تعويذة الشيطان (2)
يكتب الشيطان تعويذته فوق رقائق أعصاب البعض، ممن سلموا أجسادهم عبيدا للمخدرات، يحفرها داخل خلاياهم، معقودة في أدمغتهم، إلي أن تتنزعها الإرادة أو الموت، وهكذا تتمكن التعويذة ممن يسلمون أنفسهم لها، ضمن أولئك كان زوج نادية التي كتبنا الحلقة السابقة عنها، ونعيد اليوم نشر ملخص ما كتبناه لأنها مازالت في حاجة شديدة لاستكمال بعض مفروشات منزل والدها الذي تحيا فيه هي وابنتها، وفي احتياج لتحمل نفقة الإيجار الشهري علي الأقل.
إنها فتاة في الثانية والعشرين من عمرها، ابنة لرجل مفصول من عمله، ضمن طوفان العمالة التي تم الاستغناء عنها بسبب تردي الأحوال الاقتصادية، والدتها ربة منزل، لم تكمل نادية دراستها،حينما ترك والدها العمل عملت والدتها خادمة في المنازل، لكن هذا العمل تحديدا رأس ماله الصحة، وتدهورت صحة والدة نادية وما عادت تقوي علي العمل، بينما التحقت نادية للعمل في مصنع باليومية ولم تزل ابنة 13 عاما، ومن سيء إلى أسوأ كانت الحياة تسير، وتخلص والداها منها عن طريق زيجة غير قانونية لتخفيف عبء المصروفات.
حينما جاءتني نادية قالت ما نشرناه المرة السابقة ونصه: سننوني وجوزوني وأنا عندي 15 سنة، وخلفت بنت، وبعد شوية فوجئت بجوزي بيعمل حاجات غريبة، صراخ وضرب بدون سبب، بعد فترة اكتشفنا أنه بيشرب بانجو وحشيش وبرشام، وبطل يصرف على البيت، وبسبب الضرب هربت من البيت وقعدت عند أبويا سنة كاملة، لغاية لما جه صالحني وحلف أنه مش هايعمل كده تاني ووعدنا أنه مش هايشرب تاني مخدرات، وفعلاً رجعت البيت وصدقناه كلنا وخلفت بنتي التانية عندها حاليا سنة ونص، واكتشفت أنه مابطلش مخدرات لكن المصيبة الأكبر أني اكتشفت أنه مدمن إستروكس كان ياخد الجرعة من هنا ويروح في دنيا تانية ويبدأ تكسير وضرب، زي الغول، سبت البيت ورحت لأبويا مشيت وأخدت البنتين لكن الإستروكس كان ورايا ورايا.. جاني عند أبويا وخطف البنت الصغيرة وأخدها ولأنه عارف إننا مش معانا فلوس لا نرفع قضية ولا نثبت أي حاجة عليه، كان ضامن أننا مش هانقدر نعمل له حاجة وفعلا حماتي أخدت البنت الصغيرة وسابوا لي البنت الكبيرة وتصورت أن الأمور انتهت، بدأت المآساة من جديد يشرب الإستروكس ويجي تحت البيت ويكسر الباب ويدخل ويضرب في أبويا اضطرينا نعزل أكتر من مرة، وراحت كل مساعدات إللي حوالينا في العزال، وتأمين الشقق الإيجار الجديد، وبعنا كل عفشنا وأصبحنا علي البلاط، بسبب هروبنا منه، وآخر مرة عزلنا في مكان بعيد علشان مايعرفش يوصل لنا، علشان كدة قاعدين علي البلاط، ولا عندنا عفش ولا أجهزة كهربائية ولا بوتاجاز ولا تلاجة ولا أي شيء، والبنت متبهدلة معايا، باحاول أشوف أي مصنع أنزل أشتغل فيه زي زمان مش لاقية كل إللي محتاجاه شغلانة وعفش ننام عليه، سرير ودولاب وأجهزة تعيشنا عيشة آدمية.
كلما تذكرت ما فعلته الأم الصغيرة أشعر بالخجل تزامنا مع الاحتفال بعيد الأم حينما رفعت عباءتها لتكشف عن مناطق الإيذاء التي سببه لها زوجها في مختلف أنحاء جسدها، فكم من أمهات تبلغ تضحياتهن مداها من أجل فلذات أكبادهن، بلا تقدير ولا مشاعر مؤازرة ورغم محاولات نادية لعلاج زوجها المدمن إلا أنه هرب من المستشفي,إذ لايريد الشفاء ولا الفكاك من تعويذة الشيطان,نعم فتعويذة الشيطان هو الاسم الشائع عن الإستروكس.
الآن تحتاج نادية وابنتها لمساعدة منتظمة، وتحتاج إلي ثلاجة وأنتريه، وبعض مستلزمات المنزل حتي تكمل الضروري فقط الذي يحتاجه منزل للحياة وتحتاج المساعدة في الإيجار الشهري الذي يبلغ 600 جنيه، والوالد يعمل حاليا وراتبه 1200 جنيه، لكن ماذا تفعل 1200 جنيه لأ سرة من خمسة أفراد ضمنها طفلة صغيرة تحتاج لألبان وغذاء وعلاج فإذا تم دفع 600 جنيه فقط للإيجار يتبقي 600 جنيه فقط كيف تحيا أسرة ب 600 جنيه,كم يدفع الرجل للوصول لعمله كل يوم في المواصلات؟ كم من المال يتم إنفاقه علي بند النور والمياه والغاز؟ كم يتم إنفاقه علي بند الطعام والعلاج؟كم يتم إنفاقه علي بند طوارئ في الأسبوع الماضي كلمني والدها عن احتياجه الملح ل300 جنيه فقط لمساهمته مع سائر السكان في تركيب موتور لضخ المياه,ولم يكن يملك 200 جنيه, مآساة بكل المقاييس, فالبعض منا يضع في محفظته ألف جنيه أو الفي جنيه للطواريء. بينما يوجد كثيرون لا يحتكمون علي عشرة جنيهات في جيوبهم لشراء إفطارهم اليومي,لكنها حكمة الله أن تمتد أيادي المقتدرين للمحتاجين بالرحمة والمساعدة وأن يتكافل من يستطيع مع من لايستطيع.
وأخيرا.. فإننا ننبه كما نبهنا سابقا حتي يعرف الآباء والأمهات أن الإستروكس يباع في أكياس بلاستيكية مرسوم عليه دائما صور جماجم وحيوانات مفترسة وساهم في انتشار الإستروكس, أنه ظل فترة طويلة خارج نطاق تجريم القانون, لذلك تم تداوله بسهولة وهذه النسبة نقلا عن وحدة مكافحة الأدمان والمخدرات,وهو ما جعل نسبة تعاطيه في مصر تفوقت علي النسب العالمية إذ وصلت إلي 10% بينما لم تتعد 5% في معدلاتها العالمية, وهو ما يحتاج إلي وقفة جادة من الدولة والمؤسسات العامل في هذا المجال.ووحدات مكافحة المخدرات,لأن المخدرات من هذا النوع تحديدا وهو النوع الاصطناعي المضاف له مواد وعقاقير كيميائية,يمثل خطرا علي جيل بأكمله,هو مستقبل مصر وأملها.
تواصلوا معنا عبر المحمول – 01224003151
تليفون أرضي بجريدة وطني 0223927201
البريد الالكتروني: [email protected]
البريد: مؤسسة وطني للطباعة والنشر – باب افتح قلبك ، 27 ش عبد الخالق ثروت، القاهرة