أنطون سيدهم.. ومشوار وطني
أنطون سيدهم.. والوحدة الوطنية
نشر بتاريخ 6 / 6 / 1986
علي مدي التاريخ وقف رجال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بكل حزم وقوة ضد أية محاولة من أية جهة خارجية للتدخل بينهم وبين مواطنيهم, وكانت الكنيسة في كل هذه المواقف واضحة كل الوضوح, مؤكدة أن علاقة الأقباط بإخوانهم المسلمين هي علاقة وثيقة ووطيدة لم يعتورها أي مأخذ طوال القرون الماضية, وأية سحابة أو غمامة تصيبها فإن المحبة والإخوة وحسن النية وسلامة الطوية كان كفيلا بإزالتها.
وهناك من المواقف المعروفة ما يؤيد هذا الترابط الوثيق, الذي أحبط محاولات عديدة للتدخل, ولكن حكمة باباوات الكنيسة القبطية وقد أفشلتها ووأدتها, وأني أسوق ـ علي سبيل المثال لا الحصر ـ حالتين حديثتين نسبيا, الأولي وهي زيارة سفير إحدي الدول العظمي لبطريرك الكنيسة القبطية وإبلاغه رسالة من قيصر هذه الدولة, وجري الحديث كالآتي:ـ
ـ لقد طلب مني مولاي جلالة القيصر إبلاغكم بأنه يعرض عليكم حمايته..
ـ هل جلالته إنسان مثلنا يأكل, ويشرب, وسيموت؟
ورد عليه السفير بالإيجاب, وهنا قال البطريرك:
ـ كيف نقبل حماية من سيموت؟ نحن في حمي الله الذي لا يموت.
فخرج السفير من لدنه يجر أذيال الفشل.
كما أن الإنجليز أثناء مفاوضاتهم مع الزعيم سعد زغلول حاولوا التذرع بدعوي حماية الأقليات, فرفض بطريرك الأقباط الأرثوذكس هذه الدعوي رفضا باتا, وبالرغم من إلحاح الإنجليز في ذلك الوقت علي البطريرك بالموافقة علي هذه الحماية بأي صورة من الصور, فقد تمسك البطريرك برفضه الشديد.
لقد مضت القرون والعلاقة بين المسلمين والأقباط تظللها المحبة والسلام, وحينما كان يطرأ أحيانا ـ طبقا لأهواء الحكام ـ بعض التوتر أو سوء الفهم, فقد كان دائما وأبدا في الأعتبار الأول للأقباط أن العلاقة وثيقة والرابطة قوية بينهم وبين إخوانهم المسلمين ولا يمكن أن يطرأ علي تفكيرهم بحث هذه العلاقة مع الآخرين.
لذا لقد دهشت حينما قرأت في إحدي الصحف أنه نقلا عن تقرير لوكالة أنباء أسوشيتدبرس أن مصادر الكنيسة القبطية أبلغت منظمة العفو الدولية في لندن عن قلقها بشأن ستة أشخاص مصريين واثنين مغربيين واثنين آخرين تونسيين ألقت السلطات المصرية القبض عليهم بعد ارتدادهم عن الإسلام إلي النصرانية, خلال شهري يناير ومايو الماضيين ووضعوا في سجنين خارج القاهرة.. إلي آخر ما نشرته الصحيفة.
وقد اتصلت فورا بالمصادر المطلعة بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية, فنفت نفيا قاطعا أن ثمة إبلاغا أو مجرد اتصال صدر من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية للمنظمة المشار إليها, أو لأي جهة أخري أجنبية, إذ أن تاريخ الكنيسة القبطية معروف في مثل هذه المسائل, فقد رفض باباواتها كل تدخل من أية جهة أجنبية في شئونهم وعلاقاتهم مع مواطنيهم, كما رفضوا كل ما لوح لهم به من تلك الجهات لأي سبب من الأسباب وتحت أي ظرف.
إننا نشجب بكل قوة إقحام الكنيسة القبطية في مثل هذه المسائل, ونرجو عدم الخوض فيها, ونعلن أنه ليس للكنيسة القبطية من ملجأ أو ملاذ غير حكومة مصر بعد الله عز وجل, فلن نلجأ إلي غيرها فيما قد يعرض لها, كما هو ديدنها دائما.
أن الأقباط الذين تربطهم بإخوانهم ومواطنيهم المسلمين روابط وثيقة من الألفة والتعاطف والمحبة, لن يكون لهم من سبيل غير هذه الإخوة التي يتنادون بها, والتي يلتقون فيها دائما علي كلمة سواء.