تعويذة الشيطان
جسد نحيل كالعصفور المثبت فوق خشبتين، ألبسوه عباءة سوداء كالحة اللون من فرط القدم، وجه غطاه اصفرار الكآبة، اعتصرته أيام الحرمان القاسية، وعينان انطفأت فيهما شموع الشباب، وحاصرتهما هالات الشقاء وسواد الأيام.. هذا أقل وصف لبطلة قصتنا هذا الأسبوع..
إنها نادية.. فتاة في الثانية والعشرين من عمرها، ابنة لرجل مفصول من عمله، ضمن طوفان العمالة التي تم الاستغناء عنها بسبب تردي الأحوال الاقتصادية.. والدتها ربة منزل، لم يحظ والداها بقدر مناسب من التعليم، أنجبا ابنتين كانت نادية واحدة منهما، أما الأخري فلاقت اهتماما أكبر من أعمامها، بسبب ولعها بالتعليم، وكانت نادية الأقل حظاً، فلم تكمل دراستها، كانت ترى احتياج والديها، وتسولهما للأعمام،كانت صغيرة بينما نضجت تضحياتها، فتركت المدرسة وهي في السنة السادسة الابتدائية، ولأنها حملت الهم مبكراً، ظلت تحمله، تنضج وتنضج معها هموم والديها.
جاءت إلينا تقول: بابا كبر ومافيش حد راضي يشغله، وماما ماعادتش تقدر على الخدمة، وأختي لسه في الجامعة، وماحدش بيساعد، بيتنا مافيش فيه حاجة، مرتبتين واحدة بأنام عليها أنا وبنتي والتانية لأبويا وأمي، وأختي بتنام على بطانية، وخلاص ومحتاجين مساعدتكم، بنجمع حق الإيجار بالعافية.
توقفت عند جملة أنا وبنتي، وسألتها عن حكايتها ولماذا لا تعيش في بيتها مع زوجها، فأجابت:دي حكاية طويلة أوي مش عايزة أشغل بالك بيها صممت على معرفة التفاصيل كاملة، فبدأت نادية تروي ما لم أكن أتوقعه وتقول في خجل:
زمان.. خالي كان بيساعد ماما، لغاية ما عرف أن بابا اتفصل من الشغل، قال لها اعتمدوا على نفسكم، وكأن بابا عمل ده بمزاجه، أمي ما استسلمتش، ودورت على شغل، بقت تمسح سلالم البيوت، وتساعد بابا، وهو يلف يعمل أي حاجة علشان يجيب مصاريف البيت، ولما خرجت من المدرسة كان لازم أساعد فاشتغلت في مصنع وأنا عندي 13سنة، والدنيا مشيت شوية، وكنا كلنا حاطين أملنا على أختي إنها تكمل تعليمها وتساعد، ولما بقيت عندي 15سنة، اتقدم لي واحد من الجيران، بابا وماما كانوا عايزين يستروني ويخلصوا من واحدة مننا علشان الحمل يخف. كانوا فاكرين أنهم كده بيخلصوا رسالتهم، وبيخلوا مسئوليتهم المهم عملوا لي شهادة تسنين وجوزوني وأنا عندي 15سنة وخلفت بنت وبعد شوية فوجئت بجوزي بيعمل حاجات غريبة صراخ وضرب بدون سبب,كان مقطع لي جسمي ضرب من غير أسباب كل يوم والتاني أروح بيت أبويا وشي وارم، وأبويا يرجعني تاني وأمي تبكي! بعد فترة اكتشفنا أنه بيشرب بانجو وحشيش وبرشام، وبطل يصرف على البيت وبسبب الضرب هربت من البيت وقعدت عند أبويا سنة كاملة، لغاية لما جه صالحني وحلف أنه مش هايعمل كده تاني، ووعدنا أنه مش هايشرب تاني مخدرات وفعلا رجعت البيت وصدقناه كلنا وخلفت بنتي التانية عندها حاليا سنة ونص.
وطبعا كانت مجرد خية علشان أرجع البيت واكتشفت أنه ما بطلش مخدرات لكن المصيبة الأكبر أني اكتشفت أنه مدمن استروكس كان ياخد الجرعة من هنا وبروح في دنيا تانية، ويبدأ تكسير وضرب زي الغول، زي المارد اللي بيطلع من الفانوس ماحدش يقدر يوقفه، البنات كانوا بيشوفوه في الحالة دي، وكانوا بيشوفوني وأنا بانضرب لحد الموت، ولما يفوق يحاول يصالحني! سبت البيت ورحت لابويا، المرة دي روحة بلا رجعة، مشيت وأخدت البنتين لكن الاستروكس كان ورايا ورايا. جاني عند أبويا، وخطف البنت الصغيرة، وأخدها ولأنه عارف أننا مش معانا فلوس لانرفع قضية ولا نثبت أي حاجة عليه،كان ضامن أننا مش هانقدر نعمل له حاجة، وفعلا حماتي أخدت البنت الصغيرة وسابوا لي البنت الكبيرة وتصورت أن الأمور انتهت.
وبدأت المأساة من جديد، يشرب الاستروكس وييجي تحت البيت ويكسر الباب ويدخل ويضرب في أبويا، اضطرينا نعزل أكثر من مرة، وراحت كل مساعدات اللي حوالينا في العزال، وتأمين الشقق الإيجار الجديد، وبعنا كل عفشنا وأصبحنا علي البلاط بسبب هروبنا منه، وآخر مرة عزلنا في مكان بعيد علشان ما يعرفش يوصل لنا علشان كده كنا قاعدين علي البلاط، ولا عندنا عفش ولا أجهزة كهربائية ولا بوتاجاز ولا ثلاجة ولا أي شئ والبنت متبهدلة معايا باحاول أشوف أي مصنع أنزل اشتغل فيه، زي زمان مش لاقية كل اللي محتاجاه شغلانة وعفش ننام عليه سرير ودولاب وأجهزة تعيشنا عيشة آدمية.
ثم وقفت نادية وأغلقت الباب، ورفعت عباءتها لتكشف عن مناطق الإيذاء الذي سببه لها زوجها في مختلف أنحاء جسدها، مؤكدة لي أنها حاولت من قبل علاجه حتي أنها ذهبت إلي مدينة الإنتاج الإعلامي لتري أيا من الإعلاميين الكبار أثناء دخوله ليعرض مشكلتها وتجد من يتبني حالة زوجها بينما هرب منها لأنه لايريد الشفاء ولا الفكاك من تعويذة الشيطان نعم فـتعويذة الشيطان هو الاسم الشائع عن الاستروكس هكذا أسماه البعض، إذ وصفوه بأنه العقار الأكثر خطرا من الحشيش والبانجو لأنه مخدر غير مزروع أنه مخدر صناعي وصفه البعض بأنه:لما مل الشيطان من استخدام مداخل وطرق إغوائه التي عفا عليها الزمن رأي أن يجدد من أساليبه بمساعدة أحد تلاميذه النجباء من بني البشر فنفث عصارة خبثه في مخدر جديد قام بإعداد خلطته المدمرة بنفسه وأخفي ما بها من سموم قصيرة المدي بوضع الكثير من الربح الطيب بها كما أكسبها شكلا أنيقا ولونا خلابا لتزيينها في عيون المريدين كما تزين المعصية في عيون ضعاف النفوس وأسماهاتعويذة الشيطان ليصبح هذا المخدر علي رأس قائمة السموم البيضاء وينتشر بين أوساط الشباب خاصة بين أبناء الطبقات الثرية ويحصد معه أرواح ضحاياه بعد أن يصيبهم بكوارث اجتماعية وصحية.
ليست هذه هي المرة الأولي التي نستعرض خلالها سطوة المخدرات علي شباب فقدوا عقولهم وعائلاتهم ومستقبلهم بسبب تعويذة الشيطان تحديدا لكننا كتبنا خمس حلقات سابقة عن أولئك الذين نعتبرهم ضحايا التجار الكبار, وضحايا سماسرة المخدرات فخلفوا ضحايا من الأبناء والزوجات لنصل إلي واقع ممزق ومستقبل مشوه، لأن ذلك العقار تحديداً، هو أحد أنواع العقاقير النفسية المسببة للهلوسة، وكان من المفترض أن يتم استخدامه لتهدئة الأسود أثناء عروض السيرك، وكذلك يستخدم مهدئا للثيران ولكن تجار السموم، حولوه لكيف ليصبح المخدر الأول في عالم الإدمان.
يشبه هذا المخدر أوراق البانجو فلونه أخضر فاتح ورائحته تشبه الماريجوانا لكن مذاقه يختلف عن الحشيش والبانجو ويتم تعاطيه إما عن طريق الفم أو الشم أو عبر الحقن.. يحتوي على عدة مواد تسبب السيطرة التامة علي الجهاز العصبي للمتعاطي كما تصيبه باحتقان شديد واحمرار بالوجه واتساع في حدقة العين.تم إدراجه ضمن المؤثرات العقلية الجديدة التي يهدف مروجوها إلي استنساخ وتقليد آثار المخدرات غير المشروعة وربما كان بعض هذه المواد موجودا منذ سنوات لكن تم إدخالها في السوق في أشكال كيميائية معدلة.
تعود أسباب انتشاره لسهولة الحصول عليه والاعتقاد الخاطئ بأن منتجات المخدرات الاصطناعية مبنية علي مواد طبيعية غير مؤذية وهذا اعتقاد مدمر لأن الاستروكس عقار تتفاعل المكونات العشبية له مع المهدئات التي تم حقنها فيه ليصير مخدرا فتسيطر علي الجهاز العصبي وتؤدي إلي مسح الذاكرة وضمور المخ وتشنجات عصبية وأحيانا تضيق الدورة الدموية تماما حقا لا أعرف ماذا نفعل مع مدمنيه هل نتعاطف معهم باعتبارهم ضحايا أم نعاقبهم لأنهم لا يريدون الشفاء؟أم نطردهم من دائرة الشفقة؟
لما جاءت نادية وغيرها من الشابات اللواتي وقعن ضحايا لأزواجهن بسبب إدمان ذلك العقار تحديدا كانت كل واحدة تحكي عن أعراض تأثير إدمان الاستروكس علي زوجها اذ تشبه أعراض إدمان الحشيش ومنها اضطراب في المزاج,والنوم,آلام في الجسد وثقل الأطراف والشعور بالبلادة واللامبالاة والتنميل وشدة الخوف من الموت ورغبة شديدة في التعاطي مرة أخري, هياج شديد,ثورة عارمة يعقبها ضرب وتدمير لكل شئ يمكن أن تمتد يد المتعاطي إليه.
احمرار شديد في الوجه وحركة زائدة بسبب ارتفاع ضغط الدم وزيادة في ضربات القلب,اتساع في حدقة العين واحمرارها.حقا إنها تعويذة الشيطان التي يتحول معها الإنسان لمسخ يشبه الشيطان حينما يهاجم الإنسان الساكن فينا,الذي فطره الله علي صورته ومثاله,مالنا مستغربين؟ألم يقل لنا الكتاب المقدس إن الشيطان سيجول هذا العالم يحاربنا,لأننا صورة الله ومثاله,أنه يحاول أن يحتل هذه الصورة,أن يسكنها فمن يسمح منا له بالدخول سوف يستوطن ولا مفر.
الحياة تتكلم
عقب جلستي مع نادية لجأت لمؤسسة الحياة للطب النفسي والإدمان وهي إحدي المؤسسات العاملة في هذا المجال بقوة وفاعلية ومشهود بها وأجمع أطباؤها علي أن العلاج من مخدرالاستروكس يستغرق ما بين أسبوعين إلي ثلاثة أسابيع وقد تزيد المدة حسب الجرعة التي يتعاطاها المريض وكذلك الحالة الصحية العامة له ويتم العلاج داخل مصحة علاجية أو مركز متخصص لأنه يمر بعدد من المراحل:
مرحلة الانسحاب:
تعتمد هذه المرحلة علي إعطاء المريض بعض الأدوية والعقاقير التي تساعد علي إزالة السموم من الجسم هذا إلي جانب الأدوية المضادة للأعراض الانسحابية مثل الأدوية المضادة لأعراض الذهان العقلي وكذلك مضادات الاكتئاب والمنومات ويتم اختيار نوع الأدوية والعقاقير التي ينبغي تناولها بناء علي الحالة الصحية العامة للمريض واختيار الأدوية المناسبة.
مرحلة العلاج النفسي:
هذه المرحلة الثانية في رحلة علاج الإدمان وتكمن أهميتها في أنها تؤهل المريض لعلاج الإدمان بشكل عام كما أنها تساعده علي اتخاذ كافة أساليب وسبل الوقاية تجنبا لحدوث الانتكاسة وتتضمن هذه المرحلة عدة خطوات فرعية أخري وهي:أن ترتكز هذه المرحلة علي التشخيص الطبي والتوازن بين العلاج النفسي والعلاج الدوائي وهذه المهمة تقع علي عاتق الطبيب المعالج وتستغرق مدة العلاج ما بين أربعة إلي ستة أسابيع ويتحدد ذلك حسب طبيعة الأزمات والأعراض النفسية التي يتعرض لها المريض أو المقاومة للعلاج,ويتم تطبيق بعض المقاييس والاختبارات النفسية لحسم التشخيص النفسي للمتعاطي ومعرفة حجم الضرر النفسي الذي نتج عن تعاطيه.
يتم اختيار العلاجات النفسية والأدوية المهدئة أو المنومة حسب التشخيص الطبي وبجرعات يحددها الطبيب المعالج يتم إلحاق المدمن بالعديد من أنشطة المجتمع العلاجي واتخاذ أساليب التحفيز الملائمة التي يحتاجها للتخلص من جذور الإدمان نهائيا.
المرحلة الأخيرة
أما المرحلة الثالثة والأخيرة من العلاج فعادة تعتمد علي جلسات العلاج الجماعية ويتم فيها تبادل الخبرات المختلفة بين الأطباء والمعالجين النفسيين وعدد من المتعافين وكذلك الراغبين في التعافي.
جماجم الهاوية
يباع الاستروكس في أكياس بلاستيكية مرسوم عليه دائما صور جماجم وحيوانات مفترسة إنها جماجم الهاوية,ولا أعلم كيف يقدم شاب علي شراء مخدر هو يعلم ما سيفعله بجسده ولو من باب التجربة,فالناس تقدم علي تجارب مفيدة أو حتي خطيرة لكن أبدا لايقدم أحد علي تجربة الموت,وبالرغم من ذلك بلغت نسبة تعاطي مخدر الاستروكس في مصر40% من إجمالي أعداد المدمنين علي المخدرات,الذين أظهرت إحصائية لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي أن نسبتهمإجمالي المتعاطين للمخدرات في مصر وصلت إلي 2.4% من السكان,لتصل نسبة التعاطي10% متفوقة عن المعدلات العالمية التي لم تسجل أكثر من5% وأظهرت أن التفاوت في الأوقات المختلفة لتعاطي المخدرات ما بين التعاطي بشكل يومي,أو في أوقات متفاوتة,ويبدأ تعاطي المخدرات منذ سن 11عاما,إضافة إلي ذلك أن أكثر من80% من الجرائم غير المبررة تقع بسبب تعاطي المخدرات وساهم في انتشار الاستروكس أنه ظل فترة طويلة خارج نطاق تجريم القانون لذلك تم تداوله بسهولة وهذه النسبة عن وحدة مكافحة الإدمان والمخدرات.
ويقول الدكتور أحمد الكتامي المشرف علي الخط الساخن لصندوق علاج ومكافحة الإدمان,الاستروكس ليس مادة مخدرة يتم تصنيعها أو زراعتها مثل الحشيش والبانجو,والماريجوانا,والأفيون,بينما هو أعشاب طبيعية لا شأن لها بالمخدرات يتم خلطها بمواد كيميائية بعضها مخدر سرعان ما تضع المتعاطي في حالة فقدان للوعي بمجرد تدخينها.
نصائح للآباء والأمهات
لمن لايعلم فأن شكل الاستروكس الذي كشفت الكثير من القضايا عنه خلال تحقيقات النيابة العامة,أنه مجرد أعشاب البردقوش لكنها مخلوطة بالمواد الكيميائية التي يتم تحويلها لاسبراي يتم رشه كرذاذ علي التبغ أو أعشاب البردقوش والمرمرية لخلق المادة المخدرة يستعملها عن طريق خلطها بتبغ السجائر مثل الحشيش ومن ثم إشعال السيجارة والبدء في التعاطي وكأنه مدخن عادي وهذا هو مكمن الخطر فإن بعض الآباء والأمهات لايعلمون أن أبناءهم يتعاطونه لأنه يشبه أعشاب التخسيس وأعشاب التبغ العادية.
قاتل الأثرياء
اللافت للنظر أن الاستروكس بدأ رخيصا ثم انتشر في أوساط الحرفيين والأثرياء الذين تنتعش أحوالهم المادية,لأن أسعار الاستروكس تحسب بالجرامات,مثل الهيروين ويصل سعر الجرعة الفاعلة ما بين الـ200 و300جنيه,حيث يكفي الجرام للف سيجارة أو أكثر وينتشر بين أولاد الذوات من الفتيات ويلقي رواجا بين المدمنين لتوافره وسهولة الحصول عليه,ويفوق مفعوله الماريجوانا بأكثر من200 مرة والمحزن أن بداية تداول العقار في مصر لم تتعد العامين تقريبا وبالرغم من ذلك استطاع تدمير عدد كبير من الشباب.
نادية فتحت مجددا كارثة تعويذة الشيطان – الاستروكس – لندق أجراس الموت القادم من أعماق الكيف فلا الكيف باق ولا خلقت أجسادنا له,لذلك كان علينا شرح أزمة الاستروكس كاملة ربما نجد من يساعد نادية وكل من تشبهها من الزوجات وكل من يتعذب في أسرة فقدت عائلها معنويا بفعل المخدرات ربما نجد من يسهم في إنقاذ المستقبل بعد ضياع الحاضر تحت أقدام لعنة الكيف وبفعل تعويذة الشيطان.
تواصلوا معنا عبر المحمول – 01224003151
تليفون أرضي بجريدة وطني 0223927201
البريد الالكتروني: [email protected]
البريد: مؤسسة وطني للطباعة والنشر – باب افتح قلبك ، 27 ش عبد الخالق ثروت، القاهرة