عندما تمنع سلطات سياسية كتابا أو فيلما سينمائيا أو أغنية، فهذا المنع كاف لمزيد من الإقبال على العمل الممنوع، فيشتهر وينتشر بغض النظر عن جودته أو محتواه. إن المنع يؤدي إلى التطلع بمعنى أن الممنوع مرغوب، كما يؤدي إلى التعاطف والتضامن من قبل البعض، وبالتالي فإن من يذم العمل ومن يمدحه يلعبان أدوارا متباينة ولكنه ما ينخرطان في تيار التعريف بالعمل ونشره. وبالطبع فإن هذه الظاهرة أصبحت أكتر قوة وحدة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، لدرجة أن غير المهتمين بالموضوع يجدون أنفسهم في خضم الموضوع بحكم تواجدهم في شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي الحقيقة أن هذا الأمر ينطبق أيضا على ما نسميه “الفضائح” سواء كانت فضائح لأغراض سياسية أو شخصية أو حتى بدون سبب معلوم. ومع كل فضيحة تزداد شهية إبداء الرأى، سواء بالسلب أو الإيجاب، فثمة من يستمتع بلعبة التشهير لمجرد التشهير، وثمة من يعلن انحيازات واضحة إما ضد أو مع، وفى كل الأحوال يساهم الجميع فى إدارة عجلة التشهير، وغالبا ما يتمنى المعنيون بالموضوع، سواء كانوا مذنبين أو ضحايا، أن تتوقف هذه العجلة عن الدوران وأن يعم الصمت، فالصمت هو كل ما يتمناه من يتعرض للتشهير.
لا شك أن تعمد الإساءة أو الاستمتاع بالفضائح والتشهير، وهى حالة قد تكون مرضية بالمعنى النفسى والاجتماعي، مسألة لن يحلها النصح والإرشاد الأخلاقي، فإذا لم توجد تدابير وإجراءات مؤسساتية أو قانونية تعاقب على الإساءة والتشهير الذي يسبب ضررا معنويا أو نفسيا لآخرين، فلن تتوقف مثل هذه الممارسات. لكن المشكلة، في حقيقة الأمر، تخص أولئك الذين يعلنون إدانتهم للفضائح والتشهير ومع ذلك فإن تضامنهم هذا لا يحل المشكلة بقدر ما يسهم فى إبقاء الموضوع مثارا على صفحات التواصل الاجتماعي، ثم على الألسنة. فإذا لم يكن تضامنهم مؤثرا في حل المشكلة، فإن صمتهم قد يكون أضعف الإيمان، أي عدم المساهمة في إدارة عجلة التشهير. إن الصمت أحيانا يكون أفضل وسيلة للتضامن.
من المؤكد أن أننا تعرضنا فى وقت ما لواقعة شعرنا فيها بالإحراج، مثل زلة القدم والسقوط على الأرض أو أن نكتشف قطع ما في ملابسنا في مكان عام أو وسط مجموعة، وإذا لم يكن حدث لأي منا فمن المؤكد على الأقل أننا تصادف وشاهدنا شخص ما، رجل أو إمرأة أو حتى طفل، في مثل هذه المواقف المحرجة، ونعلم تماما أن الشخص يتمنى ألا يكون أحدا قد رآه حتى يتحرر من الإحساس بالخجل. ولا شك أن أي نوع من التهكم على الواقعة هو إيذاء لمشاعر الشخص لا محالة، ومع ذلك فربما تكون عبارات التعاطف، التي تصدر بحسن نية، مؤذية كذلك، لأن الشخص في هذه اللحظة لا ينتظر التعاطف إنما النسيان. وربما يكون هذا المقال مجرد نداء أخلاقي، ليس لمن يسعدون بالفضائح والتشهير، ولكن لم يرفضون هذه الممارسات: قبل إبداء الرأي تذكر إذا ما كان رأيك سيحقق هدفك في وقف التشهير أم أنك بحسن نية تسهم في الإبقاء على حالة التشهير، وإذا استشعرت ذلك فاجعل تضمانك صمتا.