا من لبنان وبدأوا مدرستهم في حي الموسكي عام ١٨٧٩ بعدد ٦ طلبة. وأشاد الخديو توفيق آنذاك بعطاء هؤلاء الآباء الذين حرصوا على تقديم خدمة مميزة للشعب المصري. وفِي عام ١٨٨٩ افتتحت المدرسة بمقرها الحالي بحي الفجالة لتبقى فيه شامخة وتقدم خدمة وتعليم متميز لأجيال من المصريين الى يومنا هذا. تقدم مدارس العائلة المقدسة “التعليم لطلابها في الأساس باللغتين العربية والفرنسية. وتفتخر إدارة مدارس “الجزويت ان المدرسة لا تهتم بالتعليم فقط بل تسعى دائماً للتنشئة الصالحة قبل التعليم الجيد، وهذا ما يميز طلاب مدارسهم ويفرز أجيال مؤثرة في المجتمع المصري .
وبعد هذه النبذة التاريخية التي قُدمت للسيد الوزير بدأ الاحتفال الرسمي بعزف السلام الجمهوري، ثم جاءت كلمة الأب نادر ميشيل التي عبر فيها عن شكره لكل من حضر للمشاركة في الاحتفالية، واعتزازه بمشاركة وزير التربية والتعليم الأستاذ الدكتور طارق شوقي، والقاصد الرسولي المونسينيور برونو موزارو سفير الفاتيكان بمصر، والسفير الفرنسي بالقاهرة ستيفان روماتيه، وسفير المجر بالقاهرة بيتر كيفيك وقرينته، وقنصل فرنسا بالقاهرة فرانسوا بوجو، والملحق التعليمي بالسفارة الفرنسية فيرونيك كناب.. وتحدث الأب نادر عن رسالة مدرسة العائلة المقدسة منذ نشأتها وهي ان تقدم أجيال تخدم المجتمع، وأكد الأب نادر ” إن رسالتنا تقوم على حب مصر، ونعمل جميعًا بمؤسستنا لكي نكون شخصيات قادرة على العمل ونقدم خدمة بإخلاص وأمانة..” وأوضح مدير المدارس حرص واهتمام المدرسة بغرس قيم الانفتاح على الآخر وعلى الثقافات الأخرى في الطلاب.
ومن ناحية أخرى أكد وزير التعليم في كلمته على الدور الذي لعبته مدارس العائلة المقدسة عبر الأجيال في تنشئة أجيال متميزة تربويًا وتعليميًا، وأعرب عن تمنيه أن تعم تجربة “العائلة المقدسة” في كل مدارس مصر.
تخلل الاحتفال عرض صور للمدرسة على مر السنوات منذ إنشائها حتى اليوم، والتي أبهرت الحضور بالتغييرات التي طرأت على المدرسة والمنطقة المحيطة بها منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى الآن.. وتم عرض صور وفيديوهات للأنشطة المتنوعة التي تقوم بها المدرسة، وتحرص على تقديمها للطلبة كوسيلة تربوية تنمي شخصياتهم – كما أشار الأب نادر ميشيل في كلمته. ومن أمثلة تلك الأنشطة رحلة سنوية لطلاب الصف الثالث الإعدادي إلى مدينة السويس سيرًا على الأقدام بدءاً من القاهرة، ورحلات أخرى لطلاب المرحلة الثانوية بالدراجات إلى العين السخنة والغردقة.. فضلًا عن المشاريع الخيرية للطلاب – بمساعدة المدرسة – في النوبة، ومع مركز مجدي يعقوب لعلاج القلب بأسوان، ومستشفى أبو الريش بالقاهرة. وأشاد وزير التعليم في كلمته بتلك الأنشطة مؤكدًا دورها في بناء شخص سوي يُعتمد عليه ويشعر بمن حوله.
شهادات حياة من خريجي المدرسة:
صرح الدكتور أيمن جورج خريج دفعة ١٩٨٣ ل”وطني” ان المدرسة نمت فيه وفِي أجيال عديدة قيمة العمل الجماعي من خلال المعسكرات الدراسية التي تستمر حتى الآن بشكل سنوي منمية في المشاركين قيم أخلاقية ومبادئ حياتية يعيشون بها طوال حياتهم. ولفت “الدكتور أيمن” إلى ان العبرة ليست فقط في الأسماء اللامعة التي تخرجت من المدرسة ولكن فيما يحمله هؤلاء للمجتمع من عطاء وتفاني.
وفي نفس السياق ذكر مقدم الحفل بعض الأسماء المرموقة في المجتمع المصري التي تخرجت من مدرسة العائلة المقدسة، منهم الأستاذ منير فخري عبد النور وزير السياحة ووزير الصناعة الأسبق، والدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق، والأستاذ نزيه النجاري سفير مصر بلبنان، والأستاذ علاء يوسف سفير مصر بالأمم المتحدة بجنيف، والأستاذ حمدي لوزا نائب وزير الخارجية للشئون الأفريقية، والأمير عباس حلمي ، والإعلامي الراحل طارق حبيب وطارق نور ومن الفنانين أيضا الراحل حسن كامي وهشام سليم ومحمد إمام المخرج الراحل نادر جلال والمخرج رامي إمام.
وقام الأستاذ حمدي لوزا نائب وزير الخارجية للشئون الأفريقية، بإلقاء كلمة بالفرنسية تحدث فيها عن أهم ما لمسه عندما كان طالبًا بالمدرسة. قال “لوزا” انه تخرج عام ١٩٧١، وانه منذ ذلك الوقت يعتز بأربع قيم غرستها فيه المدرسة وهي الالتزام في كل ما يقوم به، العمق والتعمق، الانفتاح تجاه الآخر وتجاه الأفكار الجديدة، والنزاهة. وهنأ “لوزا” المدرسة لاستمرارها في أداء رسالتها عبر السنوات بصدق وتواضع وحب.
كما تحدث أيضًا القس يعقوب رمسيس راعي كنيسة السيدة العذراء بالزمالك، وهو خريج مدرسة “الجزويت” سنة ١٩٧٣. اتفق أبونا يعقوب مع الأستاذ حمدي لوزا في ان اهم ما تغرسه المدرسة في طلابها هو الالتزام، مشيرًا ان هذه القيمة أصبحت جزء لا يتجزأ من شخصيته والفضل يرجع للمدرسة. وشكر أبونا يعقوب المدرسة والأب نادر على تنظيم هذا اليوم الرائع.
وأشار القس “يعقوب” في تصريحات خاصة لـ” وطني” إلى أن إلى ثقافة المحبة هي السائدة في مدارس العائلة المقدسة نظراً لأنها تجمع أغلب فئات المجتمع وأديانه بمصر. و “على الرغم من ذلك جميعهم دائماً أصدقاء، وقال أبونا يعقوب انه ما زال على تواصل مع زملاء الدراسة نظرًا لحرص مدارس العائلة المقدسة على التواصل مع أجيال الخريجين. وأكد ان ما تعلمه فى المدرسة فى صباه من مبادئ المحبة والعطاء ينتقل معه فى خدمته بالكنيسة. وتابع “هناك مدارس كثيرة لديها خدمات تعليمية جيدة الا أنها لا تعلم الأجيال الجديدة المحبة وقبول الآخر وبذل الذات مثل مدارس الجزويت.”
وتحدث ياسين الزغبي خريج دفعة ٢٠١٧ عن خبرة خاصة له بالمدرسة، حيث قال انه تعرض لحادث عندما كان طالبًا بالصف السادس الابتدائي أدى إلى بتر ساقه. قال “ياسين” انه لن ينسى أبداً كيف احتوته المدرسة أثناء هذه الأزمة وكيف وقف المدرسون والطلبة بجانبه، حتى أن إدارة المستشفى طلبت منه – على حد قوله، أن يستكمل علاجه بالمنزل من كثرة الزيارات التي كانت تتوافد يوميًا على المستشفى. وفِي تصريح خاص ل”وطني” أكد “ياسين” أن أهم ما يميز أجيال وخريجي مدارس العائلة المقدسة هو العطاء وخدمة الآخرين في المجالات المختلفة، وأضاف انه على المستوى الشخصي تعلم من المدرسة التميز والإبداع وتذوق الفن.
ومن الملفت ان شهادات الحياة المقدمة من بعض طلاب المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية إضافة لشهادات بعض أولياء الأمور اتفقت مع شهادات الكثير من الخريجين. كلهم أجمعوا أن قيم الالتزام والجدية والمحبة والبذل هي السائدة .. الأمس واليوم .. في مدارس العائلة المقدسة.
وتم عرض تسجيل لأغنية باللغة الفرنسية كتبها ولحنها “بيتر هرموش” أحد خريجي دفعة ٢٠١٧، وشارك بها في الغناء مع زملاء له من دفعات مختلفة، من الطلبة وخريجين “الجزويت”. وتدور كلمات الأغنية حول مشوار المدرسة الطويل في مصر منذ ١٤٠ سنة،” سارت خلاله أجيال من الطلاب والآباء اليسوعيين والمعلمين جنبًا الى جنب مقدمين أجيال جديدة للمجتمع ومسلمين الراية لأجيال متتالية لكي تستمر الرسالة.
وفِي نهاية الحفل المؤثر الذي استرجع ذكريات قديمة واستدعى عراقة المكان، قام كل الحضور من الخريجين والطلاب بالاشتراك معًا في غناء نشيد المدرسة الذي طالما تغنى به الطلاب في المدرسة.. هز صوتهم الجهوري وحماسهم المكان مؤكدين على الرسالة التي استلموها ومستمرين فيها عندما غنوا بالفرنسية:
الى دار الآب السماوي
التي تنتظرنا هناك
نحو السماء، الدار الأبدية
لنسر كلنا خطوات منتظمة
وعلى جبيننا تسطع الشمس متلألئة
ولكنها تجعل الصحاري محرقة
وبجانب العائلة المقدسة
خطواتنا المُتعَبة تنتعش بالحياة
الله الساهر على مدرستنا
حيث يفكر المسئولون في مستقبلنا
ليكن حبك يا الله حماية لنا
غدًا عندما يحين وقت رحيلنا.